بعد حياة مديدة، دافع فيها عن استقلال موريتانيا، وتعميم التعليم، وألف خلالها عشرات الكتب، وتقلد مناصب مهمة منذ أول حكومة موريتانية، وبعد دفاع، في السنوات الأولى للاستقلالات المغاربية، عن اتحاد موريتاني مغربي، ودفاع مستمر عن الاتحاد المغاربي، رحل عن دنيا الناس العلامة محمد المختار ولد ابّاه، بعدما ولد في سنة 1924.
وتنشر هسبريس مقتطفات من السيرة الذاتية للفقيد، التي أصدرها سنة 2022 ضمن دفتي كتاب بعنوان “رحلة مع الحياة”.
1/3
عطاء زاخر
وقع الأستاذ والشاعر والمترجم محمد المختار ولد ابّاه مؤلفات، باللغتين العربية والفرنسية، في الشعر والنحو والفكر الإسلامي وعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية، واهتم فيها بتطور التشريع والمذهب المالكي وتاريخ علوم الحديث والنحو والشعر والشعراء بموريتانيا خاصة وبالعالمين العربي والإسلامي عامة، وترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية، وصدرت طبعته الأولى في المغرب بإذن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قبل أن يعتمدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
وكان الراحل وزيرا في أول حكومة موريتانية، وأسس جامعة شنقيط العصرية، وأدار مدرسة تكوين المعلمين بموريتانيا، ودافع عن استقلال بلده، وعن وحدته مع المغرب في إطار “المملكة المغربية المتحدة”، وهو ما قاده إلى السجن بمسقط رأسه في فترة الستينيات.
وعين الملك محمد الخامس الفقيدَ مديرا للإذاعة بالمغرب، وكان مكلفا بمهمة في الديوان الملكي في عهد الملك الحسن الثاني، ودرّس في دار الحديث الحسنية بالرباط، وكلف من “اليونسكو” بمشروع “إنقاذ مدينة فاس” وشغل مناصب في منظمات دولية وعربية وإسلامية، مثل اليونسكو والإيسيسكو ومنظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي لاحقا) ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، وتوفي وهو رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في موريتانيا.
ونعت الرابطة المحمدية للعلماء “وفاة العلامة الموريتاني الدكتور محمد المختار ولد ابّاه”، قائلة إنه كان ذا “مكانة علمية مرموقة”، ونعت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) “العالم الجليل المفكر الموريتاني الدكتور محمد المختار ولد ابّاه (…) بعد رحلة عطاء علمي وأكاديمي زاخرة بالإنجازات والعطاء”.
وكان من بين من نعى العلَم الراحل الأكاديمي سعيد شبار الذي عزّى في “فضيلة الشيخ العلامة محمد المختار ولد ابّاه، الأستاذ المربي لأجيال متعاقبة من الباحثين وطلبة العلم، صاحب المواقف والمهام والمسؤوليات الكبيرة والكثيرة في المغرب، تحريرا ووحدة وتنمية وإخلاصا ووفاء وكرما وعطاء”.
وذكر الأكاديمي عبد العلي الودغيري أن الفقيد عاش رحلة حياة “طويلة حافلة (…) متنقلا بين محطاتها ودروبها وسككها المتشابكة التي لم تكن تخلو من مفاجآت ومغامرات وإنجازات وتحديات وتقلّبات جعلت منه شخصية غنية بالتجارب ثرية بالمعلومات، مليئة بالعطاء السخي الدؤوب المتواصل في مجالات التعليم والتربية والتأليف والعمل الوطني الإسلامي”.
هذا المسار يحكيه محمد المختار ولد ابّاه في سيرة الذاتية “رحلة مع الحياة” التي صدرت سنة 2022 عن المركز الثقافي للكتاب، فيما يقرب من 400 صفحة.
نضال سياسي من أجل الاستقلال
منذ الطفولة الأولى، يحكي محمد المختار ولد ابّاه في سيرته الذاتية ما تذكره من أحضان باديته قرب بئر “ما إكَوم”، من شعرٍ، وقراءة للقرآن على امرأة اسمها أم المؤمنين بنت العيدي، ثم التحاقه بالمحظرة للدراسة، ومراحل وعيه بالاستعمار الفرنسي، وتوظيفه مدرّسا، ثم تأسيسه المعهد الإسلامي في بوتليمت ووضعه برامجه وإدارته له، ثم دراسته بشعبة الفلسفة.
ومن بين الطرائف التي يوردها ولد ابّاه تعرفه على عبدو ديوف طالبا، ومرضهما، وأخذه بيده لاجتياز الامتحان من الفراش رغم معارضة والدة ديوف الذي سيصير بعد ذلك رئيسا للسنغال، وأمينا عاما لمنظمة الدول الفرنكوفونية، مما دفع هذا الأخير إلى القول مازحا إنه لولا تشجيع محمد المختار لكان مساره مثل مسار أي مواطن سنغالي عادي.
وفي بداية حديثه عن مقاومة الاستعمار، ربط الأمر بمناصرة ابن القبيلة ورمزها السياسي أحمد بن حرمة “الذي كان يناهض أساليب الاستعمار الفرنسي وتصرف الحكام، وكان ممن استنكر ما تقوم به فرنسا في المغرب من إبعاد أمير المؤمنين”.
وربط الكاتب تطور وعيه السياسي بالاستعمار وزعزعة مسلماته حول إمكان الانعتاق منه بـ”شرارة العدوان الثلاثي على مصر، وتعاليق “صوت العرب”، وأصداء المقاومة في المغرب، والثورة في الجزائر”.
كما قال في محطة لاحقة: “كانت ثورة الجزائر، وانتصار المقاومة في المغرب برجوع عاهله الشرعي محمد الخامس، واستقلال تونس، وانهزام الجيش الفرنسي في الهند الصينية من عوامل هذا التحول الفكري وإذكاء روح الوطنية”.
وتابع: “لقد كنتُ بمنأى عن الفكر الأوروبي، بل أحس في نفسي بالانتماء إلى الأمة الإسلامية، وكنت أسمع في بيت والدي عن لقائه بالسلطان مولاي الحسن الأول في فاس، وأستمع إلى مدحه له وكذلك قصائد ولد رازكَه في مدح محمد بن مولاي إسماعيل، وولد محمدي في الثناء على مولاي عبد الرحمن، كما أقرأ بكثير من اللهف عن المجاهدين في الجبال الذين يقضّون مضاجع فرنسا في معارك مشهورة”.
وبعد ذِكر عدد من المقاومات وأن “شعارات الحرية والمساواة والإخاء لا تتناول سكان المستعمرات”، قال الكاتب: “كل هذه الحوادث أنشأت في نفسي شعورا عاما بالظلم، والامتهان والتطلع إلى العيش في الحرية، ولم أكُ أرى سبيلا للتحرر من هذا الوضع إلا بالهجرة إلى الحجاز، والمقام في جوار الحرمين الشريفين؛ لأن فكرة الجهاد قد خبت في نفوس المجتمع بعدما تأكد الناس بأن فرنسا سيطرت على جميع تراب المغرب”.
ومن بين ما أورده تفاصيل حول تعيينه وزيرا للصحة، فوزيرا للتعليم في أول حكومة موريتانية، ثم اكتشاف أعضائها أن “اللعبة ليست صريحة، وأنها لن تؤدي إلا إلى طريقٍ مسدود”، مما قاده، رفقة آخرين، إلى مصر فالمغرب.
The post الاستقلال والمقاومة والهجرة.. مشاهد "الحياة المغربية" للعالم الموريتاني ولد ابّاه appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/Em2AtjV
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire