في استحضار مناقب إبراهيم بوطالب‬ .. نضال علمي للعميد "نجل الشهيد"

بمناسبة الذكرى الأربعينية لرحيل عميد المؤرخين المغاربة، يستحضر الطيب بياض، أستاذ التاريخ الاقتصادي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق بالدار البيضاء، جوانب من مسيرة هرم علمي بصم الكتابة التاريخية في المغرب ببصمته الخاصة، الأستاذ العميد إبراهيم بوطالب، الذي حاز قصب السبق والريادة في تكوينه كمؤرخ وفي محطات مختلفة من مسيرته العلمية والمهنية، وأسهم في بناء وطنه من موقع النضال العلمي الجاد والمسؤول، فترك بعد رحيله إرثا مكتوبا زاخرا وخلفا من الأجيال وافرا..

هذا نص المقال:

أربعينية عميد المؤرخين المغاربة

سي إبراهيم بوطالب حمل المشعل وترك الرسالة

رحل الأستاذ، هكذا بدأ الخبر يتسرب بين المؤرخين والباحثين المغاربة، عشية يوم الثلاثاء الفاتح من شهر مارس 2022. لم يسألوا عن اسم الأستاذ في خبر الرحيل إلى دار البقاء، بل سألوا بهواجس صنعتهم لتحقيق الخبر في زمن الأخبار الزائفة. فداخل “حنطتهم” وخلال مواسم لقاءاتهم السنوية في إطار الجمعية المغربية للبحث التاريخي، كانت كلمة الأستاذ كلما وردت منفردة ترمز إلى شخص واحد لا ينازعه فيها أحد، رغم أنهم عمليا ومهنيا يحملون جميعا هذه الصفة، إنه أستاذهم جميعا السي إبراهيم بوطالب.

العميد نجل الشهيد

رأى السي إبراهيم بوطالب النور بمدينة فاس يوم 31 دجنبر 1937، حيث زخم الحركة الوطنية، وأجواء ما بعد إقدام المقيم العام نوكيس على التنكيل بالوطنيين المغاربة. فتفحت عيناه على واقع مفعم بالنضال، ولما بلغ سن السابعة من العمر كان على موعد مع اليُتم، إثر استشهاد والده عبد العزيز بوطالب أثناء إحدى المظاهرات المطالبة بالاستقلال مطلع سنة 1944. بث الشهيد سره لنجله، وطوقه برسالته مبكرا، فخرج لمُعاركة الحياة برهانات خاصة، إذ يكشف عن أثر هذه الحادثة في مساره، وخاصة في اختياره لمادة التاريخ كتخصص بالقول: “فهذه الحادثة كان لها بالغ الأثر على تكويني وعلى توجيهي فيما بعد؛ ذلك أن فقدان الأب كان بمثابة هزة نفسية وبمثابة حرمان جعلني أتمسك بالوطنية وحب الوطن، وأجعل من حب الوطن شيئا يعوضني عن تلك العاطفة التي انتزعت مني انتزاعا في سن مبكر. كان سني لا يتجاوز السابعة من عمري، وكان هذا الحادث بمثابة إدراك مبكر لمعنى الوطنية، ومعنى القومية ومكافحة الاستعمار، وعشت العقد الأخير من الاستعمار، من 1944 إلى 1954 أو 1955، بوعي وأتذكر منه الشادة والفادة. فقد كانت الأسرة وكنت شخصيا على بينة واضحة مما كان يجري بالرغم من حداثة السن، وهذا ولا شك كان له تأثير قوي على الاهتمام بشؤون السياسة، والاهتمام بشؤون الاجتماع، والاهتمام بالصراعات، وكان له تأثير في اختياري لمادة التاريخ”. وكأني به يذكرنا بمقولة جد معبرة للمؤرخ الفرنسي بيار شونيه، وهو ابن منطقة اللورين التي فقدت عددا مهما من جيل أجداده في حرب 1870 مع ألمانيا، وعددا أهم وأكبر من جيل آبائه في الحرب العالمية الأولى، وعاش هو نفسه على المستوى الشخصي يُتما مبكرا إثر وفاة والدته وهو في المهد صبيا، فتسربت المنية إلى وجدانه وصارت محددة في اختياراته، يقول بيار شونيه في هذا الصدد: “أنا مؤرخ لأنني ابن الموتى ولغز الزمن يطاردني منذ الطفولة”.

زف الابن أباه شهيدا، وراح يناضل من موقعه ضد الجهل، فأتم بنجاح مختلف أطوار مساره الدراسي إلى أن حاز شهادة الباكالوريا. لينخرط بعد ذلك في مسار الجهاد الأكبر، بتوجهه لنيل التكوين الأكاديمي الرصين في إحدى أعرق الجامعات الدولية، فأحرز سنة 1962 دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، من جامعة السوربون في موضوع “العلاقات التجارية بين المغرب وفرنسا في القرن الثامن عشر”. قبل أن يحصل على تكوين في المدرسة العليا للأساتذة بباريس، التي تخرج منها سنة 1964.

بعد مرحلة التكوين والتحصيل في الخارج، حلت فترة الإسهام في بذر بذور الغلال وخلق المشاتل واستنبات الخلف بأرض الوطن، إذ التحق السي إبراهيم بوطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ليشغل منصب أستاذ للتاريخ المعاصر ابتداء من سنة 1964، حيث أسهم في التكوين والتأطير بهاجس تكوين الخلف تكوينا متينا وفق قواعد ومناهج التدريس الجامعي العصري.

سنتين بعد ذلك، أي في عام 1966، عُيّن مديرا للمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، حيث البيئة الحاضنة لتكوين من سيُعهد إليهم بتنشئة الطفولة المغربية وفق ضوابط ومناهج خاصة، دون أن يتخلى عن محاضراته الجامعية بالكلية، حيث يُدرِّس لطلبته مادة “حضارة أمريكا اللاتينية في عهد الأنكا والأزتيك”. وهي الكلية نفسها التي عين فيها عميدا سنة 1969، في فترة عصيبة، لم تحل دون سعيه إلى الإسهام في تطوير أداء الجامعة المغربية، أضفى خلالها بصمته الإدراية الخاصة قبل أن يعود إلى المدرج سنة 1972، لاستكمال مهامه التعليمية والتأطيرية.

فن الأستاذية وصناعة الخلف

بعد أن تناهى إلى علمي وفاة أستاذنا السي إبراهيم بوطالب، بادرت إسوة بزملاء آخرين إلى تبادل التعازي بيننا، فالمصاب جلل والفقيد له مكانة ورمزية خاصة؛ بل راسلت بعضهم طالبا شهادة من وحي اللحظة في حق الفقيد، خاصة ممن علمت بقربهم الشديد منه واشتغالهم إلى جانبه في أوراش ومشاريع وإطارات علمية مختلفة.

كان محمد حبيدة أحد هؤلاء، وهو الذي سبق له أن جلس منه مجلس الدرس، قبل أن يشتغل معه في تجربة مجلة هيسبريس تمودا “ليس لدي ما أقوله.. أذكره في بداية الثمانينيات لما كان يدرس مادة الشرق العربي.. كان أستاذا خطيبا بليغا يشد انتباه الجميع.. وعرفته في التسعينيات رئيسا لجمعية المؤرخين فاتحا الباب للجميع بابتسامته وعذوبة لسانه.. وتعرفت عليه أكثر في هيئة تحرير مجلة هيسبريس بين عامي 2010 و2014 متتبعا لجميع الإصدارات ومرحبا بمراجعاتها البيبليوغرافية وقارئا متأنيا لجميع ما يقترح على المجلة بالعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية.. كان بروفيسورا.. رحمه الله وخفف عنه ثقل التراب”…

لعل كلمة بروفيسور في قاموس محمد حبيدة تعني الشيء الكثير، إذ تختزل مختلف معاني ودلالات فن الأستاذية، تدريسا وتوجيها وتأطيرا وبوصلة للمستقبل بهموم الصنعة ومسؤولية المؤرخ ورهان الخلف. “السي إبراهيم بوطالب “أستاذ الأجيال” ليست صورة بلاغية، بل هي أكثر من ذلك صفة يستحقها الرجل عن جدارة. كرس نفسه للتأطير والتدريس، وساهم في تكوين أجيال من المؤرخين. ما من أطروحة في حقل التاريخ منذ أن شرعت الجامعة المغربية في مناقشة الرسائل والأطاريح الجامعية إلا وكان السي إبراهيم عضوا في مناقشتها أو مرجعا من مراجعها أو مسهما في توجيه صاحبها. وما من طالب كان يهم بتسجيل أطروحة في التاريخ إلا ولجأ إلى السي إبراهيم ليرشده ويوجهه، حتى إنه يمكن القول إنه ساهم إلى حد بعيد في رسم معالم خريطة البحث التاريخي في المغرب”. هكذا تحدث عنه عبد الرحيم بنحادة، العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الذي خبره عن قرب في محطات وواجهات مختلفة.

كانت الجمعية المغربية للبحث التاريخي إحدى هاته الواجهات التي استثمرها السي إبراهيم بوطالب في ترجمة ما يحمله من آمال وتطلعات رافقته منذ فترة الصبا، إذ جعلها أكثر انفتاحا على الباحثين في حقل التاريخ بالمغرب، في خدمة التواصل المنتج بينهم بمختلف المدن والمواقع الجامعية، من منطلق الوعي أن غايتها القصوى الأساسية، كما عبر عن ذلك في أحد حواراته، هي “العمل على تدعيم أسباب البحث التاريخي وأسباب التواصل بين المؤرخين وتدعيم ذلك بشتى الوسائل (…) شُغل الجمعية هو البحث التاريخي وصناعة التاريخ، يعني الاشتغال بصناعة التاريخ وتقويتها في المغرب انطلاقا من رصد المقومات أو الممكنات الآنية وإصلاح ما يجب إصلاحه ودعم ما يجب دعمه. والخطو خطوة أخرى إلى الأمام في هذا الباب، مما لا شك فيه أن المثقف الحقيقي هو الذي يتوقف عند صناعة لحظة ويفكر في تلك الصناعة وفي جوانبها وفي أصولها”. أرادها إذن جمعية عالمة لكن منفتحة ومحتضنة لمختلف الطاقات الشابة والواعدة، وبروح العدالة المجالية في هذا الباب، وهو القائل يومها، أي قبل ثلاثين سنة: “إننا مازلنا في بداية الانطلاق وأنه لا بد من ربط وسائل الاتصال عبر المغرب كله”. لذلك، لم يكن مستغربا أن تكون الصورة الأكثر تداولا بين المؤرخين المغاربة بعد سماعهم خبر وفاة أستاذهم السي إبراهيم بوطالب تلك التي يتوسطهم فيها على هامش إحدى المحطات التي كان يحلو له تسميتها بـ “المُوسم”، أي الأيام الوطنية للجمعية المغربية للبحث التاريخي بالجديدة قبل عشرين سنة، في إطار موعد سنوي دأبوا على استثماره لتجديد الوصال بينهم علميا وإنسانيا.

إلى جانب الجمعية المغربية للبحث التاريخي، فتح السي إبراهيم بوطالب بروح مواطنة عالية وحرص علمي شديد الباب أمام المؤرخين المغاربة للنشر من داخل الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، وخاصة من خلال الموسوعة المغربية الموسومة بـ”معلمة المغرب”؛ وهو المنحى نفسه الذي كرسه داخل مجلة هيسبريس تمودا عندما تولى الإشراف عليها مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، فتحلق حوله عدد كبير من الباحثين المخضرمين والشباب، قادهم بكاريزما أنيقة نحو معانقة مشاريع علمية ودروب بحثية طموحة وواعدة، خلفت تراكما مثمرا في مجال البحث التاريخي وصناعة التاريخ بالمغرب.

مدرسة في النضال العلمي

خاض السي إبراهيم بوطالب غمار النضال السياسي. عاش تجربة برلمانية، فاكتفى بولاية واحدة ورفض الترشح لتجديدها، وانتهى بشأنها إلى القول: “دخلت التجربة، وأنا على يقين أنني لن أنتخب، ثم تم انتخابي، فاستفدت من فترة الترشيح، ومن الحملة الانتخابية فوائد لن أنساها (…) واستفدت من التجربة نفسها لقرب مادة التاريخ من السياسة، وللجوار بينهما. فلما مررت بمجلس النواب لمست السياسة عن كثب، فكنت كأنني نوعا ما في أشغال تطبيقية، لا سيما أنني أختص بالتاريخ المعاصر، وتعلمت أكثر من هذا، وفهمت في البرلمان أن وتيرة التاريخ وتيرة بطيئة، حتى وإن عاصرت بعض العواصف أو بدأت الأمور تسير بسرعة فائقة، يعني أن وتيرة التاريخ وتيرة متريثة مبنية على ترك الزمان يعمل عمله، وهذا مكنني من استيعاب عدد من المسائل التاريخية ومن إدراكها وفهمها”. لذلك، كان طبيعيا أن نجده لاحقا عضوا فاعلا في هيئة الإنصاف والمصالحة، مرجعا داخلها في موضوع الذاكرة والتاريخ، مؤطرا للعديد من اللقاءات المهتمة بتنزيل توصياتها.

إلى جانب الفعل السياسي من موقع الانتماء إلى حقل التاريخ، انضم السي إبراهيم بوطالب إلى اتحاد كتاب المغرب منذ سنة 1976، وهو المؤرخ المولع بالأدب، الذي كان يردد في أكثر من محفل مقولة: “إذا صلُح الوعاء صلُح ما فيه، ووعاء الفكر هو لغته”.

ارتبط النضال لديه بمفهوم نبيل محمول على بساط المواطنة الصادقة وتعدد الأبعاد، فحرص على تكريس مسيرته العلمية لتحقيق هذا الفهم، من منطلق الوعي بمسؤوليات المؤرخ، خاصة إن كان صاحب سبق وريادة يعي دلالة ورمزية حمل المشعل. كتب عبد الرحيم بنحادة في شهادته “إبراهيم بوطالب أستاذ الأجيال”، متحدثا عن أستاذه: “إبراهيم بوطالب أول مؤرخ في المغرب المستقل، هذا واقع. في بداية الاستقلال توجه إبراهيم بوطالب إلى فرنسا من أجل متابعة الدراسة الجامعية، اختار التاريخ عن قناعة وهو ابن الوطني والشهيد عبد العزيز بوطالب. وفي الوقت الذي كان فيه الشباب من المغارب يفضلون الالتحاق بشعبة الحضارة العربية الإسلامية بسبب إجبارية اللغة اللاتينية، اختار إبراهيم بوطالب المسلك الصعب. اختار التاريخ واستطاع بفضل مثابرته الحصول على دكتوراه السلك الثالث في التاريخ. ناقش أطروحته في موضوع العلاقات التجارية بين فرنسا والمغرب في القرن الثامن عشر. وعاد إلى المغرب ليُعلَن أول مؤرخ تخرج في قسم التاريخ في المغرب المستقل، وكل أقرانه وزملائه آنذاك في الشعبة أتوا إلى التاريخ من آفاق أخرى”.

من منطلق هذا الوعي عمل، عندما تولى مسؤولية إدارة المدرسة العليا للأساتذة بالرباط أواسط ستينيات القرن الماضي، على تحقيق سبق آخر يتجلى في محاولة تدريس الأمازيغية في تجربة يقول عنها إنها كانت منبعثة من قناعة علمية واضحة: “لأنه في التاريخ والجغرافيا لا يمكن دراسة ماضي المغرب بدون الإلمام بهذا الرصيد، وبهذا الصنف الآخر من شخصيتنا، فطلبت أن تقام فعلا دروس في الأمازيغية، وأقيمت بعض الدروس، وحصل إقبال في البداية عليها، وكنت من بين الطلبة؛ ولكن بعد مضي ثلاثة أو أربعة أسابيع بقيت أنا والأستاذ، وكنت مدير المدرسة فلم أسمح لنفسي بأن أجعل أستاذا خاصا بي، فأوقفنا التجربة”.

في نضاله العلمي، ظل الأستاذ إبراهيم بوطالب حاملا لمشروع وطني مؤطر بسؤال الإصلاح، من منطلق نقدي “للإصلاحات” المفروضة من الخارج، وحاجة الذات إلى ابتكار إصلاحها وفق شروطها وخصوصيتها، إذ كتب في هذا الشأن: “أعتقد شخصيا أن الذي جرى بمغربنا في القرن التاسع عشر من محاكاة بعض التقنيات الأوروبية لم يشكل إصلاحا بأي شكل من الأشكال، وإن تلك المحاولات كانت من أعمال التناور الاستعماري والإمبريالي على مجتمعاتنا لفعفعة الأوضاع بداخله (…) إذ كان الأوروبيون يسعون جادين إلى فعفعة الأوضاع الموروثة بأوطاننا ليمسكوا بزمام الحكومات والإمارات القائمة وينزلوا كما ينزل المظليون الطيارون اليوم إلى قلب مجتمعاتنا من رؤوسها أو سطوحها، وهو ما جرى على المغرب سنة 1912 بما يكاد يشبه الإخراج السينمائي أو التخطيط الهندسي، بخطوات رتيبة منتظمة متسلسلة منطقية يتعجب لها المؤرخ. والواقع أن علة هذا التفوق الباهر كانت ناجمة من ثقل الثورة الصناعية وما وفرته لديهم من الأدوات العقلانية والمادية والعسكرية”.

هذا التعاطي النقدي مع الموضوع جعله ينتهي إلى خلاصة مهمة في تعريفه للتجربة الاستعمارية بالقول: “الاستعمار في نهاية المطاف عبارة عن مقاولة. كنت أقول لطلبتي أيام التدريس “الحماية مقاولة فرنسية تحوي في طياتها شركات وأطرافا عديدة، بما فيها الحكومة أيضاً”. وهناك كتاب لجاك مارساي ينفي من خلاله أن تكون فرنسا قد استفادت من المستعمرات على المستوى المالي، وهي أطروحة لا تستوي على سوقها (أي قدميها)، وقد رد عليه بشكل غير مباشر الرئيس الأسبق لفرنسا جاك شيراك”…

تملك الأستاذ إبراهيم بوطالب أدوات التحليل العلمي واكتسب مهارات الفكر النقدي، فكانت بوصلته واضحة. لذلك، ظل مرابطا في قلعة نضاله العلمي حتى وهو يتقدم في العمر ويصل مرحلة التقاعد الإداري. شد الرحال، مع نهاية الألفية الثانية، إلى مدينة أكادير ليحقق سبقا آخر في مجال تاريخ الزمن الراهن بدرس افتتاحي عنونه بـ”معالم التغيير في تاريخ المغرب في القرن العشرين”، دون أن يمنعه ذلك من الاستمرار في ورش التأطير الممتد لعقود لفائدة أجيال متعاقبة، حيث حضر إلى فاس مطلع الألفية الثالثة ليترأس لجنة مناقشة أطروحتي لنيل الدكتوراه، فكانت الصرامة العلمية مصحوبة بشهامة الكبار، من منطلق الاحتضان حيث مهارة الأستاذ تتكامل مع نبل الإنسان.

حمل السي إبراهيم بوطالب مشعل صناعة التاريخ في المغرب، فتح دروبا بحثية وأشرف على أوراش علمية، حيث حاز السبق ونال الريادة وخلف أثرا دسما وثمينا في شكل أربعة مجلدات تستحق منا إعادة القراءة والتأمل واستهلام الدروس، سواء في مجال كتابة التاريخ الاقتصادي أو تاريخ الزمن الراهن أو التاريخ المعاصر، أو غيرها من المواضيع. هي رسالته وأمانته وربما وصيته التي لم يكتبها ليتلقف الخلف مشعل السلف، خاصة أنه كان سباقا إلى التجديد والتفكيك وإعادة البناء. لذلك، سيبقى مشروعه حيا ملهما للأجيال المقبلة، حتى وإن فاضت الروح المبدعة الطاهرة وانتقل الأستاذ إلى دار البقاء.

The post في استحضار مناقب إبراهيم بوطالب‬ .. نضال علمي للعميد "نجل الشهيد" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/ASW4DMc

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire