شقير يضع "فتح الأندلس" بين الجدال الهوياتي وتدني الوعي التاريخي

قال الأكاديمي المغربي محمد شقير إن “بث حلقات مسلسل “فتح الأندلس” لمخرجه الكويتي سامي العنيزي بالقناة الأولى خلال شهر رمضان أثار جدالا واسعا داخل شبكات التواصل الاجتماعي ليمتد حتى قبة البرلمان”، مضيفا أن “هذا الجدل الذي تحول إلى جدال انصب على الانتماء الحقيقي للقائد طارق بن زياد”.

وتطرق شقير، في مقال له بعنوان “مسلسل فتح الأندلس بين الجدال الهوياتي وتدني الوعي التاريخي”، إلى مجموعة من الجوانب المرتبطة بالمسلسل، خاصة ما يتعلق بـ”القائد العربي طارق بن زياد وفتح المغرب”، و”القائد العربي طارق بن زياد وفتح الأندلس”، خاتما مقاله بالإشارة إلى أن “تاريخ المملكة العريق يحتاج إلى إرادة رسمية لتمويل إبداع سينمائي تاريخي، وإلى كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين يجسدون مختلف مراحل هذا التاريخ”.

وهذا نص المقال:

أثار بث حلقات مسلسل “فتح الأندلس” لمخرجه الكويتي سامي العنيزي بالقناة الأولى خلال شهر رمضان جدالا واسعا داخل شبكات التواصل الاجتماعي ليمتد إلى قبة البرلمان. وقد انصب هذا الجدل الذي تحول إلى جدال على الانتماء الحقيقي للقائد طارق بن زياد، فبعضهم انتقد المسلسل لتجاهل الانتماء الأمازيغي لهذا القائد، والبعض الآخر هاجم المسلسل لعدم التركيز على مغربية هذا القائد، مطالبا بضرورة توقيف بث هذا المسلسل والدعوة إلى رحيل المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة السيد العرايشي. بل بلغ حنق بعض المحامين حد رفع دعوى قضائية، رفضت لعدم الاختصاص، ضد بث هذا المسلسل الذي يسيء في نظرهم إلى تاريخ المغاربة، مما يطرح تساؤلا عريضا حول الدواعي الكامنة وراء هذه الحملة الحامية الوطيس على بث هذا المسلسل من طرف القناة الأولى التي اجتهدت لأول مرة لبث مسلسل تاريخي يختلف عما تم التعود على إذاعته من برامج ترفيهية وسيتكومات فكاهية، ومهاجمته منذ بدء عرضه. فبدل أن يتم التنويه بهذه الخطوة الجريئة، يتم التهجم على هذا المسلسل والتنقيب عن مغالطاته التاريخية، الشيء الذي يكشف عن تماهٍ تاريخي وجهل كبير بتاريخ المملكة.

القائد العربي طارق بن زياد وفتح المغرب

من الواضح أن كل من يتصفح المقررات الرسمية الخاصة بتاريخ المغرب يجدها تركز بالأساس على أن التاريخ السياسي للبلاد يبدأ بالفتح الإسلامي للبلاد مع القائد العربي عقبة بن نافع الذي قام بنشر الإسلام في ربوع البلاد، في حين تم تأسيس الدولة مع الأشراف الأدارسة لتنتهي بالأشراف العلويين. وبالتالي، فهذا الاختزال الانتقائي للتاريخ يجعل وعي المغاربة بتاريخهم وعيا مشوشا. إذ يتم التساؤل دائما عن باقي الحقب التاريخية التي سبقت الفتح الإسلامي، والممالك الأمازيغية التي سادت قبيل الاحتلال الروماني، الذي لم يجد بالطبع “خلاء سياسيا”، بل وجد ممالك قائمة في شخص ملوك كانوا يحكمون البلاد كالملك باغا والملكين بوكوس الأول والثاني ليخلفهما الملك جوبا الثاني وابنه بطليموس قبل أن يتم اغتياله من طرف الإمبراطور كاليكولا، وضم مملكته إلى الإمبراطورية الرومانية، التي واجهت رغم دفاعات الليمس مقاومة متواصلة من طرف المغاربة آنذاك، انتهت بمغادرة الاحتلال الروماني للبلاد، ليجد قواد الفتح الإسلامي شعبا، وإن قبل تبني دعوة موحدة فهو قاوم بحزم جزيات وسبي الخلفاء الأمويين. وبالتالي، فتركيز البعض على الانتماء الأمازيغي للقائد طارق بن زياد لا يستقيم، إذ لا يعقل أن قائدا أمازيغيا سيبدأ- قبل غزوه بلاد القوط والوندال، أي الأندلس وسبتة- بغزو طنجة، أي جزءا من بلاد المغرب، ويقوم بمحاولة بسط النفوذ العربي هناك. فهذا المسلسل رغم أنه لم يركز على مراحل غزو هذه المنطقة، فقد أشار إلى ذلك من خلال بعض مشاهد المسلسل عندما تحدث عن حي من أحياء منطقة طنجة كان يتحرك فيه خونة يهددون التواجد العربي هناك، وأمر بالعمل على مراقبتهم وشل حركتهم. وبالتالي، فطارق بن زياد كوالٍ لطنجة حرص، قبل التفكير في فتح بلاد الأندلس، على بسط نفوذه على ولاية المغرب. ويمكن بهذا الصدد أن يوجه إلى المسلسل انتقاد يتعلق بعدم التوسع في رصد المراحل التي تمت خلالها إعادة فتح طنجة التي سبق للقائد العربي عقبة بن نافع أن فتحها. كما أن طارق بن زياد لا يمكن أن يكون أمازيغيا أو بربريا ليس فقط لتسميته العربية، رغم أن بعض المؤرخين، بمن فيهم ابن خلدون، يؤكدون على أنه كان مولى لقائده موسى بن نصير، الذي كان أميرا عربيا يدير شؤون القيروان (تونس حاليا)، التي كانت مركز الفتح العربي ببلاد البربر بشمال افريقيا. إضافة إلى أن كل من كان يحيط بطارق بن زياد من شخصيات عسكرية كان، حسب ما ورد في المسلسل، بتسميات عربية كطريف الذي أطلقت تسميته على إحدى مدن الأندلس (طريفة)، التي انطلقت منها عملية الفتح العربي لبلاد القوط، إضافة إلى صديقه شداد وأبي بصير، الذي كان يقوم بدور نشر الدعوة وتشجيع خلق المدارس القرآنية، التي كانت زوجة طارق وبناته يقمن بدورهن في تعليم نساء طنجة قراءة القرآن. أضف إلى ذلك أن مسألة الانتماء الأمازيغي لا تقتصر على المنحدر القبلي أو السلالي لشخص طارق بن زياد، بل ترتبط بالأساس بأن هذا القائد كان يأتمر بأوامر القائد العربي موسى بن نصير الذي يتلقى كل قراراته من مركز الخلافة الأموية، أي من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للإمبراطورية العربية الإسلامية، التي بدأت في التوسع من مصر، مرورا بتونس وانتهاء بالمغرب الأقصى، مما يجعل التشكيك في إلقاء طارق بن زياد لخطبته المشهورة باللغة العربية غير منطقي، سيما أنه كان على رأس قوة عسكرية كانت غالبيتها تتألف من جنود عرب، إضافة إلى عناصر بربرية.

القائد العربي طارق بن زياد وفتح الأندلس

إن من بين مزايا هذا المسلسل تركيز مخرجه الكويتي على العوامل التي ساهمت في تسهيل عملية فتح الأندلس، والتي تتمثل بالأساس في الصراع الحاد على العرش بين أبناء ملك طليطلة المتوفي ورودريغو الذي اغتصب عرش والدهم، مما أدى إلى حروب استغلها الفاتحون العرب لصالحهم. بالإضافة إلى السياسة الضريبية المنتهجة من طرف حكم رودريغو، والتي أثقلت كاهل السكان وجعلتهم يكرهون سياسته. كما أن دور حاكم سبتة كان حاسما في تسهيل عملية الفتح، التي ركزت عليها حلقات المسلسل من اغتصاب الملك رودريغو لابنته فلوريندا ودعمه للفاتحين العرب في هذه العملية للقضاء على الملك رودريغو وانتقاما منه، وفي نفس الوقت تحويل أنظارهم عن فتح سبتة مقر حكمه. بالإضافة إلى ذلك، فاستغلال القائد العربي طارق بن زياد للعنصر البربري في عملية الفتح ساهمت بلا شك في الحد من التيار المقاوم للتواجد العربي ببلاد المغرب وإغرائه للمشاركة في هذه العملية لما ستدره من غنائم. من هنا من الغريب فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الحملة الانتقادية التي واكبت عرض هذا المسلسل واختزالها في التركيز على طبيعة انتماء: فالملك الأموي الذي اتخذ قرار فتح الأندلس كان عربيا وموسى بن نصير، واليه على إفريقية، كان عربيا، فكيف سيكون أمير طنجة، الذي كان تحت إمرة والي القيروان، عربيا في الوقت الذي نعرف فيه أن الحكم الأموي الذي كان متعصبا للعنصر العربي، الشيء الذي استغله العباسيون فيما بعد ضده، لا يمكن أن يسند منصبا حساسا كولاية طنجة وفتح الأندلس إلى شخصية غير عربية، وبالأخص إذا كانت بربرية أو أمازيغية.

وبالتالي، بدل توجيه الانتقاد بصدد هوية القائد العربي والأموي طارق بن زياد، كان من الأحرى لفت الانتباه إلى خطأ استقبال رئيس حكومة إسبانيا من طرف رئيس حكومة المملكة المغربية بالمطار والجلوس خلف تمثال القائد طارق بن زياد، الشيء الذي يمكن أن يتم تصيده بسوء نية للتشويش على علاقات ثنائية بدأت ترجع إلى مجاريها الطبيعية بعد فترة من التوتر السياسي الحاد. كما أن نفس الانتقاد يمكن أن يوجه بسبب توقيت عرض هذا المسلسل من طرف القناة الأولى في هذه الظرفية السياسية الخاصة بالعلاقات بين المملكتين التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخيم عليها شبح القائد الأموي طارق بن زياد فاتح الأندلس.

غير أن هذه الحملة الانتقادية تبطن مع ذلك اهتماما كبيرا للمشاهدين المغاربة بكل ما يتعلق بتاريخهم، مما يطرح التساؤل عن ضرورة إبداع سينما تاريخية بالمملكة. فباستثناء فيلم “الملوك الثلاثة”، الذي أخرجه بنبركة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، هناك قحط شديد فيما يتعلق بإنتاج مسلسلات وأفلام تاريخية يمكن أن تساهم في خلق وعي تاريخي وطني لدى أجيال لا تعرف من تاريخها إلا النزر القليل وبشكل مشوش. وبالتالي، آن الأوان أن تحذو المملكة حذو كل من مصر وسوريا في إنتاج هذا النوع من الإبداع السينمائي بدل الاقتصار على انتقاد إبداعات الآخرين وتصيد مغالطاتهم التاريخية. فتاريخ المملكة العريق يحتاج إلى إرادة رسمية لتمويل إبداع سينمائي تاريخي، وإلى كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين يجسدون مختلف مراحل هذا التاريخ.

The post شقير يضع "فتح الأندلس" بين الجدال الهوياتي وتدني الوعي التاريخي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/Z4ohFeO

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire