شقير يضع جهة "البيضاء سطات" بين افتقاد الهوية وغياب الاستراتيجية

قال الباحث السياسي محمد شقير إن جهة الدار البيضاء- سطات لا تشترك وعيا مشتركا نتيجة عدم بلورة مكونات هذا الوعي التاريخي المشترك والشعور بالتجذر في هذه المنطقة الممتدة على حدود مناطق الشاوية.

 وأضاف شقير في مقال معنون بـ”جهة الدار البيضاء- سطات بين افتقار الهوية وغياب الاستراتيجية” أنه إذا كان يمكن تفسير الأمر بتعاقب الهجرات من مختلف أقاليم المملكة وتوافد موجات بشرية مختلفة عليها طلبا للعمل والاستفادة من رواجها التجاري والاقتصادي، فإن ذلك لا يبرر غياب انعدام وعي تاريخي لدى ساكنة هذه الجهة.

وهذا نص المقال كما توصلت به هسبريس:

تعتبر اللحمة الثقافية من بين المكونات الأساسية في أي تجمع سكاني وطني أو جهوي او محلي. فهي التي تؤطر السلوك الجماعي، سواء بتكريس الهوية الجماعية والشعور بالانتماء، أو بتحديد ضوابط التعامل الجماعي، وتقوية سلوكيات التمدن من تعبير وتفاعل إنساني واجتماعي. وتزداد أهمية هذه اللحمة في تجمع متنوع الانتماءات القبلية والإقليمية والأصول الاجتماعية كجهة الدار البيضاء سطات.

  جهة الدارالبيضاء- سطات والافتقار إلى الهوية الثقافية

تميز التراث الثقافي لجهة الدارالبيضاء- سطات، التي تضم إقليم سطات وسيدي بنور، وبرشيد، وبنسليمان، ومديونة، والنواصر، والمحمدية، والجديدة، وآزمور، بتنوعه الاجتماعي وتعايشه الديني وغناه التاريخي: فهو يتميز بتنوعه السوسيولوجي، حيث يجمع بين ساكنة قروية (جبلية وسهلية) وحضرية (بيضاوية، فاسية وسوسية…)، وبدوية (صحراوية). كما يتميز بتعدد جنسياته أوربية (فرنسية، إسبانية وبرتغالية…)، وآسيوية (صينية، هندية وتركية…)، وعربية (مصرية، سورية وعراقية…)، وإفريقية (موريتانية، سنغالية، مالية وإيفوارية…). كما يتعايش في مجالها تعدد ديني تتعايش فيه الديانات السماوية الثلاث (مسيحية، يهودية وإسلامية)، والمتجسد في تجاور المساجد مع كنائس مختلف الطوائف المسيحية، كاثوليكية وأرثوذوكسية، وبروتستانتية، وبيعات يهودية. في حين تتناثر في جوانبه مقابر مختلف هذه الطوائف من “معارات” وروضات وغيرها.                            

كذلك تتميز هذه الجهة- بالإضافة إلى تنوعها الطبيعي حيث تجمع أقاليم الجهة بين البحر والأنهار والغابات والسهول- بغناها المعماري الذي يجمع بين المواقع الأركيولوجية كمغارة سيدي عبد الرحمان، ومآثر تاريخية كالمآثر البرتغالية (مازغان بالجديدة التي صنفت تراثا عالميا منذ 2003، والأسوار البرتغالية بآزمور…) ومبان مخزنية كالسقالة، ومسجد الحمراء…، وقصبتي المحمدية وبلعوان، ونيو مخزنية تتمثل في حي الأحباس بأحيائه التقليدية ومسجده الأعظم ومحكمته وقيساريته. إلى جانب ذلك تتميز هذه الجهة بحيويتها الاجتماعية والشعبية، حيث تتجاور في مختلف أقاليمها هذه الفسيفساء الاجتماعية: ساكنة المدن العتيقة وساكنة المدن العصرية، والأحياء الشعبية مع الأحياء الراقية وسكن الفئات المتوسطة. وتتواجد فيها مختلف الأسواق التقليدية والعصرية. لكن أمام هذا التنوع الطبيعي والمعماري والاجتماعي تفتقر الجهة إلى هوية تجمع بين ساكنتها، إذ ما زال هناك تنافر في إحساس ساكنتها بوحدة الانتماء لنفس الجهة، فهناك شعور بالاختلاف بين البيضاويين والسطاتيين أو الجديديين، وبين ساكنة مديونة وسيدي بنور…، بل إن هناك تمايزا حتى بين ساكنة نفس المدينة، إذ أن هناك شعورا بالتمايز بين ساكنة أحياء ذات طابع قروي كحي الهراويين والتشارك وأنسي وساكنة أحياء مثل الحي المحمدي ودرب السلطان والمدينة القديمة… ولعل هذا ما ينعكس من خلال النظرة الخاصة التي يحملها ساكنة بعض الأحياء الشعبية أو العصرية لساكنة أحياء طرفية والنعوت التي يتقاذفونها فيما بينهم. ولعل أحداث 16 ماي الإرهابية أو أحداث الشغب الرياضي التي تقع بجنبات أحياء الملعب الشرفي لتعكس بشكل جلي هذا الافتقار إلى هوية ثقافية مشتركة، والتي ترجع بالأساس إلى الافتقار إلى مكونات اللحمة الثقافية التي يمكن أن تربط بين مختلف المكونات البشرية والاجتماعية والفكرية لساكنة هذه الجهة.                

جهة الدارالبيضاء- سطات والافتقار إلى وعي ثقافي مشترك

على الرغم من تعايش ساكنة الجهة في فضاء جهوي مشترك يمتد من بنسليمان والمحمدية شمالا إلى الجديدة وسطات جنوبا، ومن مديونة والنواصر شرقا إلى سواحل الأطلسي غربا، فهي لا تشترك وعيا مشتركا نتيجة عدم بلورة مكونات هذا الوعي التاريخي المشترك والشعور بالتجذر في منطقة ممتدة على حدود مناطق الشاوية. وإذا كان الأمر يفسر بتعاقب الهجرات من مختلف أقاليم المملكة وتوافد موجات بشرية مختلفة عليها طلبا للعمل والاستفادة من رواجها التجاري والاقتصادي، فهذا لا يبرر غياب انعدام وعي تاريخي لدى ساكنة هذه الجهة. ولعل الأمر يرجع بالأساس إلى أن كليات الآداب والعلوم الإنسانية، التي أصبحت تتوفر عليها أقاليم الجهة منذ منتصف ثمانينيات القرن 20، ككليتي الآداب بعين الشق وبنمسيك، وكلية شعيب الدكالي بالجديدة، انصرفت إلى تدريس التاريخ العالمي والوطني وحقبات ما قبل تاريخ الإنسانية دون الحرص على تدريس تطور تاريخ هذه الجهة بمكوناته الجغرافية والسياسية والسوسيولوجية. فعلى الرغم من التكريس الدستوري والقانوني لمشروع الجهوية المتقدمة، فإن هذا لم يستغل من طرف المؤسسات الجامعية للجهة لبلورة وعي تاريخي مشترك لساكنة الجهة. كما أن المؤسسات المدرسية لا تساهم بدورها في تنشئة تلامذة الجهة وأطفالها على الوعي المبكر بانتمائهم إلى تاريخ الشاوية كمكون من مكونات انتمائهم إلى تاريخ المغرب. كما أن عدم توفر هذه الجهة على متحف جهوي أو متاحف جهوية يجعلها جهة بلا ذاكرة مشتركة. لذا آن الأوان لإنشاء متحف جهوي لجهة الدارالبيضاء- سطات يعكس التراث التاريخي للدارالبيضاء كمركز للجهة وكمدينة مقاومة وعمالية، ولمختلف أقاليم الشاوية التي تصدت منذ البداية للتوغل الاستعماري الفرنسي. وبهذا الصدد يمكن التفاوض مع القائمين على مشروع متحف ليلى أمزيان الذي يتم بناؤه بشارع مولاي يوسف وقرب حديقة الجامعة العربية، التي تم الانتهاء من إعادة هيكلتها وتجميلها، لإنجاز شراكة تحول هذا المتحف من متحف خاص بشخصية عسكرية من شمال المغرب إلى متحف يشمل تاريخ وتراث هذه الجهة. كما يمكن التفاوض مع بنك المغرب لاستغلال مقره بوسط المدينة لإقامة متحف آخر يضم كل ما يتعلق بالنقود والبريد وغيرهما. بالإضافة إلى ذلك ينبغي إعادة الهوية البصرية للجهة من خلال خلق شركة جهوية للصباغة تكلف بإعادة طلاء وصباغة الواجهات الأمامية لمدن الجهة ومبانيها ومرافقها العمومية بلونها الأبيض المخضب بالأزرق الذي كان يميز مدينة الدارالبيضاء وباقي مدن الجهة كالجديدة والمحمدية وآزمور على غرار المدن الساحلية بالمغرب. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي لتكريس هذا التاريخ المشترك، سواء كان اجتماعيا أو فنيا، العمل على إنشاء فرقة استعراضية خاصة بالجهة تعكس هويتها التاريخية والاجتماعية والفنية من ملابس وفولكلور ومكونات اجتماعية وثقافية. بالإضافة إلى ضرورة خلق إذاعة وقناة جهويتين تعكسان التراث التاريخي والموروث الاجتماعي والبشري لمناطق هذه الجهة.

جهة الدارالبيضاء- سطات وافتقارها إلى استراتيجية ثقافية

عانت الجهة، وبالأخص مدينة الدارالبيضاء قبل أن تتحول إلى مركز للجهة، من الافتقار إلى استراتيجية شمولية لا تهم فقط البنيات التحتية، بل أيضا بنياتها الفوقية. فبالإضافة إلى إهمال إنجاز مقتضيات الاستراتيجية التي كان قد أقرها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1984، فقد تم تغييب أي استراتيجية ثقافية تهم منطقة الدارالبيضاء الكبرى، ليتم الارتكان إلى خلق مركبات ثقافية جماعية بعدما تم الإجهاز على المسرح البلدي للدارالبيضاء كمعلمة من المعالم الثقافية للمنطقة. وبالتالي، إذا كانت مدينة الدارالبيضاء قد حظيت منذ بداية حكم الملك محمد السادس بعناية خاصة تهم بالأساس تزويدها ببنيات تحتية عصرية كشبكة الترامواي، ومارينا، ونقل حضري، وفضاءات خضراء، وخلق متنفسات ترفيهية، وممرات أرضية…، فإنها ما زالت تعاني مع باقي أقاليم الجهة من غياب أي بنيات ثقافية كبرى ومؤطرة. فباستثناء توفرها على أكبر ثاني مسجد في العالم الإسلامي، وأكبر مكتبة بناها ملك العربية السعودية الراحل، وأكبر مسرح ما زال لم يدشن بعد، فهناك جدب كبير يعاني منه الفضاء الثقافي الجهوي نتيجة غياب استراتيجية ثقافية تقوم على محددات شمولية وآليات استشرافية:          

– المحددات الكبرى للاستراتيجية الثقافية، حيث ينبغي أن تقوم أي استراتيجية ثقافية لجهة ممتدة كجهة الدارالبيضاء- سطات، الغنية بتراثها المادي واللامادي وبديناميتها الاجتماعية الجهوية وانفتاحها الكوسموبوليتي، على عدة محددات أساسية، من أهمها:

محدد محلي يراعي هوية التجمعات السكانية، سواء بالقرى أو بالمدن. فعلى سبيل المثال فكل حي بالدارالبيضاء له هوية خاصة (تاريخه الخاص، تعابير سكانه من طريقة التحدث وغيره، فالحي المحمدي له ثقافته الفرعية، والمدينة القديمة لها ثقافتها الفرعية الخاصة، ودرب السلطان له ثقافته المحلية…). وبالتالي ينبغي مراعاة هذا المحدد في بلورة أي نشاط ثقافي في مختلف أحياء باقي مدن هذه الجهة، سواء في مدينة المحمدية أو الجديدة أو آزمور أو سطات.                          

 محدد إقليمي يراعي الخصوصية التاريخية والدينية لأي منطقة من مناطق الجهة (حضرية أو قروية) من خلال مراعاة بأن منطقة لها موسمها السنوي الخاص (دكالة لها موسم مولاي عبدالله) ومهرجان الزهور بالمحمدية الذي انطلق في 2007، ومهرجان العنب ببوزنيقة، ومهرجان العيطة المرساوية بمديونة، ومهرجان الزجل ببنسليمان، ومهرجان ويلوف سطات الذي انطلق في 2010.                              – محدد شمولي ينبغي أن يتبلور في تظاهرات وأنشطة ثقافية تعكس الهوية الكسموبوليتية أو المتروبولية للجهة كمهرجان الدارالبيضاء الدولي، والمعرض الدولي للكتاب، ومهرجان المسرح الجامعي، والمهرجان الدولي للفنون التشكيلية، ومهرجان الراب، ومهرجان السينما بالدارالبيضاء، والمهرجان الدولي للفن الشعبي الحلقة، والمهرجان الدولي للرقص، والمهرجان الدولي للموسيقى العالمية، ومهرجان الطبخ العالمي، ومهرجان أنواع الحلاقة العالمية.                    

آليات الاستراتيجية الثقافية لجهة الدارالبيضاء- سطات

يمكن تحديد هذه الآليات في :

  • آلية تنظيمية تتمثل في خلق وكالة ثقافية خاصة بجهة الدارالبيضاء- سطات على غرار الوكالة الحضرية لجهة الدارالبيضاء، تضم مختلف الفعاليات الإدارية والجمعوية المكلفة بالشؤون الثقافية للجهة، وتتكلف برسم الاستراتيجية الثقافية للجهة، وتحدد البرنامج السنوي الثقافي والتعامل مع الجهات الوطنية والدولية بهذا الشأن، إضافة إلى تنظيم التظاهرات والأنشطة الثقافية، خاصة المتعلقة بأقاليم ومناطق الجهة، والتنسيق فيما يتعلق بهذه البرمجة من خلال الاتفاق على تيمة ثقافية سنوية.

– آلية تأطيرية تتمثل في وضع خريطة ثقافية شمولية تقوم على إعادة توزيع المنشآت الثقافية التي تتركز بالخصوص في الدارالبيضاء والنواصر ومديونة والمحمدية، حيث تتوفر الجهة على أكثر من 200 منشأة ثقافية من دور للشباب ومعارض فنية متركزة أساسا في الدارالبيضاء والمحمدية، والعمل على تعميم المرافق الثقافية بالجهة من خلال خلق مراكز ثقافية في أطراف الجهة. فإضافة إلى المركز الثقافي ببوسكورة والمركز الثقافي لبنسليمان، ينبغي خلق مراكز ثقافية أخرى بسيدي بنور، ودار بوعزة، وسيدي رحال، والذروة.                                                             

– آلية قانونية ترمي إلى توقيف هدم معالم جهة الدارالبيضاء المعمارية على غرار ما حدث بالنسبة للمسرح البلدي، وإقفال المكتبة البلدية، وهدم ثانوية مولاي يوسف، أو هدم فندقي آنفا والشينوا، بالإضافة إلى مجموعة من دور السينما، بما فيها سينما الكواكب والمغرب والنصر ولانكس وغيرها، إضافة إلى نافورة الولاية، وهدم أحياء شعبية (عرصة بنسلامة وسيدي الصوفي ودرب المعيزي وبوطويل وغيرها)، وبلورة ترسانة قانونية لحماية المعالم التاريخية لمدن الجهة من أي لوبي إداري أو عقاري يستهدف هدمها أو إزالتها.                                                            

  – آلية ترويجية حيث يتم الحرص على تضمين كل المرافق الترفيهية وغيرها بما تزخر به المنطقة من ثروات حيوانية ونباتية وسمكية. فعلى سبيل المثال ينبغي أن تضم حديقة عين السبع مختلف أنواع الوحيش الذي تزخر به الجهة كبنسليمان ومديونة وبوسكورة وسطات والجديدة وآزمور قبل استجلاب حيوانات من مختلف بقاع العالم. بالإضافة إلى إنشاء أكواريوم يضم كل أنواع الثروة السمكية التي تزخر بها شواطئ هذه المنطقة وأنهارها، خاصة بعدما تم الإجهاز على حوض الحوت السابق، وتحويل بعض المركبات الرياضية كمركب العربي بنمبارك إلى متحف للذاكرة الرياضية والكروية لنوادي عصبة الجهة كنادي الوداد والرجاء وشباب المحمدية والنهضة السطاتية وغيرها من فرق هذه الجهة.                       

– آلية إدارية وتسييرية تتمثل في إنشاء معهد جهوي لتكوين مسيري ومدراء المرافق الثقافية بالجهة.

The post شقير يضع جهة "البيضاء سطات" بين افتقاد الهوية وغياب الاستراتيجية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/s6NFbjR

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire