تعلي منظومة التربية والتكوين من شأن المتعلم، وتجعله محور ومركز العملية التربوية والتكوينية، بمواكبة حالته النفسية والسلوكية، لارتباط هذا بذاك. كما ترتفع بمواردها البشرية، لتفهم وضعية رواد المدرسة، و”الوعي بتطلعات الأطفال والمتعلمين بصفة عامة وحاجاتهم البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والفنية والاجتماعية” (الميثاق الوطني للتربية والتكوين)، حتى يسايروا دراستهم بنجاح.
التربية الدامجة بين التنصيص التشريعي ومعيقات التنزيل العملي:
فكثيرة هي القوانين والتشريعات، التي تعزز حق ذوي صعوبات التعلم في الاستفادة من الخدمات التربوية والتكوينية، على قدم وساق مع أقرانهم من الأطفال العاديين، في فضاء مدرسي يحوي الجميع، بعد فترة العزل التي عانوا منها في فضاءات خاصة، أو أقسام خاصة. والحق في تعلم هذه الفئة، جعلته الرؤية الاستراتيجية، إحدى رافعات مدرسة الإنصاف والجودة، حين نصت على “تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة” (الرافعة الرابعة).
إنه اهتمام وطني، يندرج ضمن اهتمام عالمي، أخذ فيه تعلم هذه الفئة من الأطفال موقع الصدارة والأولوية، استحضارا لنماذج تاريخية أكدت عبقريتها بما خلفته من تراكم علمي، أفاد وما زال البشرية، رغم ما عانته من صعوبات في التعلم، لم تأخذه المدرسة آنذاك مأخذ الاهتمام، لعدم اعتبار وقته، بالتداخل والارتباط الحاصل بين التعلم وطبيعة مكونات الشخصية. التي ينتج عنها تعقد تفسير السلوك الإنساني، واستحالة اختزاله في بعد دون آخر. فالتعلم وإن كان يخاطب العقل أساسا، فقد يعيقه ما هو انفعالي أو اجتماعي أو سلوكي. فالتعليم يفشل في تحقيق أهدافه، ما لم يعمل على وضع اليد على هذه المعيقات لدى المتعلم، ويُخضع كل اضطراب لمبضع التشريح، ومختبر التحليل بعد التشخيص.
لعل القرار التربوي الذي اتخذ بإدماج كل الأطفال على اختلاف أوضاعهم، في فصل دراسي واحد، كان يستحضر ما قد تعانيه هذه الفئة الأخيرة، نفسيا وسلوكيا، حين لا يتمكنون من الاندماج في دينامية الفصل الدراسي، والنظرة التي يمكن أن يتلقوها من أعضاء الفصل. ولتجاوز هذه المعاناة، وتيسير سبل الانسجام المطلوب بين فئات المتمدرسين داخل الفصل، وتمكين المدرس من الاشتغال وأداء مهمته في سلاسة ويسر، حتى يأخذ كل عضو من أعضاء القسم حقه من التعليم، ويحقق الغاية من القدوم إلى المدرسة، تم التنصيص على إجبارية التدخل الطبي وشبهه، مع توفير قاعة الموارد للتأهيل والدعم، لتعزيز المكتسبات الصفية، ومعالجة نقائصها بالطرق البيداغوجية التي تناسب وحالة الطفل، وغيرها من “المستلزمات الكفيلة بضمان إنصافهم وتحقيق شروط تكافؤ فرصهم في النجاح الدراسي إلى جانب أقرانهم” (الرؤية الاستراتيجية).
التربية الدامجة.. مجهود فريق:
وفي غياب كل هذا، يجد الأستاذ نفسه أعزل في مواجهة ما يصادفه من حالات، فاجتهاده غير كاف لتيسير سبل التعلم للطفل الذي يعاني صعوبة أو أكثر، ما لم تمد له الأسرة يد المساعدة، بمواكبة ابنها أو ابنتها، بالتشخيص الطبي، والبحث في النسيج الجمعوي عمن يمكنه أن يأخذ بيد هذا المتعلم ليساير مساره الدراسي، وتوفير مرافق له داخل الفصل، وخصوصا بالنسبة للحالات التي لا تستطيع الانفتاح والتواصل مع باقي أعضاء القسم. فيصعب عليها الاستسلام والانقياد للممارسات الصفية، وأنشطته البيداغوجية المصممة أساسا لفئة المتعلمين المصنفين في خانة العاديين، نتيجة لوضع الطفل النفسي والسلوكي، المتطلب لنهج بيداغوجي غير معتاد وغير نمطي. باعتبار الطفل من ذوي صعوبات التعلم، حالة فريدة، يتطلب التعامل معها دراية بها، والأسلوب المناسب له كذات متفردة، لتنجح العملية التعليمية التعلمية معه.
غير هذا التعامل البيداغوجي الراشد، داخل الفصل وخارجه، لتخليص الطفل مما يعانيه من معيقات، تجعل من تعلمه صعبا. فبدون توفير فريق عمل تشخيصا وتأهيلا، نسقط في “نظرة اختزالية له… تؤدي إلى إفلاته من الفهم والاستيعاب وفاعلية التدخل” (مصطفى حجازي)، وبالتالي ستصبح المدرسة بيئة سامة بتعبير الأمريكية: مارشيا إكريد، الشيء الذي يضطره للتصرف بطريقة غير لائقة، “استجابة للإحباط الداخلي… أو القلق أو الضيق الذي يشعر به”. استجابة مطبوعة بأسلوب احتجاجي عنيف، نسميه شغبا ظلما وعدوانا، نتيجة لإحباط أيضا يعانيه الأستاذ(ة)، من قصوره وضعف تكوينه في الإلمام بمثل هذه الحالات، وهو الذي يتوقع استجابة نمطية لما يصدر عنه من مثيرات. فينقلب القسم إلى ساحة لصريف مختلف الأزمات ذات مباعث شتى، في الوقت الذي أُعد ليكون ميدانا لتصريف المهارات، وتنمية القدرات.
في الحاجة إلى نظام تربوي يفي بحاجات رواده المتباينة:
إن وضعا كهذا، يزيد من الأزمات النفسية للطفل الذي نصفه في خانة ذوي صعوبات التعلم، ونزيد من عبئه لتصوره عن نفسه، بأنه غير كفء للتعلم، وغير مؤهل للانخراط في السيرورة الدراسية. كما نعلي من منسوب أزمة المدرس، بما يتولد عنده من شك في قدرته على القيام بواجبه تجاه متعلميه عامة، مهما كانت ظروفهم متباينة، فهذه سنة الله في خلقه. والمدرسة والفاعلين فيها، عليهم تقع مسؤولية إيجاد الفرص المناسبة للتعلم، والتنويع في المقاربات البيداغوجية، ليجد كل واحد ضالته، في ظل نظام تربوي مرن وغني من حيث الوسائل والطرق التعليمية، بالإضافة إلى موارد بشرية مؤهلة لحسن التعامل مع كل الفئات، وقيادتها برفق إلى اكتساب ما تستطيع إمكانياتها وقدراتها من اكتسابه واستثماره.
إن توفير نظام تربوي كنظام منتسوري، الذي يستحضر كيفية تلقي المعلومات ومعالجتها بالنسبة للأطفال، الذين يختلفون في وثيرة وكيفية تعلمهم، سبيل لردم “الفجوة بين أداء الفرد الأكاديمي، مقابل المهارات المتوقعة منه، والمعتمدة على عمره وذكائه”. وقد فُعل خيرا حينما تم الانتباه إلى أهمية قاعة الموارد للتأهيل والدعم، التي من شأنها أن تغطي عورات وسيئات ما يعانيه ذوو صعوبات التعلم. لكن قلتها وعدم تغطيتها لكل جغرافية الوطن، لا يسمح بالحديث عن دورها في النهوض بأوضاع هذه الفئة تعليميا وتربويا.
لعل تقرير المجلس الأعلى للحسابات، قد عرى عن مجموعة من الاختلالات التي تعانيها التربية الدامجة، رغم قلة ما تستقبله من أطفال في وضعية إعاقة، (53 ألفا من بين 150 ألف طفل). وهي اختلالات عابرة لكل الفضاءات التي يمر عبرها الطفل، بدءا من الأسر التي لا تواكب أطفالها بالشكل المطلوب، كما هو الحال مع الأطفال العاديين، والأمر يتضاعف مع الذين هم في وضعية إعاقة، حيث تسكت بل تنكر إعاقتهم لاعتبارات الاجتماعية غير معتبرة. مرورا بمدرسة تفتقر إلى التجهيزات والوسائل الديداكتيكية، و”ضعف الولوجيات المعمارية”. فلكل هذا وغيره، يضيع حق الطفل العادي والذي يعاني صعوبة، ويشكل واحد منهما عبئا على الآخر، ومعيقا لسيرورة تعلمه، ويهزم الأستاذ(ة) في تلبية مطالب هذا، وحقوق ذاك.
The post التربية الدامجة .. رهانات معاقة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/tmRD6wK
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire