على بُعد حوالي 10 كيلومترات من عاصمة جهة بني ملال خنيفرة، يقطن بنمداغ محماد (75 عاما) مع أبنائه لمدة تزيد عن 40 عاما، في بيت جدرانه من الطين والحجر وسقفه من القصدير والبلاستيك وأغصان الأشجار. وهو بيت في حاجة ماسة إلى الإصلاح ولا يتوفر على شبكة الربط الفردي بالكهرباء.
ومحماد بنمداغ واحد من بين العشرات من المواطنين القاطنين بمنطقة تاصميت التابعة لجماعة فم العنصر بإقليم بني ملال، الذين يعتمدون على ضوء الشموع والغاز وفي أحسن الأحوال على الطاقة الشمسية، بالرغم من أنهم جميعا يُطلون من جبال تاصميت الشامخة ذات الصيت العالمي على مدينة بني ملال ذات المناظر الأخاذة.
ضمن تصريحه لهسبريس، قال السبعيني، الذي لا يعكس سنّهُ نبرة صوته وقوة بدنه: “ولدت بمنطقة جبلية تدعى إغرغر نواحي ملال، وانتقلت إلى هذا المكان مند حوالي 42 عاما، حيث أنجبت 8 أبناء (4 بنات و4 أولاد).. وطوال هذه السنين، تعايشت وأسرتي مع كثير من المآسي والخيبات والأحلام الموؤودة”.
ويحكي الرجل بلغة عربية متكسرة وساخرة: “في إحدى سنوات القرن الماضي استبشرت الساكنة خيرا لما علمت أن السلطات ستعمل على تشييد مستوصف صحي بالمنطقة مختص في أمراض الرئة؛ إلا أنه بعد الانتهاء من الأشغال وبروز البناية في أعلى الجبل بهندستها المعمارية الجميلة، تبخرت أحلام الناس، بعدما اكتشفوا أن البناية ليست سوى مشروع استثماري سياحي لمسؤول كبير آنذاك”.
وتابع المتحدث: “في هذه المنطقة حياة الناس أشبه بقصص الخيال، أغلب الأسر الهشة تكابد في صمت وحزن، جراء الوعود الزائفة للمنتخبين.. لا شيء تحقق على أرض الواقع منذ سنوات، باستثناء الماء الشروب ومقطع طرقي دشنه والي الجهة مؤخرا، ومدرسة ابتدائية تندب حظها وتعكس بامتياز واقع التعليم بالمنطقة”.
واسترسل محماد: “أنه جرى وضعُ أعمدة الكهرباء منذ حوالي أربع سنوات تقريبا بهذه المنطقة الزاخرة بمؤهلاتها الطبيعية؛ غير أنه إلى حد الساعة تمّ ربط فقط بعض بنايات الدولة المعدودة على رؤوس الأصابع، بينما باقي الدور السكنية الموجودة في منطقة تصميت وبويمورا وأماكور وايت إسحاق واغوردان..، لا تزال تترقب مبادرة من المسؤولين”.
“حرمان هذه الكوانين من الكهرباء لم يعد مستساغا اليوم ويتنافى وحق الفرد في العيش الكريم؛ بالنظر إلى أهمية هذه المادة في حياة الناس”، تابع المتحدث الذي شدد على أن “المتمدرسين يعانون بمرارة من أجل إنجاز واجباتهم المدرسية جراء حرمانهم من الاستفادة من التجهيزات الإلكترونية الأساسية التي تعمل بالكهرباء”.
وفي تصريحات متطابقة، أكد مواطنون لهسبريس أنهم أدوا للجماعة الترابية، منذ حوالي عام ونصف العام، مبالغ مالية تقدر بـ500 درهم مقابل رخصة الربط بالكهرباء؛ إلا أنهم لم ينعموا بهذه الخدمة إلى حد الآن، علما أن الكثيرين منهم تكبدوا عناء توفير هذا المبلغ المالي بحكم مستوى ظروف عيشهم.
وفي لقائهم مع هسبريس، طالب مواطنون من منطقة بيمورا الجماعة الترابية بالالتزام بتنفيذ وعودها تجاه كل من أدى هذا المبلغ الذي يعتبرونه مبالغا فيه مقارنة مع ما كان في السابق، داعين إلى بالإسراع بإيجاد حلول آنية لوضع نهاية لمعاناتهم”.
من جهته، التمس مصطفى أغلنبو، وهو من الساكنة المحلية، من عامل الإقليم التدخل لإنهاء محنة الناس مع هذه المادة الحيوية، لافتا إلى أن العشرات من الأسر تبتغي تحسين ظروف عيشها من خلال الاستفادة من خدمات أجهزة التبريد والقنوات الفضائية ومن الأدوار التي باتت تتطلع بها الهواتف النقالة في العملية التعلمية.
وأضاف أغلنبو، في تصريح لهسبريس، أن المتضررين من غياب الكهرباء “يجدون صعوبة في التواصل مع الجهات المعنية التي تتقاذف هذا المطلب في ما بينها”، مشيرا إلى أن “المواطن هو المتضرر في نهاية المطاف، بالرغم من أنه يشكل محور التنمية المستدامة”.
واختتم المتحدث حديثه بجمل متقطعة تحمل آلاما دفينة قائلا: “على المسؤولين أن يدركوا أن الربط بشبكة الكهرباء ليس سوى وجها من أوجه عديدة للمشاكل والصعوبات التي حولت حياة الناس في السنوات الأخيرة إلى معاناة لا تنتهي، والتي من ضمنها ندرة الماء الشروب وتردي الصحة وانتفاء مرافق الشباب والمرأة والفتاة…”.
وفي سياق متصل، طالب زامهنّا محماد من دوار آيت يوسف بإيجاد حلول عاجلة لمعضلة مساطر البناء في العالم القروي، مؤكدا أن “العديد من الأسر تمنع بقوة من إصلاح بيوتها الآيلة للسقوط ولا يسمح لها بإضافة غرفة لأبنائها البالغين سن الزواج أو الراغبين في الاختلاء بزوجاتهم”.
وفي تصريحه لهسبريس، قال المتحدث إن “سكان المنطقة فقراء وبدون عمل قار، أغلبهم لا يقدر على توفير تكاليف وإجراءات البناء”، طالبا من المسؤولين زيارة المنطقة والاطلاع على بيوت البلاستيك والقش وعلى ظروف عيش بعض الأسر عوض الإبقاء حتى مرحلة الانتخابات لتصريف الوعود الزائفة.
وأكد زامهنّا، الذي يقترب عمره من السبعين عاما، أن تطبيق هاته المساطر القانونية على ساكنة الجبل يستلزم معها توفير شروط العيش الكريم لها والذي يقتضي بالضرورة إيصال شبكة الكهرباء والماء وبناء المستوصفات الصحية ومؤسسات التعليم وإنجاز الطرق والنهوض بوضعية الشباب وتحسين الدخل للأسر.
وكانت كل من وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة قد أكدتا، في دورية مشتركة لهما، عدم إلزام المواطنين بوثائق إدارية غير ضرورية وتكثيف جهود وآليات المساعدة المعمارية والتقنية لفائدة ساكنة الوسط القروي، كما شددتا على التعامل مع طلبات البناء بالوسط القروي بالمرونة اللازمة وإعطاء كافة التسهيلات الضرورية للمواطنين القاطنين بالمناطق القروية، وخاصة النائية.
ومن أجل نيل رأيه في الموضوع، اتصلت هسبريس برئيس جماعة فم العنصر الترابية، وكشفت له عن مطالب الساكنة وموضوع الوصولات، واكتفى بالقول: “إن المبالغ المؤداة تتعلق بالمعاينة، وأن الأمر عادي جدا.. وعلى المعنيين المجيء للجماعة لسحب الرخص”، ثم لفت إلى أنه “غير معني بالرد في هذا الشأن ما دامت هناك لجنة مختلطة مكلفة بالموضوع”.
وفي السياق ذاته، أكد مصدر تابع للسلطات أن ملف الربط بشبكة الكهرباء لفائدة الأسر المشتكية بمنطقة تاصميت والمناطق المجاورة لها ينال الاهتمام من طرف كل المتدخلين، خاصة السلطات المحلية والإقليمية والمجلس الجماعي.
وأشار المصدر إلى أن اللجنة المختلطة المختصة وافقت على 13 رخصة بناء من أصل 17، وجرى توجيه الرخص إلى مصالح المكتب الوطني للكهرباء للقيام بالمتعين؛ ما يعني أن المطلب في طريقه إلى الحلّ بشكل نهائي.
وأوضح المسؤول ذاته، بعدما أشاد بموقف والي جهة بني ملال خنيفرة في هذا الإطار، أن الأسر المتبقية ستتم معالجة ملفاتها في القريب العاجل، لافتا إلى أن اللجنة المكلفة سجلت بشأنها بعض الملاحظات؛ منها ما هو بسيط جدا وسيتم تداركه (نقص في الوثائق مثلا)، ومنها ما يتعلق بالملكية أو بمحاضر معاينة مخالفات البناء التي تقتضي سلك إجراءات أخرى.
The post غياب الكهرباء ينغّص حياة ساكنة قرى جبلية في نواحي إقليم بني ملال appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/SPiaEn7
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire