القري يشرح واقع السينما المغربية.. الدعم سبيل تصحيح "مسار معطوب"

جزء ثالث من “عتبات في الجماليات البصرية” للناقد إدريس القري صدر بعنوان “سينما المملكة ومملكة السينما – البنيات والأدوار”، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ويهتم ببنية السينما المغربية وإشكالاتها سياقا، وإنتاجا، وعرضا، ووظيفة، وتصوّرا، والمهرجانات السينمائية وواقعها، وتصوّر النقد السينمائي، وجماليات أفلام سينمائية مغربية، تجارب ومواضيع.

وفي تقديم هذا المؤلف الجديد كتب محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن هذا العمل “دراسة معمقة سوسيو ثقافية لواقع الصناعة السينمائية المغربية على امتداد تاريخها حتى نهاية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين”، ويسافر بالقارئ “نحو عالَم السينما المغربية، وسيمكنه من التعرف على تاريخها وما أنجزته المملكة في المجال السينمائي”.

ومن بين ما يهتم به الكتاب الجديد اندماج السينما المغربية من عدمه في “إستراتيجية التحديث والعصرنة” بعد انتقال المغرب من فيلم واحد في السنة خلال ستينيات القرن العشرين إلى أزيد من 100 فيلم بين طويل وقصير ووثائقي اليوم، كما يطرح أسئلة مثل: “هل بنت السينما المغربية علاقة جدلية وتفاعلية وإبداعية مع قضايا المجتمع وثقافته الأدبية والسياسية والجمالية؟”.

ويتابع العمل: “في سياق عالم غدت فيه الصورة في قلب ليس الأحداث الأكثر استقطابا للشعوب وحسب، بل في قلب صناعة الرأي العام وبسلطة تضليل وتزييف لم يشهدها التاريخ الإنساني من قبل، هل نسجت السينما المغربية صورة عن وطنها ومواطنيها وتاريخهم وثقافتهم، رموزهم وأبطالهم ومآسيهم وفتوحاتهم، إخفاقاتهم وبطولاتهم ومشاكلهم وتغيراتهم وأفراحهم وأحزانهم؟ وبعد أكثر من ستة عقود مضت على انطلاق الإنتاج السينمائي هل تم تأسيس سينما مغربية بنيويا؟ وإلى أي مدى ساهمت السينما المغربية في إغناء المخيال المغربي الحديث، وفي ربطه وتقعيده باستثمار المخيال الخصب الموروث وما يحبل به من وقائع وجماليات؟”.

وطرح القري هذه الأسئلة في ظل تصور لدور “مملكة السينما” التي عند توفّرها في بلد من البلدان “بشكل متكامل وفعال ومنتج وناجع الأدوار والوظائف”؛ تروّج وتدعم “نوعا من التفكير والتأمل واستخلاص العبر من الحياة الإنسانية الجماعية لمجتمع معين داخل المجتمع الإنساني، وبعض التعلم من حكاياتهما التي لا تنتهي خصوبة وتنوعا وغرابة، بهدف تربية الناس ومنحهم بعض المتعة في فضاءات العيش المشترك، وتوجيههم نحو نضج اجتماعي ومدني، ومعرفة بالناس وبالثقافات وبالمجتمعات، ونفسية الإنسان ومشاعره، نجاحاته وإخفاقاته”.

ويسترسل الكاتب موضحا: “إن مملكة السينما التي تستلزم بنيات للإنتاج والتصنيع والترويج لا تتوقف المساحات الراقية والظليلة للاستمتاع فيها وبها على وجود البنيات المادية، من استوديوهات وقاعات سينما ومختبرات معالجة معلوماتية للألوان والصوت والضجيج والتركيب، بل إنها تتوقف على وجود بنيات أخرى تضاهي البنيات المادية”.

من هذه البنيات غير المادية “مساحات برامج متخصصة وتظاهرات منتظمة للمنافسة، وفضاءات إحياء للعرض وللنقاش والاستغلال الثقافي والحوار الإعلامي والدعاية المتخصصة”، وفق المصدر ذاته، مردفا: “كما تحتاج مملكة السينما أيضا برامج للتوجيه ولإنعاش هذه الصناعة التركيبية، التي تتزين سماؤها بنجوم تصير نجوما بالمعنى الأصيل للكلمة، وكما هو متعارف عليه في نسقها الغربي المحترف، التزاما وعملا دؤوبا منتجا ومعقولا جمالية وقيما وسلوكا وقدوة”.

ويقف الكتاب عند معيقات السينما المغربية، نشأة وإنتاجا وكتابة وبنية؛ بعد “خمس وسبعين سنة من تأسيس المركز السينمائي المغربي، وبعد ثلاث وستين سنة من الاستقلال”، دون أن تتطور إلى “صناعة متكاملة الأركان، تغطي البلد وشاشاته التي تجعلها رافعة في التحديث والإثراء الثقافي والدعم الدبلوماسي والتوظيف والتشغيل وتحويل التكنولوجيا الداعم لحيوية البلاد والعباد”.

كما يدافع العمل عن السينما “رافعة للتحديث لا مندوحة عنها”؛ فـ”ضمن بنية نسق من الرافعات الثقافية التواصلية والإعلامية هي وحدها تضمن تحييد أحادية التنمية تقنوقراطية المنبع، التي لا ترى في كل الفني والثقافي سوى مواكبة ‘ترفيهية’ لما هو اقتصادي”، ويدافع عن نموذج تدعم فيه “جماليات الصدق والتناغم والجودة التي يحتاجها البلد”، مع حرص رقابيّ على تحقيق ذلك.

ويدعو القري إلى الرّهان على “بناء قاعات كافية عبر التراب الوطني لتزويد السينما المغربية بدورة ترويجية كاملة وبراغماتية على كل المستويات”، قائلا إن هذا “هو الاختيار الإستراتيجي الذي سيدر على الدولة وعلى المجتمع منافع مالية واجتماعية وثقافية وتنشئوية لا ثمن لها”، وينتقد فكرة الحد من عدد المهرجانات السينمائية بالمغرب، قائلا إنها “على اختلافها تشكل اليوم متنفسا حقيقيا للجماهير داخل المدن، الصغرى والمتوسطة والكبيرة، يقرّبها، ولو بشكل مشوّه في كثير من الأحيان، من الفن السابع ومشاهيره، وأفلامه وتقنيات صناعته، وذلك من خلال كل فقرات المهرجانات وبرامجها”.

ويشرّح الكاتب واقع “المهرجان الوطني للفيلم بطنجة”، و”المهرجان الدولي للفيلم بمراكش”، مع تتبع حضور مواضيع معيّنة في أفلام عدد من المهرجانات السينمائية بالبلاد، والوقوف عند حصيلة عدد من التجارب السينمائية المغربية.

كما يبيّن الباحث في الجماليات البصرية أن حل إشكاليات “قضايا الإبداع والإنتاج والترويج” في السينما المغربية رهين بوضع وتطبيق إستراتيجية شاملة، أساسها: “تشييد قاعات كافية (…) لأن الترويج الكافي لأفلامنا سيكمل دورة الصناعة، ويربط السينما الوطنية بمجتمعها وبالدورة الإنتاجية، الصناعية والمالية والثقافية – الفنية للمملكة”.

وهكذا، “سيصبح الدعم المالي للإنتاج السينمائي المغربي مكرسا للمشاريع الفيلمية من النوعين الشبابي من جهة، والطليعي من حيث الإبداع أساسا، ذلك أن أغلبية إمكانيات التمويل للصناعة السينمائية الوطنية ستنبثق حتما”، وفق تصور الباحث، “عن بناء شبكة قاعات وطنية”؛ وهو ما سيصب “بالنظر إلى منطق الربح والسوق، في خانة الفيلم المتلائم أكثر مع منطق وذوق العامة المدر للربح بالنسبة للمشتغلين على سينما تفتقد للحس التربوي الجمالي، كما أنها لا تندرج ضمن سياق التحديث والتمدين والدبلوماسية الموازية التي تنسجم والإستراتيجيات العمومية للتنمية البنيوية للمملكة”.

وهذا التصور “تصحيح مسار نموّ معطوب من جوانب متعددة”؛ فـ”دعم الدولة” المالي السنوي للإنتاجات السينمائية “يظل هو الآلية الوحيدة الضروريّ إعادة النظر في توظيفِها، لتعليم السينما المغربية كيفية الاستغناء عن الدعم نفسه والدخول في مرحلة الاستقلال وتصحيح المسار وملاءمته ذاتيا، كي تتحول السينما المغربية إلى مؤسسة وبنية منتجة ومساهمة في مسيرة المجتمع والدولة معا، على طريق تحديث وتنمية دائمَين ومتجددين قوامهما وقاعدتهما المواطن والوطن معا”، وفق المصدر ذاته.

The post القري يشرّح واقع السينما المغربية.. الدعم سبيل تصحيح "مسار معطوب" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/JOgi4mh

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire