"حجر صغير" في حذاء المغرب

بداية يجب تثمين الصمت الرسمي المغربي عن كل الاستفزازات المتكررة والمستمرة التي يقوم بها النظام الجزائري. درجة البؤس السياسي الذي أصبح يميز خطاب صاحب القرار بالجارة الشرقية تجعل من الصعب استيعاب أن المشاكل بين البلدين يجب حصرها في قضية الصحراء، أو في صراع جيوبوليتيكي حول زعامة المنطقة. نحن أمام أسلوب ابتعد كثيرا عن اللياقة الدبلوماسية التي يجب أن تقنن العلاقات بين الدول حتى في حدها الأدنى.

التشنج المبالغ فيه الذي أصبح اللغة الرسمية للدولة الجزائرية ولوسائل إعلامها ساعة الحديث عن المغرب يدل بالتأكيد على أننا أمام مرحلة صعبة تمر منها الجارة الشرقية، لأنه وكما يقول حكماء الصين: “من يرفع صوته كثيرا ويبدأ بالصراخ فإما أنه مخطئ أو أنه فاقد لأي أهمية”.

لهذا لا أريد هنا أن أتوقف كثيرا عند ما يتفوه به القادة الجزائريون من كلام سريالي حول المغرب، يبدو أقرب إلى “تكوال الحمامات” منه إلى مواقف سياسية يمكن فهمها أولا ثم تحليلها في ما بعد.

المهم أن هذه التصرفات الصبيانية لشيوخ العسكر بالجزائر أفادت في النهاية أطروحة الرباط، التي كانت تحاول دائما إقناع العالم بأن نزاع الصحراء ما هو سوى أداة تستعملها الجارة الشرقية لحسابات جيوبوليتيكية محضة. التهديدات المستمرة بقطع الغاز عن إسبانيا مثلا بسبب مواقفها الأخيرة من النزاع المذكور أكدت لصاحب القرار بمدريد أن النظام الجزائري فقد البوصلة، وأنه بالفعل أصبح “الرجل المريض” بالمنطقة.

إسبانيا، التي طالما لعبت ورقة الغموض في مواقفها حيال قضية الصحراء، لم تكن تغفل أن استمرار الصراع بين جارتيها الجنوبيتين كان يصب في خانة مصالحها؛ وهذا أمر مفهوم في العلاقات الدولية. اللعب على أكثر من حبل للبحث عن توازن يخدم المصالح الإسبانية، الذي استمر لأكثر من 47 سنة، أزف حينما فهمت مدريد أن البوليساريو كورقة جزائرية مضمونة لإلهاء المغرب في قضايا جانبية قد انتهت مدة صلاحيتها.

التحولات العالمية كذلك، وآخرها وباء كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا، غيرت أولويات الدول، كما أثرت في طبيعة التكتلات الدولية، الأمر الذي لا تريد الجزائر فهمه، وبالتالي تلح على استعمال شعارات بالية من باب “الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها”، مختزلة إياه فقط في ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة دون غيرها من بقاع العالم.

هذه الشعارات، التي لم تكن تنطلي على أي كان، ولكنها كانت تفيد بعض الدول في الاستفادة من الصراع بين الدولتين المغاربيتين، لم تعد تعني سوى الذين يتغنون بها دون استيعاب منهم للتغيرات الخطيرة التي طرأت على خريطة العالم، والتي دفعت دولا كثيرة إلى تغيير مواقفها والإعلان بشكل صريح عن أن طرفي النزاع الحقيقيين في الصحراء هما الرباط والجزائر.

في هذه اللعبة أصبح كل شيء واضحا، تفسره بشكل أفضل ردود الفعل المتشنجة للنظام الجزائري. حتى الإعلام الإسباني، الذي لم يكن يوما محابيا للمغرب في قضية الصحراء، تغيرت كثير من مفاهيمه بعدما استدعت الجزائر سفيرها، مرفقة قرارها هذا بتصريحات لمسؤولين غير مسؤولين بالمرة؛ تصرفات أبانت استماتة النظام الجزائري في تمطيط هذا النزاع إلى ما لا نهاية، خدمة لمصالح إقليمية ضيقة.

استمرارية هذا النزاع تستجيب في النهاية لعقيدة الرئيس الجزائري الأسبق الهواري بومدين، التي سكنت وجدان النظام العسكري بالجزائر، إذ وجد في مجموعة من “الثوار” الصحراويين ضالته لوضع “حجرة صغيرة في حذاء المغرب”، كما قال بعظمة لسانه، للدفاع عن مصالح بلاده من “مطامع الجار الغربي التوسعية”.

في لعبة الأمم كل شيء مفهوم، وربما مقبول. دفاع النظام الجزائري عن مصالحه بعقيدة تنتمي إلى سبعينيات القرن الماضي هو اختيار مثل أي اختيار آخر ستثبت الأيام صوابه أم لا. لكن هناك سؤالا لابد من طرحه: كيف مازالت جبهة البوليساريو تقبل الاستمرار في لعب دور الحجر الصغير في حذاء المغرب؟ مجرد حجر صغير.

The post "حجر صغير" في حذاء المغرب appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/dXAaKoV

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire