طوني أسولين: الجالية المغربية اليهودية تستفيد من العناية الملكية الدائمة

تنغرس جذور طوني أسولين في قارتَي أوروبا وإفريقيا، لأنه والدته إسبانية وأبوه من المغرب، بينما يتوفر على فروع آخذة في النمو بأمريكا الشمالية، نتيجة استقراره في كندا منذ فترة زمنية تكاد تعادل 60 سنة، لكن أسولين لا يتردد في إعلان نفسه مغربيا رغم الخليط الهوياتي الذي يحيط به منذ عقود خلت.

ينتمي أسولين إلى صف الجالية المغربية المتواجدة في كبيك، وتحديدا إلى المكون اليهودي من هذا الحضور المغربي على الصعيد الكندي، وقد دأب على اعتبار الاختلاف بين الناس حافزا لتقاربهم لا باعثا على تنافرهم، مبررا ذلك بكون دولة كندا، في عمومها، جرى تشييدها بسواعد أناس قادمين إلى هذه الأرض بكل الاختلافات التي يمتلئ بها الكوكب كاملا.

الماضي في ميدلت

تنفس طوني أسولين هواء مغربيا طيلة السنوات الأربع الأولى من حياته، كما رأت عيناه النور أول مرة في فاس، الحاضرة التي ازداد فيها سنة 1960، ثم اعتادت قدماه على الوقوف بكيفية سليمة في مسكن أسرته بمدينة ميدلت، وبعدها جاء الانفصال عن هذه البيئة الأصلية من أجل البحث عن آفاق بديلة على التراب الكندي.

يقول طوني: “أبي مغربي وأمي إسبانية عاشت في المملكة، وأحمل اسم خالي الذي فارق الحياة في حادث قبل ولادتي، فقد كانت هذه طريقة أسرية لتكريم ذكراه”، ويزيد: “لدي أصول من العاصمة العلمية للمغرب، لكن الجانب الأمازيغي حاضر أيضا لأن أجدادي وفدوا من تنغير، وقد ولدت في فاس لأن والدتي كانت تتجه إلى هناك كلما اشتد عليها المخاض في ميدلت”.

غادرت أسرة أسولين المغرب أواسط عقد الستينيات من القرن العشرين، وقد توجه بادئ الأمر إلى فرنسا لقضاء فترة زمنية قصيرة، وبعد شهور قليلة من ذلك غادر طوني الأراضي الأوروبية، بمعية أخته ووالدَيه، من أجل الالتحاق بفضاء العيش الجديد في أمريكا الشمالية، فكان المستقر النهائي على التراب الكندي.

على الإيقاع المغربي

يعترف طوني أسولين بأن ذكريات فترة الطفولة المبكرة في ميدلت، وأيضا التنقلات التي كانت تتم في اتجاه فاس من أجل القيام زيارة الأهل والأحباب، تبقى حاضرة بكيفية محدودة لصغر سنه في تلك المرحلة من عمره، وبجانب ذلك ترسخ الكثير من سرديات الأب والأم عن عبق الزمن الجميل في الوطن الأم.

ويضيف طوني: “كبرت في بيت يعيش على إيقاع المغرب بكندا، لأن الثقافة المغربية لم تفارق مسكن الأسرة أبدا، ومن بينها بقاؤنا ملتزمين بوجبات غذائية تضع المأكولات المغربية في الصدارة، ما أفضى إلى تناقل هذه العادات والتقاليد من جيل إلى آخر حتى تبقى متواجدة في الممارسات التي تتم اليوم أيضا’’.

كما يدين أسولين بتأطيره الثقافي المغربي خلال الفترات الموالية إلى استمرار التواصل مع أفراد العائلة المستقرين في الوطن الأم، وأيضا إلى العيش وسط جالية مغربية يهودية حريصة على صيانة تقاليدها المستقدمة من بيئتها الأصلية، حيث كانت الممارسة اليومية للتقاليد المغربية تبقيها راسخة رغم الانفتاح على المجتمع الكبيكي والكندي.

انجذاب إلى علوم الصحة

تطور المسار التعليمي لطوني أسولين بكيفية ممتازة حتى نجح في استيفاء متطلبات تخطى المرحلة الثانوية، وبعدها أقبل على التسجيل في دروس ‘’CEGEP’’ التي تسبق التواجد في الطور الجامعي، وهي مرحلة اختيارية ضمن النظام التعليمي في كبيك لها دور شبيه بالأقسام التحضيرية في المغرب، ثم ولج إلى كلية الطب في جامعة ‘’شيربروك’’ بعدما استحضر الانجذاب إلى علوم الصحة.

يقول المزداد في فاس: “تخرجت من الكلية متخصصا في طب المستعجلات، وبداية التجربة المهنية عملت بأماكن مختلفة، وبالتالي حرصت على التنقل بين مناطق عديدة لأنني اشتغلت في مؤسسات صحية متنوعة، وبعدها جاء وقت الاستقرار حين اشتغلت في مستشفى ‘لاصال’، الموجود على صعيد الجزء الغربي من مدينة مونتريال”.

يعتبر أسولين أن الحضور في طب المستعجلات مازال مصدر تحفيز بالنسبة إليه اليوم، ويرجع ذلك إلى إفرازات الأدرينالين التي تتزامن والعمل على تخفيف آلام الناس، كما يؤكد أن التواجد أخيرا في مواقع للمسؤولية الإدارية، من أجل تدبير الطاقة الاستيعابية، لا يحرمه تماما من دعم الأداء في المستعجلات، رغم أن الخصاص في الأسِرة قد ارتقى إلى مرتبة إشكالية في عموم كندا.

الإنسانية والاختلاف

خبِر طوني أسولين التفاعل مع الجالية المغربية اليهودية منذ وصوله إلى كندا قبل ستة عقود، وواكب كيفية النمو العددي المتدرج لهذه الشريحة من مغاربة العالم، لكنه يشدد على أن حضوره مع الجالية لم يقترن بالمغاربة اليهود وحدهم، بل كان مرتبطا دائما مع المغاربة المسلمين أيضا، بجانب مسلمين من أصول أخرى.

ويعلق طوني على هذا الشق بقوله: “أنتمي إلى صف المغاربة المستقرين في كبيك كيفما كانت معتقداتهم، أحترمهم وأقدرهم مثلما يبادلونني الاحترام والتقدير نفسهما، وأرى أن حضور الاختلاف لا يمكن أن يحول دون المزيد من التقارب بين الناس، والعيش في كندا نموذج مثالي لكيفية النظر بإنسانية إلى الجميع، نرصد ما يجمعنا لأن الأصل أننا مختلفون بالفطرة”.

يذكر أسولين، أيضا، أن الإيمان بتدبير الاختلاف من منظور إنساني أتاح له، بمعية أسرته الصغيرة، الاستفادة الإيجابية من الترحيب الذي حفّه في كندا، والظفر بحياة كريمة ضمن الأرجاء التي استقر فيها أيام النشأة والتكوين، زيادة على التمكين من ممارسة المهنة التي يرغب فيها، ثم النجاح في التمتع بعيشة رائعة خلال المراحل الموالية.

العودة إلى الأصل

رغم الحضور الوجداني للمغرب لدى طوني أسولين، والمعاملات المتواصلة مع منتمين إلى صف الجالية المغربية في كبيك خصوصا وكندا عموما، يرى من عاش صغيرا في ميدلت أنه يعيد اكتشاف الوطن الأم من خلال تنقلات متتالية صوب المملكة، مرافقا في هذه الأسفار عددا من ذوي الأصل المغربي الراغبين في تقوية الارتباط ببلدهم.

ويقول طبيب المستعجلات والمسؤول الإداري في مستشفى ‘’لاصال’’ إن الجالية المغربية اليهودية تتسم بكونها متمسكة بالقرب من وطنها الأم، والأهم من هذا أن ملوك المغرب حرصوا دائما على البقاء قريبين من هذه الشريحة المغربية، ما أتاح للرعايا اليهود أن ينالوا قسطا وافرا من عناية القصر الملكي المغربي أينما تواجدوا عبر العالم.

ويسترسل أسولين في تمطيط الفكرة حين يضيف: “الاتفاق الأخير بين المغرب وإسرائيل زاد فتح الأبواب أمام الجالية المغربية اليهودية كي تتفقد أصولها بالتنقل مرات عدة في اتجاه الوطن الأم، ولا يهمني أي أثر يمكن أن يترتب عن هذا التعامل بين الطرفين غير إعادة إحياء جذور فئة عريضة ممن غادر أسلافهم المغرب قبل عقود”.

التسامح الكندي

يرى طوني أسولين أن مكانة كندا كوجهة للهجرة تأتي من الفرص التي يتيحها البلد للجميع، كيفما كانت مستوياتهم الاجتماعية أو الثقافية أو المالية، دون أي اعتبار لمركزهم في أي من لوائح التصنيف التي قد يعتد بها في أي قطر آخر، وهذا ما يجلها ذائعة الصيت في استقطاب الباحثين عن آفاق فسيحة للمستقبل المنظور.

كما يعتبر أسولين أن الاستقرار في هذه الدولة الأمريكية الشمالية يعطي للوافدين القدرة على النجاح ما داموا راغبين في ذلك، إذ تفتح الأبواب التي تمكن الناس من اكتساب المدارك وتطوير المهارات، ومواكبتهم بالتكوين والتكوين المستمر حتى يتموضع كل فرد في المكانة التي تناسبه وسط المجتمع.

“كندا بلد التسامح بمفهومه الواسع، إنها فضاء مفتوح لتعايش الناس من مختلف أرجاء العالم، وتجربة حية لأسس متينة في تدبير الاختلافات الفردية والجماعية بنية الوصول إلى وصفة مجتمعية متجانسة، وما الارتقاء الذي يبصم عليه المهاجرون إلا جزء من هذه التجربة الإنسانية المثالية”، يختم طوني أسولين.

The post طوني أسولين: الجالية المغربية اليهودية تستفيد من العناية الملكية الدائمة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/F3dznbS

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire