عدو الفقراء

الظاهر أن أخطر عملية نصب قام بها الرأسمال العالمي هو إقناع الفقراء بأن عدوهم الرئيسي هم أولئك الأكثر فقرا منهم.

في أوروبا، كل أحزاب اليمين المتطرف تلعب ورقة المهاجرين القادمين من الدول الفقيرة لكي تصنع لها رصيدا يتم ترجمته بمقاعد برلمانية وسلطة تساهم في تشنج الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية عوض العمل على إيجاد حلول تمر عبر رصد أهم تحول حصل خلال السنوات الأخيرة، والذي قد يكون سببا لكارثة عالمية إذا لم تتم مواجهته في أقرب الأوقات: 20 فردا تزيد قيمة ثروتهم على الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وهذا غيض من فيض الاستنتاجات الخطيرة التي وردت في تقرير منظمة “أوكسفام” بملتقى دافوس الأخير، الذي مر مرور الكرام على مسامع الجميع كما لو أن من كتبه كان يتحدث في واد مقفر. وسائل الإعلام تعرضت له بعجالة، وهناك من تعامل معه كخبر من الدرجة العاشرة؛ بينما نحن أمام قنبلة موقوتة تهدد استقرار الدول، خاصة تلك التي جعلت من تقليص الفوارق الاجتماعية عمودا يرتكز عليها نظامها السياسي مثل غالبية الدول الأوروبية.

ففي دافوس، أبدى كل المشاركين قلقهم من عواقب الركود الاقتصادي الذي سيكون سمة عامنا هذا، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ونتيجة سنتين من جائحة قصمت ظهر جزء كبير من البشرية؛ فالأرقام تقول، وبالواضح، إن الفجوة بين الأثرياء والفقراء تزيد اتساعا. إن الجائحة لم تكن وبالا على الجميع لأنها انتجت 573 مليارديرا جديدا في الوقت نفسه اعطتنا 263 مليون شخص يعيشون الفقر المدقع يضافون إلى الملايين التي كانت تعاني الفاقة قبل كورونا.

تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة هو وليد سياسات ليبرالية تركت للرأسمال المتوحش إمكانية فرض شروطه على سوق العمل وتكييفه بشكل يخدم مصالح ضيقة يسيطر عليها عامل المضاربات المالية أكثر من عملية إنتاج اقتصادي كفيل بخلق الثروة أولا ثم توزيعها فيما بعد.

النتيجة بضعة آلاف من الرجال والنساء، وبالتحديد 2668، لديهم ثروة صافية تبلغ 12,7 تريليونات دولار، أي 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عالميا؛ وهي حصة تزيد عن أربعة أضعاف على ما كان عليه الوضع سنة 2000.

في الوقت نفسه نحن أمام زيادة للتضخم ستقلل من القدرة الشرائية للطبقة الوسطى ووزن الدين الخارجي الذي يسحق عددا كبيرا من الدول الفقيرة، وأخيرا الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية. كلها عوامل تنذر باشتعال اضطرابات اجتماعية في بقاع كثيرة من العالم.

مع بداية الجائحة، اعتقد الكثيرون بأنها قد تفيد كحافز يتعظ منه الجميع للعمل على إيجاد مخرج للإنسانية أجمع عبر تثبيت مفاهيم أخلاقية جديدة يكون التضامن أساسا لها. بعد سنتين، يستفيق الجميع على وقع أن البشرية لم تستفد نهائيا مما حصل، وأن حليمة ما زالت على عادتها القديمة؛ بل أصبحت أكثر جشعا مما كانت عليه من قبل.

The post عدو الفقراء appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/vOSaKLl

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire