بدون عنوان: تنمية القرية المغربية تضيع بين "استثمار الحجر" وإهمال البشر

هناك في الأراضي البعيدة، في الجبال والسفوح بالشمال والجنوب، قرى مغربية تغطي أكثر من 90 بالمائة من المساحة الإجمالية للبلاد، بعضها يعيش في عزلة، والبعض الآخر يبحث عن الخدمات الأساسية.

على مر سنوات مضت، رصد ميزانيات فلكية للقرية المغربية، وملأت التقارير الرسمية الرفوف، ناهيك عن تردد صدى مشاريع بإدارات ومكاتب مكيفة، لكن التساؤل المطروح هو: ماذا تحقق على أرض الواقع؟

هسبريس انتقلت بين قرى متعددة بحثا عن تنمية مرغوبة لأكثر من 40 بالمائة من ساكنة البلاد، الانطلاقة كانت من دوار ازلولن بنواحي أزيلال، قرية على جبال الأطلس الوصول إليها صعب جدا إن لم يكن مستحيلا أيام الشتاء وحينما تقطع الثلوج المسالك الوعرة، لتظل الساكنة معزولة وتعاني ظروفا قاسية.

أول ما شد انتباهنا ونحن نقترب من القرية، أطفال وهم يلعبون بالثلج، وآخرون يساعدون آباءهم في أعمال شاقة، ورغم أن زيارتنا كانت في يوم دراسي إلا أننا لاحظنا وجود الأطفال في المنازل والحقول وقد غابوا عن القسمين الدراسيين الوحيدين في المنطقة.

ونحن نقترب من “الساقية” أو “العين”، مصدر الماء الوحيد بالقرية، أثارت انتباهنا طفلات صغيرات يملأن براميل الماء ويحملنها فوق ظهورهن الصغيرة؛ حمل يثقل كاهل الكبار فما بالك بصغيرات لم يشتد عظمهن بعد.

رافقناهن في طريق عودتهن إلى منازلهن الذي يطول لمسافة مهمة، تجاذبنا أطراف الحديث مع مريم كرامي، 13 سنة، طفلة هزيلة، لا تقي جسدها الرقيق من البرد القارس سوى ثياب خفيفة، تمشي مقوسة الظهر الذي وضع فوقه برميل أكبر منه، أما وجهها فلا تفارقه ابتسامة طفولية بعينين تشعان براءة.

تقول مريم إنها وشقيقتها الصغرى تتكلفان بجلب الماء؛ فأمهما امرأة كبيرة لا تقوى على حمل كل تلك الأثقال، أما والدهما فقد فارق الحياة قبل سنوات.

وعن أمانيها في الحياة، فتتلخص في “صنبور ماء بالبيت يغنينا عن هذا العذاب اليومي المتكرر، ومدرسة أستطيع أن أكمل فيها دراستي المنقطعة لأصبح طبيبة تعالج المرضى، أولهم أمي التي تبيت كل ليلة تئن من الآلام”.

تقضي مريم يومها كباقي بنات وطفلات القرية في جلب الماء والقيام بالأشغال المنزلية والمساعدة على جلب الحطب للتدفئة من زمهرير ليالي الشتاء، كاشفة أنها غادرت المدرسة بعد أن وصلت المستوى السادس ابتدائي نظرا لكون القرية لا تتوفر على إعدادية، وهو ما يحتم على جميع أقرانها، إناثا وذكورا، ألّا يكملوا تعليمهم.

تعليم مفقود

لا تنمية بدون تعليم؛ تشير المعطيات التي حصلت عليها هسبريس إلى أن 55 بالمائة من المدارس الابتدائية توجد بالعالم القروي، تضمن تغطية كاملة، فيما 29 بالمائة من الجماعات القروية تخلو من إعداديات، ولا معطيات عن الثانويات.

ومن أصل 850 مدرسة تم إنشاؤها خلال السنوات الخمس الأخيرة، أكثر من 530 مدرسة تم تخصيصها للعالم القروي، إضافة إلى 110 مدارس جماعاتية، يدرس فيها أكثر من 60 ألف تلميذ.

التقينا عادل باجة، مدير الاستراتيجية والتخطيط والإحصائيات بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي أوضح أن “التحدي الأكبر الذي يواجه الوزارة بالعالم القروي هو ضمان تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص للتلاميذ المغاربة، سواء بالقرية أو المدينة، وخاصة على مستوى العرض وجودة التعلمات”.

وأكد باجة، ضمن حديث لهسبريس، أن “القطاع تواجهه بعض المعيقات، من جملتها ضعف البنية التحتية من طرق وماء وكهرباء وصرف صحي، وصعوبة الجغرافيا، وتشتت الساكنة في بعض المناطق القروية، وبعض المشاكل الثقافية، بحيث تسود ثقافة في بعض المناطق تمنع أو تحد من تمدرس الأطفال، خاصة الإناث، وقلة الموارد المالية والبشرية المخصصة للقطاع”.

وأفاد بأنه “من أجل تجاوز هذه التحديات والمعيقات، تراهن الوزارة على نموذج المدارس الجماعاتية من أجل إدخال الجودة على مستوى العرض والتعلمات بالعالم القروي”، موردا أن الوزارة قررت التخلي التدريجي على الفرعيات وتعويضها بالمدارس الجماعاتية من أجل ضمان الفرص نفسها المتاحة للتلاميذ بالمدينة.

وخلافا لحديث المسؤول ذاته عن المجهودات التي تبذلها الوزارة للنهوض بالتعليم في العالم القروي، وقفنا على واقع مغاير خلال زيارتنا إلى قرية ازلولن، فهناك الأوضاع لا تشبه ما يعلن عنه في التقارير الرسمية؛ مدرسة من قسمين يتناوب عليهما أطفال الدوار، وقد صادفت زيارتنا إغلاقهما لأكثر من شهر. غاب الأساتذة وانقطع التلاميذ عن الدراسة، وحين سألنا، اكتشفنا أنه وضع يتكرر دوما دون معرفة السبب.

وفي الوقت الذي يتابع فيه التلاميذ دراستهم في المدن وقرى أخرى، فإن أطفال ازلولن لا يجدون إلى ذلك سبيلا، وتقول الساكنة: “ربما الظروف القاسية” وراء ذلك، خاصة خلال تهاطل الثلوج.

باجة أوضح خلال لقائه مع هسبريس أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، تم خلق أكثر من ألف مؤسسة تعليمية، وفي المقابل جرى إغلاق 67 مدرسة، معتبرا أن “هذا ليس إغلاقا بقدر ما هو إعادة توطين للمؤسسات، بحيث نغلق الفرعيات لإحداث وفتح المدارس الجماعاتية التي توفر ظروفا أحسن بكثير لتعلم الأطفال واشتغال الأساتذة، وتساعد على ضمان تكافؤ الفرص والإنصاف من حيث جودة التعليم”.

صحة مهملة

خلال جولتنا في القرية، قابلنا نساء وشيوخا يعانون آلاما وأمراضا لا حيلة لهم للوصول إلى العلاج منها، يشتكون ويشتكون وحين سؤالهم: “هل زرتم الطبيب؟”، يردون بالسؤال: “أين سنجد الطبيب؟”، ويقولون: “من يمرض هنا يظل يتعايش مع مرضه حتى يتعافى أو يسلم الروح إلى خالقها”.

تزناطت رحو، واحد من شيوخ القرية، قال في لقائه مع هسبريس إن من بين معاناتهم الكثيرة، بعدُ المستشفى عنهم، مفيدا بأن عشرات الكيلومترات تفصلهم عن أقرب مستوصف يمكن ربما الوصول إليه صيفا لكن شتاء، حينما تشتد التساقطات الثلجية، فإن ذلك يستحيل، وهذا ما كان سببا في وفاة حوامل عديدات.

وأضاف رحو: “أحيانا لا نستطيع الخروج من منازلنا لمدة 15 أو 20 يوما، نجد أنفسنا محاصرين نحن وبهائمنا، وإذا مرض أحد في هذا الوضع، فلا يمكن أن ننقله إلى المستشفى”.

بحسب معطيات حصلت عليها هسبريس، يبلغ مجموع المراكز الصحية بمختلف أنواعها في العالم القروي 2088، ولا يتجاوز مجموع الأطباء 969 طبيبا، إضافة إلى 3109 ممرضين وممرضات و1366 مولدة (قابلة)، من المفروض أن يعالجوا 13 مليونا و200 ألف من ساكنة القرى. أرقام بعيدة كل البعد عن أبسط شروط التنمية.

التقينا لبنى المعروفي، مسؤولة عن مصلحة التنسيق والتعاون القطاعي بمديرية السكان بوزارة الصحة، التي بالنسبة إليها “العرض الصحي في العالم القروي عرف تحسنا على مر السنين بالنسبة للمؤسسات الصحية الأولية”.

وأوضحت المعروفي، خلال لقائها مع هسبريس، أن العرض الصحي بالعالم القروي ينقسم إلى شقين؛ عرض بالمؤسسات الصحية، أو العرض الصحي الثابت، وخدمات الصحة المتنقلة.

وبالنسبة للعرض الصحي الثابت، قالت المعروفي إن المراكز الصحية الأولية تنقسم إلى ثلاثة أنواع، هي: المستوصفات القروية، وهي أقرب نقطة إلى الساكنة يكون فيها ممرض يقدم خدمات صحية أولية ويوفر التلقيح ووسائل منع الحمل للنساء ويضمن مراقبة نمو الأطفال، والمراكز الصحية القروية من صنف 1، والمراكز الصحية القروية من صنف 2. وهاتان الأخيرتان تؤديان الخدمات نفسها، إلا أنه بالنسبة للصنف 2، فإنها تضمن خدمات الولادة ومتابعة الحمل وتتوفر على مولدات.

وأكدت المسؤولة عن مصلحة التنسيق والتعاون القطاعي بمديرية السكان بوزارة الصحة أن مجموع هذه الأصناف الثلاثة على الصعيد الوطني، هو 2088، لتغطية ساكنة تقدر بـ 13 مليونا و200 ألف نسمة، من بينها أربعة ملايين يتم توفير الخدمات الصحية لهم عبر النمط المتنقل الذي ينقسم بدوره إلى شقين: الوحدة الطبية المتنقلة، والقوافل الطبية المتخصصة.

وأقرت المعروفي بأن الوزارة تواجه مشاكل في تغطية جميع أصناف العرض الصحي بالعالم القروي بالموارد البشرية الكافية، خصوصا في المناطق القروية المنعزلة، قائلة: “هناك مجموعة من القرى فيها المركز الصحي لكن عمله غير مفعل نظرا لنقص الموارد البشرية، أو فيه ممرض وحيد، أو ممرض وقابلة، ولا يتوفر على طبيب”.

نساء مكلومات

تقارير عدة تدبج عن وضعية المرأة القروية، لكن الواقع أقسى مما يكتب على الأوراق؛ معيش يومي تساهم فيه النساء بشكل واضح، وفي مناطق عديدة يكنَّ هن المسؤولات الوحيدات لضمانه.

خلال رحلتنا، قابلنا نساء عديدات، لكل واحدة منهن قصة مؤلمة، لكنهن راضيات بأوضاعهن، مثابرات في أعمالهن الشاقة، وجلهن يأملن أن يتغير الوضع يوما في وجه فلذات أكبادهن حتى لا يعيشون سيناريو الآباء والأجداد نفسه.

استقبلتنا الزهرة كميلي في بيتها، سيدة في منتصف العمر شاءت الأقدار أن يفارق زوجها الحياة ليترك بذمتها ست بنات وطفل صغير هي الوحيدة المسؤولة عن ضمان عيشهم، تشقى ليلا ونهارا محاولة أن تضمن فقط لقيمات بسيطة تسد جوعهم.

الزهرة قالت لهسبريس: “منذ أن توفي زوجي وأنا الوحيدة المسؤولة عن هؤلاء الأطفال. حمل ثقيل يزداد ثقله يوما عن يوم، فإذا لم أوفر لهم أنا كل شيء، فلا معين لهم”.

بدموع تأبى أن تسقط تتحدث الزهرة عن مآسيها التي تعيشها يوميا، قائلة: “أقوم بكل شيء، بداية من جلب الحطب وصولا إلى جلب الماء وحتى الذهاب إلى السوق الذي يبعد عنا بأربع ساعات ذهابا ومثلها إيابا. وإذا لم أفعل، سيموت أطفالي جوعا وبردا”.

ليست الزهرة وحدها من تحدثت عن واقع قاس، ففاطنة أيضا، أرملة بلا أطفال، روت لهسبريس بعض مآسيها، قائلة إنها أنجبت أكثر من مرة لكن جميع أطفالها توفوا دون أن تعرف السبب؛ سبع مرات جربت خلالها رحلة وهن على وهن، لكن النتيجة كانت دائما هي الموت.

وأضافت: “اليوم أعيش وحيدة رفقة أبناء زوجي المتوفى، حياتنا هنا صعبة، سواء بالنسبة للنساء والرجال، نعاني كثيرا ومن كل شيء.. الطقس والطريق والمدرسة، وحتى المستشفى، فكل هذه المرافق غائبة عنا”.

من الجبال نحط الرحال بتمكروت، ضواحي زاكورة. هنا وضعية مختلفة للمرأة القروية.. نسوة يحاولن التغلب على أوضاعهن ورسم مسار جديد للمرأة القروية. نسوة استطعن التغلب على واقعهن بل وتغيير نظرة ذكورية تقلل من شأن المرأة تعرف بها المنطقة المحافظة، خرجن من بيوتهن إلى سوق العمل وحققن استقلالية أسعدتهن.

التقينا سمية آيت بابا، رئيسة تعاونية مستقبل درعا، التي قالت لهسبريس: “بذلنا مجهودا كبيرا لنتمكن من تغيير نظرة رجال المنطقة إلينا؛ فالمرأة هنا صعب أن تخرج أو تذهب لقضاء أمورها الإدارية لوحدها، فما بالك بأن تشتغل وتؤسس مشروعها الخاص”.

وأضافت آيت بابا والفخر باد على وجهها: “قمنا بتحدي كل الظروف وتغلبنا على كل التخوفات واستطعنا تكوين أنفسنا بأنفسنا وفرضنا شخصيتنا، بل ووفرنا استقلالية مادية وأيضا معنوية”.

الفلاحة والجفاف

لا يمكن الحديث عن العالم القروي دون التطرق للفلاحة؛ أهم مصادر دخل الساكنة القروية، بل والبلاد عامة، بمساحة صالحة للزراعة تبلغ تسعة ملايين هكتار، إلا أن من 83 إلى 85 بالمائة منها أراض بورية، أي تخضع لتقلبات السماء، أما المسقية فلا تتجاوز مليونا و600 ألف هكتار فقط.

انتقلنا إلى منطقة بني علي بضواحي زاكورة؛ منطقة كانت تعرف بإنتاج التمور، بل وكانت مصدرا من مصادر هذا “الذهب الأسود”، لكنها اليوم تعاني جراء توالي سنوات الجفاف، وقد هاجر أكثر من ثلثي سكانها، وفقط 10 بالمائة من المتبقين يستطيعون الحفاظ على زراعتهم.

التقينا فتوحي محمد، فلاح من منطقة بني علي، تحدث بحرقة عن ضياع الأرض والنخل جراء غياب الماء، وحكى لنا وكله أسى عن تغير الحال والأحوال، متأسفا على منطقة كانت تغني ساكنتها بما كانت تجود به من تمور أصبحت منطقة ينهشها الفقر ويحارب من بقي فيها لعدم ضياع ما تبقى من نخل.

قال فتوحي: “فقط 10 بالمائة من سكان المنطقة اليوم يستطيعون أن يحافظوا على زراعتهم نظرا لتوفرهم على موارد مالية لاقتناء الماء الذي شح من هذه الأرض”، مفيدا بأنه “سابقا كانوا جميعهم يجنون التمور ويقومون بفلاحات معيشية تغنيهم عن اللجوء إلى الأسواق، لكن لا شيء اليوم من كل هذا”.

وبحسب فتوحي، فالأوضاع بدأت تتغير منذ حوالي ثماني سنوات، إلا أن شدة الجفاف ازدادت خلال السنتين الأخيرتين، مؤكدا أن جل العائلات قررت الهجرة، بينما من بقوا سافر أبناؤهم وهم يعيشون على ما يبعثونه إليهم من أموال.

وقال: “الجميع هاجر إلى درجة أن هناك منطقة بنواحي مراكش باتت تسمى (دوار صحراوة)، لأن كل قاطنيه من هنا من هذه الصحراء”.

نجيب أقصبي، خبير اقتصادي، عزا الأوضاع السيئة اليوم بالقطاع الفلاحي إلى “السياسات الفلاحية والسياسة المصاحبة لها وهي سياسة الماء”، قائلا ضمن لقاء مع هسبريس إن “الحكومات المتعاقبة تعاملت مع قضية هذا المورد الطبيعي الحيوي وكأننا بلد في شمال أوروبا أو أميركا، فيما السياسة الفلاحية ركزت بإمكانياتها كلها على تشجيع المنتوج الفلاحي الموجه للتصدير ولا يتجاوب مع حاجيات المواطنين ويعمق التبعية الغذائية، في نفس الوقت إنتاج منتوج يستهلك كميات مياه لا تتناسب مع الإمكانيات الموضوعية للبلاد”.

وأضاف قائلا: “إيهامنا بأننا بلد له مؤهلات فلاحية هو تغليط، الواقع أن المغرب به عدم تطابق بين المناطق التي بها التساقطات المطرية، وهي الشمال، لكنها تمتاز بتربة غير جيدة، نزولا إلى الجنوب حيث تقل التساقطات وتتحسن جودة الماء، وبالتالي هذا أمر يؤكد أنه ليس لنا مؤهلات خارقة، ولكن لدينا إمكانيات فلاحية”.

وأشار الخبير المغربي إلى أن “دراسات على مدى قرن تظهر أننا في بلد شبه جاف. تأتي سنوات شبه جافة مرة كل 10 أو 11 سنة، ومنذ الثمانينات نعيشها كل ثلاث أو أربع سنوات، اليوم نعيشها كل سنتين، والجديد اليوم هو التقلبات المناخية”.

هجرة الشباب

جفاف وقلة حيلة يدفعان شباب القرى إلى الهجرة، فباتت دواوير عدة تخلو من فئة الشباب، والطفل ما أن يشتد ساعده حتى يهرع إلى المدينة طلبا للدراسة أو العمل. لا تعيدهم إلى قراهم سوى صلة الرحم مع من تركوهم هناك من آباء وأمهات.

يخلو دوار ازلولن الذي زرناه من فئة الشباب، ظل فيه فقط الشيوخ والأطفال، والأطفال بدورهم ما أن يشتد ساعدهم وتبدأ سنوات شبابهم حتى يغادرون بحثا عن فرص الشغل، ورغبة في تطوير حياتهم وإنقاذ أنفسهم وأهاليهم من فقر مدقع.

الوضع نفسه بدوار بني علي؛ فالشباب هناك قلة قليلة، أغلبهم غادر منذ سنوات طوال، وهو وضع تعيشه معظم القرى المغربية بمختلف ربوع البلاد.
هند فتوحي، باحثة في علم الاجتماع القروي، قالت: “نظرا للتغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، لم تعد الفلاحة تشغل الناس كثيرا”، مضيفة أن “الشباب لا يجدون فرص شغل، وهو ما يضطرهم للرحيل”.

وأشارت فتوحي إلى أن “أغلب هؤلاء الشباب يبحثون عن عمل في مهن وحرف البناء والصباغة وغيرها من المهن المرتبطة بالأشغال العمومية”، معتبرة أن “الهجرة تلعب دورا مهما لأن الشباب يجلب مداخيل للقرية، جزء منها على شكل إعانات للأسر تمكنها من توفير حاجياتها، بالإضافة إلى المدخول الفلاحي والمداخيل الأخرى التي توفرها الأسرة”.

وتفضل فتوحي الحديث عن “حركية الشباب” عوض الهجرة، قائلة إن هؤلاء يحافظون على ارتباط وثيق مع قراهم؛ إذ يعودون إليها بطريقة دورية، ويفكرون في الرجوع بصفة دائمة، قائلة: “لاحظنا مجموعة من الأمثلة، سواء بمنطقة سايس أو درعة، عادوا متى ما توفرت لهم الفرصة ليثبتوا أنفسهم ويؤسسوا مشاريعهم الخاصة بمسقط رأسهم”.

وتابعت: “الشاب حينما يعود تكون له مجموعة من الموارد، سواء المادية أو المعرفية أو الخبرات والعلاقات التي يطورها مع مجموعة من الناس الذين يقدمون له العون”.

واقع صعب مازالت تعيشه قرى عدة بالبلاد، يعزوه مختصون إلى سياسات واختيارات خاطئة، رصدت ميزانية كبرى للنهوض به إلا أن التأثير لم يكن شموليا، ولا تزال سنوات كثيرة تفصل القرى المغربية عن التنمية الحقيقية.

وفي هذا الإطار، تحدث أقصبي عن ضرورة إعادة النظر في السياسات الفلاحية وإمكانياتها “لكي لا يستفيد منها 10 بالمائة فقط من المجال القروي، بل أكبر نسبة ممكنة”، ناهيك عن توصيته بـ”إعادة النظر في سياسة الماء، وأن تكون لها نظرة شمولية”، متسائلا: “هل معقول أن الفلاحين الكبار يؤدون نفس ثمن الماء منذ أكثر من 30 سنة؟”.

وقال أقصبي إنه من الأفضل أن يظل القرويون بقراهم وأن لا يهاجروا، “لكن ليس علينا أن نطلب منهم أن يظلوا في فقر مدقع وأوضاع صعبة، بل يجب أن نوفر لهم كل الإمكانات لكي لا تكون القرية مجالا للموارد بل مجالا للعيش الكريم”.

The post بدون عنوان: تنمية القرية المغربية تضيع بين "استثمار الحجر" وإهمال البشر appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/mtqJQcX

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire