رشيد سلمات .. فنان مغربي ينثر الأنغام الگناوية في كبيك الكندية

اقتفى رشيد سلمات خطى الولع بـ”تگناويت” سائرا على الأرض ومعتليا أمواج المحيط الأطلسي، وتنامى عشقه لهذا اللون الموسيقي زمن الاستقرار في مدينة الدار البيضاء، قبل أن يبلغ أوجه عقب سنوات من التواجد في الديار الكندية، ليصير واحدا من الخدومين للتقارب بين الثقافات الإفريقية والأمريكية الشمالية من خلال البوابة المغربية.

انخرط سلمات في تجارب مهنية بالموازاة مع الانخراط في اشتغالات موسيقية تقوي حضور الفن الگناوي، واستعان بالإصرار للبقاء مرتبطا بأحلامه الإبداعية، ليمر من محطات جعلته يتوسط فرقة گناوية ويحظى بالترحيب في ثلة من مواعيد الأجندات الاستعراضية، بينما عيناه مازالتا تترقبان الفرص الممكنة مستقبلا من أجل الوصول إلى أرقى المستويات.

تأثيرات عائلية

رأى رشيد سلمات النور أول مرة في المدينة القديمة بالدار البيضاء، وكان ذلك وسط أسرة فنية بحكم اشتغال الأب، الفنان الراحل مصطفى سلمات، في التشخيص المسرحي وعدد من أدوار التمثيل على صعيد الإنتاجات التلفزيونية وغيرها من الأعمال السينمائية، وقد انجذب إلى الموسيقي لأسباب متعددة، من بينها مرافقة الوالد إلى مواعيد متنوعة.

ويقول رشيد في هذا الصدد: “كبرت في أجواء شعبية غارقة في التعابير الفنية، خاصة ما يرتبط بالموسيقى والتراث، وقد كانت جدتي لأمي تقيم ليلات گناوية بحلول شهر شعبان من كل سنة هجرية، كما توفرت على خال يميل إلى اللون الموسيقي نفسه، بينما أبي كان قريبا من الفنانَين الگناويين مصطفى باقبو ومحمد غينيا، وأذكر أنني رافقته إلى حفل افتتاح مسرح سيدي بليوط الذي شهد استقدام فرقة گناوة من الصويرة”.

وفي هذا السياق يعتبر سلمات أن الانجذاب إلى موسيقى گناوة كان مبررا، وقد لاح بارزا في النصف الثاني من عقد تسعينيات القرن العشرين، ثم جاء الانتقال إلى الممارسة عزفا وغناء ورقصا رغم وجود أصوات معارضة لذلك وسط العائلة، إذ كان النظر إلى ‘’الگناوي’’ وقتها يتم باستحضار نمط حياة سلبي قبل أن تتحسن الصورة في مرحلة موالية.

سنوات على المراكب

اكتسب رشيد سلمات خبرة مهنية بحرية من خلال الإقبال على العمل في الصيد بمرسى الدار البيضاء، وقد استهل ذلك الأداء منذ أن صار تلميذا في الطور الإعدادي، حريصا على التمرس في هذه الحرفة دون الإخلال بالتزاماته التعليمية، ثم جاء الحين الملائم إليه من أجل اختيار التفرغ للأداء الوظيفي في هذا المجال.

ويستحضر رشيد ما وقع في هذا الشأن حين يقول: “توجهت نحو المرسى لأن أبناء عمة أبي لديهم مراكب للصيد في هذا المرفق، وقد شرعت في ذلك منذ وصولي إلى سنتي الـ14، إذ كنت أعمل خلال نهاية الأسبوع وإبان العطل المدرسية، وقد أحسست بنوع من الاستقلالية في هذه الممارسة المهنية، والتزمت بها حتى تجاوزت 21 سنة من العمر”.

بالموازاة مع هذا كله، واظب سلمات على التواجد في “ليلات” و”مواسم” وحفلات الفن الگناوي، وبادر إلى التفرغ للحياة الموسيقية مباشرة بعد استشعاره جمع ما يكفي من القدرات للتعاطي مع هذا اللون الموسيقي، إذ اختار مسايرة رغباته الفنية بغرض السير بهذه الممارسة للحصول على أعلى درجات الاستمتاع؛ مجاهرا بكونه محبا لگناوة لا مستهدفا الوصول إلى مرتبة “لمعلم”.

هجرة دون تخطيط

لم يكن رشيد سلمات مركزا في غير ‘’تگناويت’’ حتى وجد نفسه مهاجرا مستقرا على التراب الكندي، وقد ارتبط حينها ببرامج اشتغالات متعددة مع فرقة موسيقية حتى جاء التحول المفصلي في حياته، ليبدي موافقته على الانخراط في تجربة الاستقرار خارج المغرب حين تلقى اقتراحا بهذا الخصوص، مبتغيا من هذا التحرك تطوير الذات على أكثر من جبهة.

ويسرد رشيد ما شهدته سنة 2008، موردا: “كنت أحصل على مردود مالي جيد في المرسى، ولذلك لم أكن أبحث عن استبدال الوضعية من الناحية المادية، ثم جاء الأداء الفني كي يشدني أكثر إلى المجال الذي اخترته، وبعدها عملت مع فرقة حسن بوسّو، ابن المعلم الگناوي احميدة بوسّو، لأتوصل بمقترح مناسب يفضي إلى العيش في كندا”.

“استشعرت صعوبة الرهان على موسيقى گناوة من أجل الحصول على الموارد الكافية للحاجيات اليومية في كبيك، ولهذا اخترت أن يكون الحضور الفني متزامنا مع ممارسة نشاط مهني رئيسي يمول ضروريات الحياة هناك، وتم تنفيذ هذا القرار حين كان الناس ينظرون باستغراب إلى آلة الكنبري حين أتنقل بها على ظهري أو في وقت تكون حاضرة بين يدي”، يزيد سلمات.

ترويج گناوة والسردين

أقبل متخطي 15 سنة من الحضور في كندا، حتى الآن، على العمل في مجموعة من المساحات التجارية الكبرى استنادا إلى تجربته في قطاع الصيد البحري بمرسى مدينة الدار البيضاء، حريصا على التواجد في مهام يمكن اعتبارها امتدادا عاديا للدراية بكيفية التعامل مع الأحياء البحرية.

وبالتزامن مع مواصلة التعريف بفن گناوة حيثما كان، حملت المرحلة الموالية الوافد من المغرب كي يسير على طريق الاستثمار بحلول سنة 2018، مستفيدا من شبكة علاقاته بالوطن الأم وبلد الاستقرار كي ينشئ شركة متخصصة في جلب الأسماك الطرية من مرسى الدار البيضاء إلى شبكة أسواق في مونتريال، بتركيز على السردين.
ويعلق سلمات على الفكرة بقوله: “جاءت الفكرة حين وجدت نفسي أساهم في ترويج موسيقى مستوردة من المغرب إلى كبيك، وقررت الارتكاز على مداركي الوظيفية وشبكة علاقاتي كي أجعل الأداء نفسه يصل إلى السمك، ومازالت لدي مجموعة من الأفكار لتقوية التبادل الثقافي بين البلدين بلا استثناء للمتاح تحقيقه عبر بوابة المنتجات الغذائية”.

فرقة سلمات

ينشط رشيد ضمن فرقة موسيقية أنشأها تحمل اسم ‘’سلمات گناوة’’، وتتكون من قرابة 10 أعضاء يحرصون على حمل هذا التراث المغربي اللامادي في كبيك وعموم كندا، إذ يجمعهم الفن رغم اختلاف ميادين اشتغالهم الأساسية. وتم اللقاء بين هؤلاء في المهجر قبل أن يتطور الأداء الجماعي بفضل تمارين دامت زهاء 8 سنوات، من أجل التعرف على الريبرتوار وإتقان العزف وضبط الرقصات.

وعن أبرز ما تحقق إلى حد الحين يقول البيضاوي عينه: “حرصت الفرقة على اكتساب خبرة نوعية وتنميتها من خلال الانخراط في جولات وحفلات عديدة على مستوى كبيك، بينما يتم صقل التجربة عند المشاركة في المهرجانات المحتفية بموسيقى العالم، وهذا يتيح لنا أيضا التعريف بگناوة في محافل إضافية لا صلة لها بلوننا الموسيقي”.

يشدد سلمات على أن الفرقة التي يرأسها لديها أولوية التركيز على التراث الموسيقي المغربي الگناوي، في مونتريال وكبيك وأرجاء كندا عموما، رغم أن الانفتاح حاضر تجاه العزف مع موسيقيين من مشارب عدة، ويعلن أن هذه الرهانات المرفوعة في الخارج ترفقها أمنية ذات صلة بأرض الوطن، وتتجلى ضمن العزف بمهرجان گناوة وموسيقى العالم في مدينة الصويرة.

التنوع وتجديد الطموحات

يوصي رشيد سلمات الراغبين في الهجرة بالحرص على التشبث بالأصل، ويرى من خلال تجربته الخاصة أن الفرق يبقى كبيرا، على سبيل المثال لا الحصر، بين الاندماج في المجتمع الكندي، من جهة، والتشبه بالكنديين، من جهة ثانية، مؤكدا أن كندا حريصة على تشجيع من يتكيفون مع إيقاع الحياة وهم يوفرون التنوع بحفظ ثقافاتهم.

كما يعتبر العاشق للحياة على إيقاعات گناوة أن الانتماء إلى صفوف مغاربة العالم يرادف توفر المرء على مصدر طموحات لا ينضب أبدا؛ إذ أن تحقيق جزء يسير منها يملي بروز طموحات أخرى إضافية، أهم أدوارها يتمثل في ضخ طاقات متجددة للسير بثبات نحو معانقة نجاحات موالية، زيادة على رفع المعنويات حين مواجهة أي من العثرات التي يحبل بها مسار الجد.

“حققت جزءا من أهدافي الفنية في البيئة الكبيكية، لكنني مازلت أعتبر أنني لم أعانق الطموحات الكبرى التي تشغلني منذ مدة طويلة، إذ لا يمكن أن أقنع بإرساء دعامات فرقة موسيقية أو حضور عابر مع الجماهير الذواقة، بل مازلت أحلم بمهرجان گناوي في ساحة الفنون بمدينة مونتريال، يكون حدثا نوعيا في هذا المكان الذي يستقطب فناني العالم بكيفية منتظمة”، يختم رشيد سلمات.

The post رشيد سلمات .. فنان مغربي ينثر الأنغام الگناوية في كبيك الكندية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/KhLmV6I

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire