التبوريدة في عاصمة الثقافة الإفريقية .. الرباط تتمسك بأصالة الفروسية المغربية

تاريخ احتفال حربي مغربي يتجدد على أرض العاصمة الرباط، التي يستمر الاحتفاء بإعلانها عاصمة للثقافة الإفريقية هذه السنة بـ”التبوريدة” أو تقاليد الفروسية المغربية.

ساحةُ حربٍ فعلية صيرتها “سربات” الفرسان، وأصوات بارودهم وريحه، وقرع الخيلِ الترابَ أمرا بإيقاظ هممٍ، وإظهار قدرةِ رد للبَأس، وتجديدا لدماء إبداع الأجداد؛ لنتجاورَ، مِن غير انقطاع، في قلب الساحة المعججة.

“التبوريدة”، التي اشتُق اسمها من البارود، تعبير ثقافي حربي مغربي، سجلته المملكة بقائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية. من بين ما يشهد عليه هذا التقليد قصة ذاكرة مشتركة للشعبين المغربي والجزائري، حيث تحضر “التبوريدة” أيضا في الجارة الشرقية.

على صوت أهازيج الشعبي، حضرت في مقاطعة يعقوب المنصور بالعاصمة 47 سربة من سربات الفرسان، يكفي انتظامهم للتشبع بأصالة بينة في اللباس وسروج الخيل ونقوش البندقيات.

ينطلق العرض بتحيات “السربات” جمهورَها، فيَقْدُم الفرسان ممتطين خيولهم بتؤدة. وبعد التوقف، يرتقي الفارس ويرفع السلاح، ثم ينحني بشرف، ويغادر السرب أولا بأول عودة إلى مكان الانطلاق.

بعد التحية، تبدأ “التبوريدة”؛ صف فرسان متراص، يتوسطه قائدٌ لا تنازِعُ صوتَه الجهوري إلا حوافرُ الخيل ونواقيس “سرجها”. وبعد كر مستتب، تتوحد طلقات “السربة” حتى تكاد تُسمَع واحدة، لا يفند تعددها إلا الأدخنة.

هناك، في صفوف سربات الفرسان المنتظرة دورَها، خلف دخان البارود الذي امتزج وغبارَ الأرض، وغير بعيد عن الأعلام، لا يسطَع الحاضر تفنيد ما إذا كان في ساحة حرب أم سلمٍ هش.

وما تكاد غمامة الحرب تنقشع حتى تبرز منها جياد متراصة تمخر ضبابها، وتجدد العهد مع التاريخ.

وبين الإتقان وما دونه، مع توالي السربات، قد تُسمَع طلقة البندقية واحدة أو قد تختلف الطلقات، وقد يرفل الفرس، أو يتخلف الفارس أو يسقط حتى!

لكن، طيلة العرض، تتوالى تصفيقات المتابعين، وتحضر نظرات ووشوشات الإعجاب، كما تحضر الهمهمات المتذمرة كلما أخلفت “سربة” الموعد.

ومع توالي الضرب في مرقد الراحلين وسقف الأرض، يُقدم الماء قربانا للتربة طلبا لتلطيف الأجواء.

ولا تغيب عن ساحة الحربِ السلمية هذه موروثات حفظتها الذاكرة عبر الأجيال، تستحضر واجب أداء “الحق” إذا ما أخطأ الفارس موعده مع الزناد، وتتذكر سلاطين عاقبوا أشخاصا مسوا كمالَ العرض، ولا يستتر التطير بطرد السحر، وكل شر كِيدَ، عمن سمع طلقات البارودِ، بارودِنا.

The post التبوريدة في عاصمة الثقافة الإفريقية .. الرباط تتمسك بأصالة الفروسية المغربية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/QuUy1xp

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire