بوصوف يبحث عن "السلام الصعب" في آخر نفق الحرب الروسية الأوكرانية

قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن “المسافة تزداد بُعدا عن الحديث عن السلام ووقف القتال في أوكرانيا كلما استمرت الحرب التي اندلعت منذ أربعة شهور، إذ لم نعد نسمع بالمفاوضات التي بدأت على الحدود الأوكرانية البيلاروسية، ثم انتقلت إلى أنقرة وعواصم أوروبية أخرى، ولم نعد نسمع عن اللاجئين الأوكرانيين وعن مصيرهم، ولم تُنصب لهم مخيمات على الحدود أو مستشفيات متنقلة”.

وأضاف بوصوف، في مقال له بعنوان “الحرب الأوكرانية والسّلام الصّعب”، أن “لغة الردع والردع المضاد حلت محل الحديث عن السلام ووقف إطلاق النار والممرات الإنسانية، وطغت على لغة السرد لغة العقوبات الاقتصادية والمالية واستعراض بيانات المساندة السياسية والمعونات العسكرية من هذا الجانب أو ذاك، واشتعلت الحرب في ساحات الإعلام والرياضة وعلى موائد الأسر بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعار مواد الطاقة، كنتيجة لتغييب لغة السلام والمفاوضات”.

وختم الدكتور عبد الله بوصوف مقاله بالإشارة إلى أن “الآلة العسكرية مستمرة في رفع عدد القتلى والجرحى والتدمير واللاجئين، وآلـية العقوبات المالية والاقتصادية مستمرة في الرفع من أزمات اجتماعية واقتصادية عالمية كالحبوب والطاقة…والآلة السياسية والدبلوماسية مستمرة في الرفع من عدد التحالفات وعدد الحلفاء والردع والردع المضاد؛ أمام مشهد يجهل الكثير منا مصيره ومداه بين حرب عالمية مدمرة وبين وضع حرب عالمية بالوكالة وسلام مفقود”.

هذا نص المقال:

تزداد المسافة بُعدا عن الحديث عن السلام ووقف القتال في أوكرانيا، كلما استمرت الحرب التي اندلعت منذ أربعة شهور، أي منذ 24 فبراير 2022.. فلم نعد نسمع بالمفاوضات التي بدأت على الحدود الأوكرانية / البيلاروسية ثم انتقلت إلى أنقرة وعواصم أوروبية أخرى، ولم نعد نسمع عن اللاجئين الأوكرانيين وعن مصيرهم، ولم تُنصب لهم مخيمات على الحدود أو مستشفيات متنقلة، مثل ما وقع في أحداث مماثلة كسوريا والعراق مثلا…

لم نعد نسمع عن مجازر التطهير العرقي والمقابر الجماعية أو هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، لم نعد نرى “فلودومير زيلانسكي” الرئيس الأوكراني بقميصه الصيفي العسكري يتجول في شوارع كييف…لم نعد نسمع كلمة السلام وكأنه سراب يتراءى للعطشان في يوم صيفي حار…السلام الذي كان الجميع يحلم به منذ الساعات الأولى وامتد إلى أيـــام ثم إلى شهـــور (4 شهور إلى حد الآن)…هاهي الكواليس تتحدث عن سنوات قادمة …

وقد عرف العالم خلال هذه الشهور الأربعة العديد من الأحداث الخطيرة المتسارعة والمتنوعة، بين التهديد بالمجاعات أو قلة الحبوب، على اعتبار أن الحرب تمنع البواخر من نقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية؛ والتهديد بارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء بشكل غير مسبوق، باعتبار روسيا المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز الطبيعي والبترول والعديد من المواد الأولية…

لقد حلت لغة الردع والردع المضاد محل الحديث عن السلام ووقف إطلاق النار والممرات الإنسانية… وطغت على لغة السرد لغة العقوبات الاقتصادية والمالية واستعراض بيانات المساندة السياسية والمعونات العسكرية… من هذا الجانب أو ذاك، واشتعلت الحرب في ساحات الإعلام والرياضة وعلى موائد الأسر بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعار مواد الطاقة، كنتيجة لتغييب لغة السلام والمفاوضات وتغليب لغة العقوبات الاقتصادية والمالية…

فهل ما يجري الآن من عقد اجتماعات حضورية أو عن بعد، واستغلال ذلك من أجل بعث رسائل سياسية إلى الطرف الآخر… هو عودة لأساليب الحرب الباردة، تـرجع بالعالم إلى مرحلة ما قبل سقوط حائط برلين سنة 1989 …أم هي ترتيبات جديدة لنظام عالمي جديد وبثنائية قطبية جديدة مع بعض التعديلات في التكتيكات على مستوى الشعارات السياسية والأيديولوجية…؟.

فالعقوبات المالية والاقتصادية لدول الغرب ضد روسيا لم تَفِ بغرضها، أي الضغط على روسيا من خلال رفع كـُلفتها الاقتصادية والمالية، وهو ما يؤدي إلى رفع الـكُلفة الاجتماعية، التي قــد تـــدفع إلى الاحتجاج في شوارع موسكو والإطاحة بنظام بوتين مثلا؛ إذ سرعان ما أعلنت موسكو عن قبولها الأداء فقط بعملها الوطنية “الروبل” مقابل الغاز الطبيعي والبترول، وهو ما خلق نوعا من الردع المضاد ووفـــر أوكسجينا اقتصاديا لروسيا. لكن هذا لا يعني أن تلك العقوبات لم تضر بالاقتصاد أو بالمواطن الروسي، كما لا يعني عدم مساهمتها في تخفيف أضرار الحرب على أوكرانيا.

الإجماع الأوروبي وإجماع دول الغرب وحلف الناتو على إدانة الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية لم يكن كافيا لحشد إدانة عالمية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، إذ امتنعت عن التصويت العديد من الدول، وخاصة من الدول الإفريقية، (حوالي 35 دولة)، أضف توفر روسيا على حق الفيتو، ما يحول دون إصدار أي قرار إدانة من طرف مجلس الأمن الدولي ضدها. لكن هذا لا يدخل في خانة الفشل السياسي، بل شاهدنا ارتفاع أصوات مطالبة بضم أوكرانيا لدول الاتحاد الأوروبي ورفع نسبة الدعم المالي والعسكري..وضم السويد وفنلندا إلى حلف الناتو العسكري.

فمن تصريحات دافوس الاقتصادي بسويسرا إلى المنتدى العالمي لسان ييترسبورغ…ومن بيانات بروكسيل وواشنطن ولندن وروما وبرلين وباريس إلى بكين ونيودلهي وبودابست…الآلة الدبلوماسية تتحرك بشكل رهيب ومتسارع، ليس لبناء السلام، ولكن لبناء أو تدعيم تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية قديمة/ جديدة؛ إذ عرف شهر يونيو الحالي وحده عقد اجتماعات بدلالات سياسية لــدول البريكس الخمس، أي البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا..وهو تحالف نشأ مند 2009 بالصين، لكن أهمية انعقاده أثناء الحرب على أوكرانيا تجعل منه حدثا سياسيا وعسكريا أكثر منه أمرا آخر… ويقابله انعقاد اجتماعات مجموعة دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة G7 الاقتصادية بألمانيا والناتو بمدريد في آخر شهر يونيو …

وهذا يعني رفع وتيرة الاشتغال على ترتيبات قطب مقابل قطب آخر..إذ يُشَـبه العديد من المراقبين مجموعة البريكست بمجموعة G7 الاقتصادية، حيث تضم أكبر الدول كثافة للسكان، أي الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا (40 في المائة من سكان العالم) وهو ما يعني سوقا استهلاكيا كبيرا. بالإضافة إلى توفر المجموعة على العديد من نقط القوة، كمصادر الطاقة والتكنولوجيا والمواد الأولية واليد العاملة.. كما أن عضويْن منها، هما الصين وروسيا، عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، مع توفرها على بنك للتنمية (يقابل صندوق النقد الدولي) سيمهد الطريق لانضمام حلفاء كلاسيكيين كالجزائر وكزخستان وفنزويلا… وهو ما يعني المزيد من مصادر الطاقة، مع دول أخرى من إفريقية وأمريكا اللاتينية… وهو ما سيشكل بالفعل قوة اقتصادية، وتحالفا سياسيا وعسكرية فاعلا على الساحة الدولية… إذ شدد بيانه الختامي على احترام الوحدة الترابية لكل الدول، في إشارة مُضمرة إلى ملف تايوان…

الآلة العسكرية مستمرة في رفع عدد القتلى والجرحى والتدمير واللاجئين، وآلـية العقوبات المالية والاقتصادية مستمرة في الرفع من أزمات اجتماعية واقتصادية عالمية كالحبوب والطاقة… والآلة السياسية والدبلوماسية مستمرة في الرفع من عدد التحالفات وعدد الحلفاء والردع والردع المضاد؛ أمام مشهد يجهل الكثير منا مصيره ومداه بين حرب عالمية مدمرة وبين وضع حرب عالمية بالوكالة وسلام مفقود…لكن يجب انتظار مخرجات اجتماع G20 الذي سينعقد في شهر نوفمبر القادم بإندونيسيا، حيث سيجتمع كل من أعضاء البريكس والناتو وG7 على طاولة واحدة…فهل ستساهم المدة الفاصلة في نسج خيوط السلام الصعب…؟.

The post بوصوف يبحث عن "السلام الصعب" في آخر نفق الحرب الروسية الأوكرانية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/ZJaKBjn

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire