قبل يوم من افتتاح موسم سيدي آحماد والمغنّي، المعروف بموسم الخطوبة بإملشيل، اختارت مّي فاظمة (71 عاما) وعدد من النسوة مكانا بالقرب من الخيمة التقليدية التي يعقد فيها قران الأزواج بالمنطقة، لعرض ما أنتجن بعرق جبينهن من الزرابي والسلهام والجلابيب والسجادات خلال حول كامل.
في زاوية تطل على السوق من الجهة الجنوبية الشرقية، تجلس مّي فاطمة وعيونها تتفحص نظرات المارة، وفي كل مرة تحرك جانبا من زربية مزركشة بألوان مشعّة أشبه بلوحة فنية لحضارة الإنسان الأمازيغي وتقاليده العريقة، من أجل لفت انتباه الزوار وخاصة الذين يبدون أنهم من خارج المنطقة.
وحال مّي فاطمة مثل العشرات من نسوة قبائل آيت حديدو اللواتي أتعبتهن ظروف الحياة القاسية ومتطلبات العيش، فوجدن أنفسهن مضطرات إلى الكدّ طوال العام من أجل عرض ما صنعت أيديهن خلال موسم سيدي أحماد والمغني الذي يبعد عن بلدة إملشيل بـ22 كيلومترا ويقع بتراب جماعة بوزمو ويُعرف وطنيا وعالميا بموسم الخطوبة بإملشيل.
في حديثها مع هسبريس، قالت مّي فاظمة: “دأبنا (أي نساء قبائل آيت حديدو) على القيام بهذه الحرفة منذ سنوات وحتى قبل أن نتزوج…، هذا همُّ المرأة الحديديوية (نسبة إلى آيت حديدو) وشُغلها الشاغل، وما أعتقد أن هناك نسوة بالقبيلة لا يتقنّ نسْج الزرابي، باستثناء القليل ممن ساعدتهن ظروفهن لممارسة مهن أخرى”.
وأوضحت مّي فاطمة لهسبريس: “هذه الصنعة من الحرف اليدوية القديمة التي ورثناها أبا عن جد وسنورّثها لبناتنا، وهي مصدر مهمّ للقمة العيش بمنطقتنا الجبلية، والنساء هنا في قبائل آيت حديدو يشتهرن بإتقانهن لهذه الصناعة، وما زلن يحافظن على خصوصياتها التي تتضمّن بعض الرسومات والأشكال والألوان الضرورية (رسوم الحيوانات، والأشكال الهندسية، والألوان المشعة خاصة الأحمر والأخضر والأصفر..)..
وتابعت السبعينية التي لا يعكس عمرها خفّة حركاتها ونشاطها: “من نساء أيت حديدو من يقضين نصف عام في نسج خيوط زربية من النوع الأصيل، ومنهن من ينتج اثنتين أو ثلاث لا أكثر، وسعر المنتجات المحلية يتراوح ما بين 400 درهم وثلاثة آلاف درهم، وبعض الأعمال الجيدة قد تتجاوز هذا السعر بكثير”.
وتصفُ إطو (اسم مستعار)، وهي واحدة من النساء الأرامل ممّن دأبن منذ أكثر من 10 سنوات على عرض منتجاتها بالسوق العام لإملشيل، هذا الموسم بالاستثنائي؛ وذلك جراء الجفاف الذي أثر على المزارعين والكسابة الذين كانوا يحجون بكثرة إلى الموسم لاقتناء حاجياتهم الأساسية من الملابس والأفرشة والأواني…
وإطّو من ضمن النساء اللواتي يُعوّلن على الموسم لتوفير لقمة العيش في غياب معيل لها، إلا أنها إلى حد الساعة لم تبع أي منتوج من منتجاتها على الرغم من مرور يوم كامل من عمر الموسم؛ ما جعلها تعبر عن أملها في أن يتم تمديد أيام هذا السوق العام السنوي.
تتحدث إطو لهسبريس وشغف عشقها للصنعة ينبعث فياضا وعفويا من لكْنتها: “يعدُّ السوق العام، أو موسم الخطوبة بإملشيل، منذ القدم محجا سنويا لآلاف الأسر الهشة والغنية، وهو مبعث للأمل والفرجة، ومصدر لقمة عيش نساء متزوجات وأرامل تكابدن وتجاهدن بأدوات تقليدية لنسج هذه المواد الأصيلة الممزوجة بقصص وحكايات منها الجميل والمؤلم.. ففي كل زربية حكاية وفي كل حكاية جانب من حياة نساء يحملن في أناملهن مجد ونبل وحضارة عريقة”.
ومّي فاظمة وإطّو ليستا سوى نموذجين لنساء قرويات كثيرات اضطرتهن ظروف الحياة القاسية وتقاليد قبائلهن إلى حمل عبء تكاليف العيش مع أزواجهن وإلى تدبر حاجياتهن ومتطلبات أبنائهن من حرفة تقليدية لا تغنيهن بالتأكيد، إلا أنها تعفهن عن السؤال.
قال مومن أزايد، وهو بائع منتجات محلية تشمل الزربية والجلباب والسلهام والهدّون والمنديل والحندير، إن هذه المواد، التي حاولت النساء الأمازيغيات صيانتها طوال كل هذه السنين، لم تعد وحدها كافية لضمان لقمة العيش لهذه الفئة العريضة بقبائل آيت حديدو والمناطق المجاورة جراء تراجع المبيعات في السنوات الأخيرة، بسبب ضعف الإقبال على هذه المواد مقابل تزايد متطلبات الحياة وارتفاع سعر مواد النسيج.
ونبه زايد إلى خطورة اندثار هذه الحرف التقليدية جراء هيمنة بعض المواد الأجنبية الرخيصة على السوق المحلية، ومحاولتها محاكاة الزربية المحلية في الألوان والأشكال والرّسومات؛ ما يعدُ -حسبه- تشويها أو مسّا بجهود المرأة الجبلية التي تحمل في دمها عبر قرون سرّ هذه الصنعة وأصالتها، داعيا إلى دعم وتشجيع التعاونيات العاملة في هذا الإطار لصيانة هذا الموروث من الاندثار والعمل على تسويقه وتثمينه.
The post قرويات يعتمدن على حرف تقليدية في توفير متطلبات العيش بمنطقة إملشيل appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/jxsyDGZ
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire