جفاف مخيف في جهة درعة تافيلالت .. مخلفات العطش تهدد إيقاع الحياة

يواجه سكان الجنوب الشرقي للمغرب خلال السنوات الثلاث الأخيرة مخاطر الجفاف الذي أصاب أكثر من 85 في المائة من الأراضي التي كانت تستغل في الزراعة، بالإضافة إلى تسجيل تراجع مخيف في المياه الصالحة للشرب بعدد من هذه المناطق، حسب إحصائيات وفرتها مصادر فلاحية والسلطات المحلية لجريدة هسبريس الإلكترونية.

وحسب زايد أوعيسى، فلاح من إقليم زاكورة يبلغ من العمر 90 سنة، فإن “هناك أسبابا كثيرة تقف وراء جفاف الجنوب الشرقي بصفة عامة، منها قلة التساقطات المطرية”، لكن السبب الأهم، يضيف، هو “غياب سدود لجمع مياه الأودية أثناء التساقطات المطرية وزراعة أنواع كثيرة من الفواكه والأشجار المستهلكة للمياه، التي لا تتلاءم مع هذه المناطق المعروفة منذ القدم بالجفاف”، وفق تعبيره.

وحمل المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، الفلاحين والدولة على حد سواء مسؤولية ما يحدث من جفاف في الجنوب الشرقي المغربي، موضحا أن “الدولة لم تقم بواجبها لمنع زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى الكثير من المياه، من قبيل البطيخ الأحمر والأصفر، فيما الفلاحون غير مبالين بهذه المخاطر وهمهم الوحيد ربح المال مقابل تهديد حياة البشر والشجر بالعطش والموت”، بتعبيره.

وأوضح مصدر من المديرية الجهوية لوزارة الفلاحة بدرعة تافيلالت أن خطرا كبيرا يهدد المنطقة بشكل عام، مضيفا: “هناك فرق شاسع بين المساحات التي كانت تستغل في الزراعة في السنوات العشر الأخيرة وحاليا، إذ إن حجم الضرر الذي تسبب فيه الجفاف والعامل البشري وصل إلى أكثر من 85 في المائة”.

واحات النخيل

يعرف الجنوب الشرقي للمغرب، خاصة الرشيدية، وزاكورة، وتنغير، بأنه المصدر الأول للتمور على الصعيد الوطني، إذ تحتضن هذه الأقاليم واحات شاسعة من أشجار النخيل من أصناف عديدة ومتنوعة، ما دفع وزارة الفلاحة إلى تنظيم ملتقى دولي للتمور بمدينة أرفود سنويا (قبل جائحة كورونا).

وحسب المعطيات الرسمية التي وفرتها وزارة الفلاحية على موقعها الرسمي فإن العدد الإجمالي لنخيل التمر بواحات جهة درعة تافيلالت يناهز 4 ملايين و853 ألف نخلة؛ وتمتد زراعة النخيل بهذه الجهة على مساحة 49 ألفا و564 هكتارا، بمتوسط إنتاج يصل إلى 100 ألف طن في السنة، أي ما يمثل 84 في المائة من الإنتاج الوطني.

وعرف إنتاج التمور خلال السنوات الثلاث الأخيرة تراجعا مهولا، بسبب الجفاف والحرائق المتتالية المسجلة في الواحات بدرعة تافيلالت، خاصة بزاكورة ومنطقة أوفوس ضواحي الرشيدية، فيما ينتظر الفلاحون المتضررون من الحرائق تدخل الوزارة الوصية لدعمهم لتجاوز محنتهم.

وفي هذا الإطار، أكد عبد المجيد صبار، من ساكنة أوفوس، أن واحة النخيل بمنطقته تضررت بشكل كبير بفعل الحرائق المتتالية، مشيرا إلى أن سبب هذه الحرائق هو الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وموضحا أن “تراجع منسوب سد الرشيدية يندر بحدوث حرائق أخرى خطيرة خلال فصل الصيف المقبل”.

وعبر العديد من الفلاحين أصحاب واحات النخيل بأقاليم جهة درعة تافيلالت (الجنوب الشرقي للمغرب)، عن مخاوفهم من أن تكون هذه الواحات امتدادا رماديا للصحراء بسبب الجفاف، موضحين أن الواحات أصبحت مهددة بالزوال بسبب الجفاف ونضوب الآبار.

وأوضح يدير أعدي، من فلاحي إقليم زاكورة، أن “خطرا حقيقيا يهدد الإنسان أولا والشجر والحيوانات ثانيا في إقليم زاكورة”، مردفا بأن “الجميع أصبح يعاني من الجفاف فيما تنضب الآبار، ما قد يشكل مشكلة في المستقبل لتوفير قطرة ماء صالحة للشرب تروي عطش الإنسان قبل الشجر”، وفق تعبيره.

وأكد الفلاح ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “السلطات الإقليمية مع قطاع الفلاحة والأحواض المائية لم تستطع إلى حد الساعة النجاح في إيجاد حل لمشاكل ندرة المياه والجفاف”، موضحا أن “هناك تهاونا من قبل الجهات المسؤولة في تطبيق قرارات صرامة، من قبيل منع زارعات مستهلكة للمياه بشكل نهائي، خاصة في الوقت الحالي”، على حد قوله.

درعة تافيلالت وخطورة العطش

لم يخف عبد الصمد أوحيدى، أستاذ باحث في تاريخ الجنوب الشرقي، أن “أسامر (وهي كلمة أمازيغية تعني الجنوب الشرقي) معروف أنها منطقة صحراوية وتتميز بحرارتها المرتفعة على طول أيام السنة، باستثناء بعض الشهور من فصل الشتاء”، موضحا أن “هذه المنطقة كانت ومازالت تعاني من ندرة المياه بسبب الاستغلال المفرط”.

وأوضح الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الجنوب الشرقي دخل خلال السنوات الأخيرة مرحلة خطرة بسبب قلة التساقطات المطرية والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، ما زاد من وتيرة تسارع أزمة المياه، وقد يسبب هلاك البشر والشجر والحيوانات”، بتعبيره.

وأوضح المتحدث ذاته أن “هذه الجهة مقبلة على أزمة حادة في المياه، إن لم تتحرك السلطات المختصة من أجل منع كل الزراعات المستهلكة للمياه وتقديم مقترحات للفلاحين بخصوص الزراعات الأقل استهلاكا للماء، والتي تتلاءم مع المناخ الصحراوي”، محذرا من تفاقم أزمة المياه ومن مخاطر اندلاع “ثورة العطش” بسبب ما سماها “لامبالاة المسؤولين بالمخاطر المحدقة بالمنطقة”.

مقابل ذلك، أكدت خديجة، من ساكنة مركز جماعة إكنيون، بإقليم تنغير، أن “خطر العطش حقيقي ولا يمكن لأحد إخفاؤه”، موضحة أن “ساكنة مركز جماعة إكنيون تعاني إلى اليوم وفي عز فصل الشتاء من ندرة الماء الصالح للشرب”، وموردة أن “الاستفادة من الماء بالنسبة لساكنة المركز تكون في الساعات الأولى من كل صباح، بمعدل حوالي 1 ساعة في كل 24 ساعة”.

وأوضحت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن “هناك أزمة حادة للمياه قادمة لا محالة وقد تهدد الجنوب الشرقي بجفاف أكثر خطورة”، مضيفة أن “غالبية الناس يهاجرون نحو المدن خوفا من الجفاف ومن العطش الذي بدأت بوادره تظهر للجميع”، وزادت: “الجميع يتحمل المسؤولية، من الفلاحين إلى المسؤولين”.

من جهته، قال مصدر مسؤول في المديرية الجهوية لوزارة الفلاحة بدرعة تافيلالت، إن “موضوع منع الزراعات المستهلكة للمياه من قبيل البطيخ الأحمر والأصفر في يد الوزير، ولا يمكن للمديرية الجهوية أو مراكز الاستثمار الفلاحي اتخاذ مثل هذه القرارات”، مضيفا: “يمكن القول وبصريح العبارة إن هناك لوبي كبير يقوم باستغلال مساحات كبيرة في الجهة لزراعة البطيخ بشتى أنواعه، ويدعي تقربه من مسؤولين بمراكز القرار”، وزاد: “يجب أن تصدر الوزارة قرارا لمنع هذه الزراعات المستهلكة للمياه وفرض عقوبات زجرية على المخالفين”.

وأوضح المصدر ذاته أن “المديرية الجهوية والمصالح التابعة لها تقوم بشكل دوري بإعداد دراسات حول الوضع الفلاحي والوضع المائي، يتم إرسالها إلى الوزارة الوصية، وهي المسؤولة عن إصدار القرارات التي تراها مناسبة”، وفق تعبيره.

مسؤول: بناء سدود ضرورة ملحة

من أجل إنهاء معاناة ساكنة الجنوب الشرقي مع ندرة المياه، أكد مصدر مسؤول في وكالة الحوض المائي لكير زيز غريس، أن الجهة في حاجة ماسة إلى بناء سدود أخرى كبرى بالأقاليم الخمسة، موضحا أن “هناك أودية كبيرة في الجهة تضيع مياهها في الصحراء الشرقية الواقعة في الحدود بين المغرب والجزائر”.

وأوضح المصدر ذاته أن جهة درعة تافيلالت تتوفر حاليا على حوالي 6 سدود، منها سدان في طور الإنجاز، “هما سد تودغى بإقليم تنغير وأكدز بإقليم زاكورة”، وزاد مستدركا: “رغم ذلك فإن الفرشة المائية بالجهة تضررت بسبب الجفاف والاستغلال المفرط بسبب الأثقاب المائية العشوائية التي تقدر في درعة تافيلالت بأكثر من ألف ثقب مائي عشوائي”.

وأوضح المصدر ذاته أن السلطات المحلية مدعوة إلى ضرورة فرض التوفر على الرخص المطلوبة لإنجاز أثقاب مائية من أجل الحفاظ على ما تبقى من الفرشة المائية، مضيفا أن “مصالح الأحواض المائية بدورها لن تتساهل من الآن فصاعدا مع كل من ثبت في حقه إنجاز ثقب مائي جديد بدون ترخيص”.

وطالب المسؤول ذاته جميع القطاعات الحكومية المعنية، من وزارة الفلاحة ووزارة التجهيز والنقل والماء ووكالات الأحواض المائية، بضرورة إحداث سدود إضافية جديدة بالجهة “من أجل حماية الساكنة من خطر العطش في المديين القريب والبعيد، وجعل الجهة مكانا لاستقرار السكان الأصليين وعدم هجرتهم قسرا إلى مدن الداخل”، وفق تعبيره.

The post جفاف مخيف في جهة درعة تافيلالت .. مخلفات العطش تهدد إيقاع الحياة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/5NLigqa

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire