أجمعت مداخلات فاعلين متعددي التخصصات، خلال ندوة وطنية استضافتها المكتبة الوطنية بالرباط، الجمعة، حول موضوع “مدونة الأسرة بين الدستور والمواثيق الدولية” على أهمية المقاربة الإجرائية الفعالة في حل إشكالات يطرحها تطبيق المدونة بشأن قضايا معروضة أمام المحاكم.
الندوة التي نظمتها جمعية “ملتقى الأسرة المغربية”، إغناءً لسيرورة النقاش العمومي الرامي إلى تجويد المدونة في أفق إصلاحها، الذي نادى به الجالس على عرش المملكة منتصف الصيف الماضي، تخللتها محاور للنقاش مهمة، ارتكز أبرزها على “مدونة الأسرة في ضوء العمل القضائي بين الأهداف المعلنة وإشكاليات التطبيق”، أدلى بها أنس سعدون، الدكتور في الحقوق والمتخصص في قانون الأسرة، بينما تحدّث القاضي الملحَق برئاسة النيابة العامة بالرباط، حسن إبراهيمي، في مداخلة له عن “دور محكمة النقض في تفعيل الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الأسري– النقل الدولي غير المشروع للأطفال نموذجا”.
ولم تخْلُ فعاليات اللقاء، الذي سيّرته الرئيسة السابقة لقسم قضاء الأسرة بمحكمة الدار البيضاء زهور الحر، من الصوت الحقوقي الجمعوي من خلال مداخلة عائشة لخماس، المحامية بهيئة الدار البيضاء وعضو “اتحاد العمل النسائي”، التي أكدت على ضرورة مقاربة موضوع مدونة الأسرة عبر “سؤال المساواة والملاءمة”.
“تغيير شامل وجذري”
ونادت لخماس خلال مداخلتها بما وصفته “تغييرا شاملا وجذريا لمدونة الأسرة”، مؤكدة رفض الحركة النسائية المغربية لما أسمته “حلولا وتعديلات ترقيعية تطال بعض بنودها الخلافية”؛ قبل أن تستدرك واصفة مدونة الأسرة في صيغتها الحالية بـ”ثورة مجتمعية هادئة”.
واستنادا إلى ممارستها المهنية كمحامية، سردت المتحدثة ما قالت إنها إشكالات تطبيقية وإجرائية ومسطرية تمس جوهر روح المدونة كما أرادها المشرّع، موردة مثالا على ذلك “صعوبة إثبات الضرر على الزوجة، في بعض الحالات، حين طلبها الطلاق”.
كما لم تتوان لخماس عن توجيه نقد شديد اللهجة إلى بعض قرارات وأحكام محكمة النقض بخصوص “مسائل المتعة والنفقة والتعويض عن الضرر”، فضلا عن “قضايا يتداخل فيها إثبات النسب بإثبات البُنوّة”. وخلصت إلى “ضرورة توحيد المصطلحات بخصوص منطوق الأحكام في حالة الطلاق، وإحداث محاكم متخصصة في قضايا الأسرة بأطر قضائية مؤهلة في المجال بمرجعية حقوق الإنسان”.
نموذج “تدبير تشاركي” للأسرة
من جهته، سجل أنس سعدون، الدكتور الباحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن، أن “مدونة الأسرة تعتبر نصا متقدما بالنظر إلى المكتسبات التي تضمنتها من قبيل إعادة تعريفها لعقد الزواج، وجعل الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين، وهو ما يعني الانتقال من النموذج التقليدي للأسرة القائم على قوامة الزوج، إلى نموذج حديث قائم على التدبير التشاركي”.
ولفت سعدون إلى “عدم احترام هذا المبدأ على مستوى بعض المضامين، من خلال إلقاء كل الالتزامات المالية على الزوج، مما ينعكس على منحه كل الصلاحيات المتعلقة بالتسيير” ، مضيفا أن “ذلك يظهر في المقتضيات المتعلقة بسلطة الزوج في اختيار مقر بيت الزوجية، وسلطته في القيام بالمهام المتعلقة بالنيابة القانونية على الأطفال، حيث تعتبر الأم مجرد نائب شرعي على سبيل الاحتياط”.
المتحدث ذاته أكد أن “آثار بعض المقتضيات التمييزية الواردة في مدونة الأسرة تنعكس على وضعية الأزواج والأطفال أيضا. وشرح ذلك بقوله إن “مسطرة التطليق للغياب لا تُقبل من طرف الزوج، رغم أن حالات غيبة الزوجات متواجدة على أرض الواقع، وكذا مسطرة التطليق للضرر، والحال أن الضرر يمكن أن يصدر من الزوجة”.
وخلص سعدون إلى أن “المقتضيات الحالية المنظمة للنسب تقيم تمييزا بين الجنسين وبين الأطفال بحسب الجهة التي تلجأ للاعتراف بالطفل، فالأب يجوز له ذلك دون إثبات الفراش، اعتمادا فقط على إقراره، بينما الأم تطالب بإثبات العلاقة الشرعية قبل إثبات الخبرة الجينية”، منبها إلى أن “الطرف المغيَّب في قضايا إثبات النسب يظل هو الطفل الذي يُحرم من حقه في معرفة والده البيولوجي”. ودعا في ختام مداخلته إلى الارتقاء بالخبرة الجينية لتصبح سببا للحوق النسب مثلها مثل الإقرار، خاصة أن حُجّيتها قاطعة”.
توصيات
“الارتقاء بتجربة أقسام قضاء الأسرة لتصبح محاكم أسرة متخصصة، مع مدّها بالموارد البشرية الكافية والمؤهلة”، كانت من أبرز التوصيات التي أجمع عليها المشاركون في الندوة. كما دعوا إلى “مراجعة منظومة التكوين في المعهد العالي للقضاء من خلال إدماج أوسع للاتفاقيات الدولية، وإحداث تكوين تخصصي في المادة الأسَرية على غرار التخصصات الإدارية والتجارية”.
كذلك أوصى المتدخلون بـ”الاهتمام بقضايا مغاربة المهجر، وإحداث غرفة للقانون الدولي الخاص على مستوى محكمة النقض، فضلا عن مأسسة الوساطة غير القضائية لحل النزاعات الأسرية، وتسريع وتيرة الرقمنة لتبسيط إجراءات التقاضي”.
The post حقوقيون يرفضون "تعديلات ترقيعية" لمدونة الأسرة وينادون بإحداث محاكم متخصصة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/WvRDJmF
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire