في كل سنة، يتكرر السيناريو ذاته حين تعلن الأحياء الجامعية أنها ستغلق أبوابها، تزامنا مع نهاية الموسم الدراسي وانتهاء فترة الامتحانات بدورتيها العادية والاستدراكية، بحيث يجد العديد من الطلبة القادمين من مدن بعيدة والمنتمين إلى أسر متدنية الدخل صعوبات في توفير سكن لفترة مرحلية، في انتظار أن تعيد الأحياء الجامعية فتح أبوابها استعدادا لبداية الدخول الجامعي الجديد.
واشتكى الكثير من الطلبة الذين تحدثوا إلى هسبريس طبيعة ما وصفوه بـ”المحنة السنوية”، دون أن “يحمّلوا المسؤولية للأحياء الجامعية أو لإداراتها، بل للدولة”، التي، حسبهم، “لم تضع تصورا يخص أبناء الهامش والعائلات المعوزة، خلال الصيف، بعد نهاية الموسم الجامعي، بالمقارنة مع بعض الطلبة أبناء الطبقة الميسورة والمتوسطة الذين يستفيدون من بقاء الداخليات الخاصة مفتوحة طيلة السنة؛ دون أن يتعرضوا للتشرد خلال الصيف”.
عزيز، (23 سنة) طالب إعلام بالرباط، يتقاسم حكايته قائلا: “محنة السكن بالنسبة لنا كطلبة ننتمي إلى الطبقات الفقيرة التي تسكن هوامش المدن هو مشكل نغرق فيه منذ مجيئنا إلى الرباط، وبداية مغامرتنا الجامعية فيها؛ بحكم أن غالبية التخصصات الجامعية تكون أساسا متموقعة بالعاصمة أو بجارتها الضخمة الدار البيضاء”، مضيفا: “حين أتينا اضطررنا إلى الكراء ريثما يفتح الحي الجامعي أبوابه في شهر نونبر أو حتى دجنبر في بعض الأحيان”.
وأفاد عزيز، ضمن حديثه إلى جريدة هسبريس، بأن “الحي الجامعي يمثل ملاذا آمنا بالنسبة لنا، وحاميا من مصاريف الكراء، التي ترهق جيوبنا المثقوبة، بالنظر إلى أن الرباط لم تعد مدينة للفقراء بل غدت مدينة للعمل فقط؛ فحتى الموظفون يفضلون السكن بسلا أو تامسنا أو تمارة”، مردفا: “وإذا كان هذا هو حال بعض الموظفين، فما بالك طلبة في مناح كثيرة من حياتهم بؤساء بالمعنى المادي للكلمة، ويبحثون عن سبيل للترقي الاجتماعي عبر الدراسة”.
وسجل المتحدث أن “الحي الجامعي التفاتة من الدولة تجاه الطلبة المنتمين إلى الفئات الهشة، وبدونه ربما سيضطر العديدون منهم إلى إيقاف مشوارهم الجامعي؛ لكن الإشكال هو أنه، بحلول منتصف يوليوز، تغلق الأحياء رغم أن شهر غشت يكون فرصة لإجراء تداريب مهنية أو التحضير لمباريات الماستر”، موضحا أن هذا المشكل يجب أن يدفع الدولة إلى التفكير في جعل الأحياء الجامعية حاضنا للطلبة الذين سيضطرون إلى المكوث بالرباط خلال العطلة الصيفية”.
ومن جهتها، قالت إيمان، (25 سنة) طالبة جامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، إن “إغلاق الأحياء الجامعية يمثل أزمة كبيرة بالنسبة لنا في هذه المرحلة من حياتنا، لكون الاستقرار هو أهم ما يوجد في هذه الحياة الطلابية بأكملها. وحين نُخبَر باقتراب أجل إغلاق الأحياء، يعود القلق إلينا”، موضحة أن “هذا القلق يرتبط بالتفكير في مصاريف الكراء والسماسرة، وكيف يمكن أن نحصل على كراء في هذه الفترة، التي يغادر فيها الطلبة نحو منازلهم، ويحتفظون بغرفهم مكتراة للعام المقبل”.
ولفتت إيمان، وهي تصرح لجريدة هسبريس، إلى أن “أثمنة الكراء في يعقوب المنصور مثلا لم تعد مثل الماضي”، قائلة: “أتذكر حين جئت إلى الرباط سنة 2016، كانت الغرف متوفرة حتى بـ800 درهم؛ لكن ذلك أمر صعب المنال اليوم، فالمناطق الآمنة والقريبة أثمنة غرفها تبدأ من 1100 درهم، وهو ثمن مرتفع، حين يكون ملازما مع مصاريف العيش الأخرى”، مشيرة إلى أن الحياة بالحي الجامعي تحفز على فعل الكثير من الأشياء”.
وختمت المتحدثة شارحة: “الحياة بالرباط جد صعبة في جزء كبير منها، متقلبة المزاج، خصوصا أن تكلفة الحياة فيها مرتفعة، وغالبية الوسطاء في الكراء لا يهمهم المساعدة بعمل نبيل من خلال تقليص تكاليف البحث، بل يساهمون في مضاعفة المصاريف فقط”، موضحة أنها تتقاطع مع الطالب عزيز وكل الطلبة الذين “يطالبون ببقاء الأحياء الجامعية في الصيف، حتى لو كان هذا البقاء سيقيد بشروط، فلا مشكلة؛ لكن نود أن تكون حياتنا أسهل”.
من جانبه، قال موظف بإدارة الحي الجامعي السويسي بالرباط “إنه يتفهم الصعوبات التي يواجهها العديد من الطلبة بعد إغلاق الحي الجامعي، خصوصا أبناء الفقراء الذين لا يستطيعون توفير مصاريف للكراء”، موضحا أن “إدارة الحي، وعيا منها بهذه الصعوبات، فقد فضّلت أن تضيف أسبوعين إضافيين، بحيث سيغلق الحي الجامعي غدا الأربعاء (02 غشت)، رغم أن معظم الأحياء الجامعية في المغرب أغلقت منذ منتصف يوليوز”.
وأضاف الموظف، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن “إدارة الحي ليس لها القرار كاملا لكي تقرر في أن يظل الحي الجامعي طيلة الصيف، خصوصا بالنسبة لطلبة الدكتوراه والطلبة الذين يُجرون تدريبات تدخل في إطار تكوينهم الجامعي”، مضيفا أن “المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية هو الذي يحدد متى يغلقُ الحي ومتى يفتح؛ وإذا أضفنا أسبوعين في الحي الجامعي السويسي، فذلك تضامنا مع الطلبة”.
وشدد المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، على أن “هناك وعيا بأن الطالب يجب أن يجدَ فضاء لكي يدرس ويجتهد وينتج، وهذا هو التصور الكامن وراء خلق الأحياء الجامعية. لذلك، نراعي المشاكل التي يمكن مواجهتها في نهاية الموسم، ونخبرهم باكرا ولا نشدد في الإجراءات حتى لا نجعلهم في مواجهة الشارع أو أن نُرغمهم على خلق تكاليف إضافية، رغم قدرتهم الشرائية المتدهورة”، مبرزا أن “الحي الآن يجب أن يكون فارغا للقيام بالإصلاحات المطلوبة استعدادا للموسم المقبل، الذي يفصلنا عنه شهر واحد فقط”.
The post إغلاق الأحياء الجامعية بالرباط في الصيف يعمّق محنة الطلبة الباحثين عن الكراء appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/Qrnlbpy
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire