قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وتحليل الأزمات بكلية الحقوق في مراكش، إن “تحقيق الأمن المائي أضحى على رأس الأولويات الاستراتيجية التي تحظى باهتمام الدول، بغض النظر عن إمكانياتها وقدراتها”، مضيفا أن “الكثير من الخبراء والباحثين في مجال البيئة والمناخ يتوقعون حدوث استنزاف كبير للمياه الصالحة للشرب في المستقبل، بفعل تلوث البيئة والنشاطات البشرية؛ ما يهدد الإنسانية جمعاء بالعطش والجوع”.
وعن الوضع المائي بالمغرب، أوضح لكريني، في مقال له بعنوان “الإشكالات المتجددة للأمن المائي بالمغرب”، أن “المغرب يمرّ بظروف مناخية قاسية، تعيد شبح الجفاف الذي مرت به البلاد قبل عقود عديدة إلى الواجهة، بعدما تعرضت الكثير من المناطق لاستنزاف أحواضها المائية الباطنية وتراجع حقينة السدود بشكل مخيف خلال الأشهر الأخيرة”.
وبعدما تطرق الأستاذ الجامعي لجوانب عديدة من موضوع “الأمن المائي بالمغرب”، أشار إلى أن “الدعوات تنامت لأجل اتخاذ مزيد من المبادرات التي تروم مواجهة التحديات المطروحة، وخاصة على مستوى تحقيق عدالة مجالية تستحضر في عمقها الجانب المائي، من خلال تحويل المياه من المناطق التي تشهد وفرة في هذا الصدد نحو المناطق المتضررة”.
هذا نص المقال:
يرتبط الأمن المائي بمختلف التدابير الرامية إلى ضمان توفير الماء بجودة مقبولة ووصول الأفراد إليه، والحرص على استخدامه بسبل رشيدة، تدعم تحقيق التنمية المستدامة. وقد مثل تحقيق هذا المطلب رهانا رافق الحضارات والمجتمعات الإنسانية التي عملت على توفير هذه المادة الحيوية التي تتوقف عليها الحياة.
وفي الوقت الراهن، أضحى تحقيق الأمن المائي على رأس الأولويات الاستراتيجية التي تحظى باهتمام الدول، بغض النظر عن إمكانياتها وقدراتها؛ ذلك أن توفير المياه يمثل أحد المرتكزات الكفيلة بتلبية العديد من الحاجات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
على الرغم من الجهود المبذولة في السياقين الوطني والدولي، فإن ندرة المياه ما زالت تمثل أحد أهم المخاطر التي تتهدد أكثر من ثلثي ساكنة العالم؛ بل إن الكثير من الدراسات الاستراتيجية تحذر من أن الصراعات والحروب العالمية والإقليمية في المستقبل ستكون حول مصادر المياه أساسا. فيما تبرز العديد من التقارير العلمية وتلك التي تصدرها المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة أن هناك ارتباطا وثيقا بين ندرة المياه وتدهور الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حيث يتسبب الجفاف في زيادة أسعار المواد الأساسية وفي انتشار الفقر وتهديد السلم الاجتماعي بشكل عام.
ويتوقع الكثير من الخبراء والباحثين في مجال البيئة والمناخ حدوث استنزاف كبير للمياه الصالحة للشرب في المستقبل، بفعل تلوث البيئة والنشاطات البشرية؛ ما يهدد الإنسانية جمعاء بالعطش والجوع. وسعيا إلى التحسيس بأهمية تحقيق الأمن المائي كمدخل لتعزيز السلم والأمن الدوليين في أبعادهما الشمولية، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1992، على هامش المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية الذي انعقد في العاصمة الأرجنتينية ريو دي جانيرو، باعتماد اليوم العالمي للمياه الذي يصادف الـ22 من شهر مارس من كل عام، كمناسبة لتحسيس الرأي العام العالمي بالصعوبات التي تواجه أكثر من ملياري شخص في مناطق مختلفة من العالم، على مستوى الحصول على المياه الصالحة للشرب، وبضرورة بلورة تدابير متطورة وناجعة لتأمين الموارد المائية عبر العالم.
يمرّ المغرب بظروف مناخية قاسية، تعيد شبح الجفاف الذي مرت به البلاد قبل عقود عديدة إلى الواجهة، بعدما تعرضت الكثير من المناطق لاستنزاف أحواضها المائية الباطنية وتراجع حقينة السدود بشكل مخيف خلال الأشهر الأخيرة؛ وهو ما طرح بحدّة مساءلة واقع تدبير الموارد المائية وعقلنتها، على اعتبار أن الأمر يتعلق بإشكالية حقيقية ساهمت فيها التغيرات المناخية التي يشهدها العالم من جهة والاستخدامات العشوائية والمفرطة للمياه من جهة أخرى.
فبعدما كان المتوسط السنوي لنصيب الفرد من المياه يصل خلال سنوات الستينيات من القرن الماضي إلى حوالي 2000 متر مكعب، تراجع بشكل لافت في السنوات الأخيرة ليصل إلى 600 لتر مكعب في الوقت الراهن؛ فيما تحذر بعض التقارير الرسمية إلى أن هذه النسبة مرشحة للتراجع، وينتظر أن تصل إلى 500 متر مكعب في عام 2030.
لا يمكن إغفال الجهود التي قام بها المغرب منذ عقود عديدة على طريق ضمان أمنه المائي، حيث استفاد من التجارب القاسية لسنوات الجفاف الماضية، سواء من خلال نهج سياسة بناء السدود المنتشرة على امتداد مناطق مختلفة من البلاد (حوالي 150 سدا) وإحداث بنى تحتية مائية أو بلورة مخططات وبرامج متوسطة وطويلة المدى في هذا الخصوص؛ كالبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة 2020-2027، والمخطط الوطني للماء لسنة 2030، والمخطط الوطني للماء 2020- 2050، وإصدار تشريعات مائية مهمة، كما هو الأمر بالنسبة للقانونين 95-10 و36-15 اللذين وضعا إطارا مؤسساتيا لعصرنة وعقلنة تدبير الموارد المائية، وإرساء إدارة مندمجة وتشاركية في هذا الشأن.
ورغم ذلك، فإن هناك الكثير من المؤشرات التي تحيل إلى أن ثمة مفارقة قائمة بين تنامي الاحتياجات المائية من ناحية وضعف الاحتياطات المائية المتاحة التي لم تعد قادرة على تأمين الحاجات الاجتماعية والصناعية المتزايدة في هذا الخصوص من ناحية أخرى، بفعل تراجع نسبة التساقطات المطرية وعدم إرساء منظومة متكاملة واستراتيجية تعزز الأمن المائي، بالإضافة إلى وجود اختلالات مجالية تكرس التفاوت على مستوى الاستفادة من الموارد المائية المتاحة.
وأمام هذه المعطيات، تنامت الدعوات لأجل اتخاذ مزيد من المبادرات التي تروم مواجهة التحديات المطروحة، وبخاصة على مستوى تحقيق عدالة مجالية تستحضر في عمقها الجانب المائي؛ من خلال تحويل المياه من المناطق التي تشهد وفرة في هذا الصدد نحو المناطق المتضررة، خصوصا أن هناك معطيات إحصائية تشير إلى استئثار 07 في المائة من مساحة البلاد بما يزيد عن 50 في المائة من إجمالي الموارد المائية المتاحة على المستوى الوطني، فيما يتباين متوسط الحصة السنوية للفرد من الماء من 100 متر مكعب في بعض المناطق إلى 1000 متر مكعب في مناطق أخرى، كما أن مؤشر الوضعية المائية الوطنية ما زال متوسطا ودون المعدل العالمي في هذا الصدد.
ولا تخفى أهمية تعزيز المقاربة التشاركية بين مختلف المؤسسات والهيئات المعنية وطنيا وجهويا في كسب هذا الرهان، عبر بلورة جهود تدابير في إطار من التكامل والتنسيق والتعاون وتعزيز الإطار القانوني وتفعيله، انسجاما مع مقتضيات الفصل 31 من الدستور التي تؤكد أنه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في .. الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة..”. إضافة إلى البحث عن مصادر جديدة تعزز الأمن المائي، من خلال تحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه العادمة لاستخدامها في مجالات الزراعة والصناعة والبناء..، علاوة على تشجيع البحث العلمي في هذا المجال، واعتماد استراتيجية تربوية شاملة تروم التحسيس بمخاطر هدر المياه، تنخرط فيها مختلف القطاعات التعليمية والإعلامية والجماعات الترابية وهيئات المجتمع المدني.
The post لكريني يقارب الإشكالات المتجددة للأمن المائي .. مناخ قاسي وجفاف متكرر appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/mHcow9J
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire