قراءة في مشروع قانون الدفع بعدم الدستورية

بعد ما يقرب الأربع سنوات على قرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 م.د المتعلق بمشروع القانون التنظيمي 86.15، المحدد لشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، والذي اعتبرت فيه المحكمة الدستورية بأن مجموعة من المواد لا تطابق الدستور، ظل هذا المشروع طي النسيان، إلى أن عاد للغرفة الأولى بالبرلمان المغربي، وقد وضع بتاريخ الأربعاء 16 فبراير 2022، ليحال بعد ذلك على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في 18 فبراير 2022.

ويجدر التنويه إلى التأخر الحاصل في صيرورة تشريع هذا القانون التنظيمي إن على مستوى المشروع القديم أو التفاعل وتحيين المشروع وفق ما جاء في قرار المحكمة الدستورية. وفي تفاصيل مشروع القانون التنظيمي في صيغته المحينة، يظهر من الوهلة الأولى على مستوى جغرافية النص التشابه الحاصل بين المشروعين، إذ احتفظ النص بنفس عدد الأبواب وهي خمسة، إلا أن الفرق تجلى في عدد المواد ففي المشروع القديم بلغ عددها 27 أما الحالي فيضم 28 مادة.

في مادته الأولى والتي تفيد أنه وتطبيقا لمقتضيات الفصل 133 من الدستور، يحدد مشروع القانون التنظيمي 86.15 شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، يراد تطبيقه في دعوى معروضة على المحكمة، ليدفع أحد أطرافها أنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، ليكون تحديد إجراء الدفع بعد دستورية قانون يهم القوانين السارية المفعول والتي تمس الحقوق والحريات والتي يكفلها الدستور. والملاحظ هنا أن المشرع قد ضييق هامش مشمولات الدفع لتهم القوانين فقط، في حين أن بعض التجارب تعرف الدفع بعدم الدستورية حتى في القرارات الإدارية. علما أن المشروع وفي باق مواده يتحدث عن مقتضى تشريعي، ما يترك لبس حول المقصود بالمقتضى التشريعي وما هي مشمولاته؟

وأما المادة الثانية فقد شكلت استثناء شد عن القاعدة التي دأب المشرّع عليها؛ وهي تجنب التعريفات، إذ رام تعريف ثلاث عبارات وهي: القانون الذي يدفع أحد أطراف الدعوى بأنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور؛ أطراف الدعوى؛ دفع أحد الأطراف بعدم دستورية قانون.

لقد تفاعلت المحكمة الدستورية مع هذا المقتضى في مشروع القانون التنظيمي القديم، حيث أفادت بأن إقصاء المادة الثانية للنيابة العامة من لائحة أطراف الدعوى غير مطابق للدستور، حيث إن الفقرة الأولى من الفصل 133 من الدستور، جعلت الدفع بعدم الدستورية حقا مخولا للأطراف بصيغة العموم، لتعبر المحكمة الدستورية عن رأيها في الأمر وتفيد بأن تحديد المقصود بأطراف الدعوى، وجب أن يراعي الرجوع إلى المسطرة المدنية والجنائية، وإلى نصوص خاصة، والتي تجعل من المحكمة الدستورية إلى جانب أطراف أخرى تتوفر على شرطي الصفة والمصلحة، إما طرفا رئيسيا أو مضمنا، وهو ما راك مشروع القانون الجديد التفاعل معه من خلال جعل النيابة العامة طرفا، ليكون هناك تمييز بين قضاة الأحكام المخول لهم إصدار الأحكام والذين لا يحق لهم إثارة الدفع بعدم دستورية مقتضى تشريعي، حيث إن مشروع القانون التنظيمي لا يخول للمحكمة إثارة الدفع من تلقاء نفسها، ويحق لقضاة النيابة العامة ذلك باعتبارهم أحد اطراف الدعوى وليسوا قضاة أحكام.

وقد مكن مشروع القانون التنظيمي من إثارة الدفع بعدم دستورية مقتضى تشريعي أمام المحكمة الدستورية مباشرة في حالة الطعون الانتخابية؛ التي تدخل في صلب الاختصاصات الحصرية للمحكمة الدستورية، كما يمكن إثارة الدفع لأول مرة أمام مختلف محاكم المملكة باختلاف درجات التقاضي وأمام محكمة النقض، غير أن نفس الدفع لا يمكن أن يثار أمام نفس المحكمة بعدما بتت فيه، كما لا يمكن أن يثار الدفع قبب أن تصبح القضية المعروضة جاهزة للحكم، ولا يثار الدفع تلقائيا من لدن المحكمة.

فيما يلي شروط وإجرءات الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم وأمام المحكمة الدستورية وآثاره:

شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحاكم

يثار الدفع بعدم دستورية مقتضى تشريعي بواسطة مذكرة كتابية وتحت طائلة عدم القبول، حيث حددت المادة 5 مجموعة من الشروط، غير أن الذي يسترعي الانتباه هو حديث المادة 1 من المشروع عن الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، أما المادة 5 فتتحدث عن المقتضى التشريعي، ما يطرح سؤال المقصود بالمقتضى التشريعي، وهل يمكن اعتبار القرارات الإدارية تدخل في مجال المقتضيات التشريعية؟

بعد توصل المحكمة بالدفع حدد لها المشروع 12 يوما لكي تبت في الموضوع، ويمكن للمحكمة أن تنذر مثير الدفع بتصحيح المسطرة دخل أجل 4 أيام، ومن ثم تقرر المحمكة قبول الإحالة أو رفضها؛ وفي حالة قبول مذكرة الدفع عليها إحالة المذكرة للمحكمة الدستورية في أجل أقصاه 8 أيام من تاريخ صدور المقرر بقبول مذكرة الدفع؛ وفي حالة عدم قبول مذكرة الدفع – وذلك إذا تبين للمحكمة عدم استيفاء مذكرة الدفع للشروط الواجبة – فإنها تبلغ مقررها للقاضي، ويبلغ فورا للأطراف. يكون المقرر معللا وغير قابل للطعن، لكن يمكن للأطراف إثارة الدفع أمام المحاكم الأعلى درجة.

يترتب عن إثارة الدفع أمام المحكمة توقف البث في الدعوى والآجال المرتبطة به ابتداء من تاريخ تقديم الدفوع، تورد على هذا المقتضى مجموعة من الاستثاناءات حددتها المادة من 8 من المشروع.

تواصل المحكمة البث في الدعوى بعد صدور مقررها، الا أنه يشترط عند عزمها مواصلة البث في الدعوى إشعار الأطراف، وإن كان مشروع القانون لم يحدد شكليات ممارسة هذا الإشعار، أو حتى ما الذي يمكن القيام به في حالة تعذر إشعار أحد الأطراف.

قد يتنازل المدعي عن دعواه وفي حالة ما إذا كان هو مثير الدفع فإن المحكمة تشهد على التنازل مع مراعاة أحكام المادة 121 من قانون المسطرة المدنية، ويحال الدفع على المحكمة الدستورية، في حين لا يمكن التنازل عن الدفع بعدم الدستوية بعد صدور مقرر المحكمة بقبول مذكرة الدفع وإحالة الدفع على المحكمة الدستورية.

شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية

يجوز تقديم الدفع بعدم دستورية قانون مباشرة أمام المحكمة الدستورية بمناسبة البت في منازعة متعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، ويكون الدفع عن طريق مذكرة كتابية تراعى فيها المواد 1 و2 و4 و5 و6 من مشروع القانون التنظيمي 86.15، يشترط في المذكرة أن ترفق بنسخ مساوية لعدد الأطراف وكذا بجميع الوثائق والمستندات التي يرغب صاحب الدفع بالإدلاء، الذي يمكن أن نبديه هنا هو ترك المشرع المجال أمام صاحب الدفع للإدلاء بما من شأنه أن يعزز موقفه، وبهذا يكون مشروع القانون التنظيمي الجديد قد استجاب لما جاء في قرار المحكمة الدستورية 18/70 م.د، حيث أن المشروع القديم لم يتضمن أي مقتضى يخص الشكل الذي يتخذه الدفع. وشأنه شأن الدفع أمام المحاكم، يترتب عن تقديم الدفع المتعلق بانتخاب أعضاء البرلمان إيقاف البت في المنازعة.

البت في الدفع بعدم الدستورية

بعد توصل المحكمة الدستورية بالدفع، تحدث هيئة أو هيئات من بين أعضاء المحكمة الدستورية، لا يقل عدد أعضاء الهيئة الواحدة عن ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس، يعينون من طرف رئيس المحكمة الدستورية، تتجسد مهمة الهيئة بالبت في جدية الدفع التي توصلت به من طرف المحاكم وكذا التي أثيرت أمامها، تعرف هذه العملية بالتصفية، غير أنه وبالرجوع لعدد أعضاء المحكمة الدستورية (12 عضوا) يجعلنا نسائل قدرة هذه الهيئات على ممارسة التصفية نظرا لحجم الدفوع التي نتوقع أن تتقاطر على المحكمة الدستورية، ففي التجارب المقارنة نجد أن قضايا الدفع بعدم الدستورية تكون بالآلاف أمام أنظار المحكمة الدستوية (التجربة الإسبانية مثلا)، علما أن مشروع القانون التنظيمي قد حدد للمحكمة الدستورية أجل 15 يوم للبت، وإن تجاوزت الأجال المنصوص عليها يعرض الدفع تلقائيا على أنظار المحكمة الدستورية، ما يهدد بمرور مجموعة من الدفوع دون تصفيتها.

حسب مشروع القانون التنظيمي القديم كان نظام التصفية أمام المحكمة ثنائي يبتدئ أمام محاكم أول وثاني درجة، وفي حالة قبوله يمر أمام هئية محدثة بمحكمة النقض للبث في جديته لتصدر قرار معلالا، إما برد الدفع أو إحالته إلى المحكمة الدستورية، أما في حالة كان الدفع أمام محكمة النقض فنكون أمام نظام تصفية من مرحلة واحدة. لكن هذا النظام وصفه قرار المحكمة الدستورية بأنه يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، غير أن محاولة المشرع لتجاوز هذا الاختلال عبر خلق هيئات من بين أعضاء المحكمة الدستورية، قد يضعها أمام صعوبة معالجة الحالات التي قد تكون كثيرة؛ فلو سلمنا مثلا بأن عدد أعضاء الهيئة الوحدة هو أربعة، فستضم المحكمة الدستورية فقط ثلاث هيئات، ما يساءل القدرة على التعامل مع الدفوع في أجال بت حددت في 15 يوما.

في حالة إتخاذ الهيئة قراراها بقبول الدفع، فهي تبلغه للمحكمة التي أتير الدفع أمامها، وتحيله فورا على للمحكمة الدستورية، التي بدوها تبلغ رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وإلى الأطراف، ويحق لهم الإدلاء بمذكرات كتابية تتضمن ملاحظاتهم حول موضوع الدفع داخل أجل تحدده المحكمة الدستورية. لقد فتح المشروع باب الاستثناء لرئيس المحكمة الدستورية ولأسباب معقولة وبما لا يتعارض مع مقتضيات المادة 22 التي حددت أن أجل البث في هو 60 يوم ابتداء من تاريخ إحالة الدفع على المحكمة الدستورية. وبعد إنقضائه، يحدد رئيس المحكمة الدستورية تاريخ الجلسة، ويُشعر رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان والأطراف قبل 10 أيام، تكون الجلسة علنية، ما عدا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك لاعتبارات تتعلق بالنظام العام، هذا المقتضى الذي يتطابق في شقه الأول المتعلق بعلنية مع ما جاء في مشروع القانون التنظيمي القديم، غير أن الإختلاف تجلى في إقرار سرية الجلسات الذي تقرره المحكمة حسب المشروع القديم طبقا لنظامها داخلي، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية غير مطابق للدستور، حيث إن الفصل 132 من الدستور ينص على أن تكون الجلسات علينة ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك، أي أن تحديد سرية الجلسات من اختصاص المشرع حسب الحالة، وفق قانون تنظيمي أو قانون.
يمكن للمحكمة الدستورية بصفة تلقائية أو بطلب من أحد الأطراف ضم الدفع بعدم الدستورية المتعلق بنفس المقتضى التشريعي أو بمقتضى تشريعي مرتبط به.

آثار القرار الصادر عن المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية مقتضى تشريعي

لقرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي آثار تتمثل في نسخه ابتداء من تاريخ تحدده المحكمة الدستورية في قرارها، ويراعى في ذلك أحكام الفصل 134 من الدستور، يبلغ القرار في أجل 8 أيام إلى المحكمة التي أتير الدفع أمامها وتبلغه هذه الأخيرة للأطراف، ويبلغ القرار فورا للملك ورئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، وينشر القرار بالجريدة الرسيمة والموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية.

ونحن على أبواب ختم فصول هذه القراءة لمشروع القانون التنظيمي 86.15، من المفيد التذكير بأن هذا الأخير مكّن من تبادل المذكرات والوثائق المدلى بها بمناسبة الدفع بعدم دستورية قانون، وإيداعها وتبليغها بطريقة إلكترونية سواء كانت معدة على حامل ورقي أو إلكتروني، كما يمكن أن تحل الإشعارات والوصولات الإلكترونية والمستخرجة وفق الأنظمة القانونية محل المعدة ورقية، هذه المقتضيات التي تعزز مسار التحول نحو الرقمنة.
لقد ربط المشرع دخول هذا القانون التنظيمي حيز التطبيق (بعد استنفاد مراحله في المؤسسة التشريعية) إنصرام أجل سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، قد يفهم من هذا الأجل منح متسع زمني لمن لهم علاقة بهذا القانون قصد القيام بالتعديلات اللازمة والتهيئ للاشتغال به، غير أن سنة هي مدة جد طويلة، هذا إذا ما افترضنا إقراره في أقرب الأجال الممكنة.

إن مشروع القانون التنظيمي هذا حبل به دستور 2011 ما يقرب 11 سنة ولم يولد بعد، لا زال في مخاض قد يوصف بالعسير، ولحدود كتابة هذه الأسطر فهو لا يزال في ردهات الغرفة الأولى، هي وضعية ساهمت وتساهم في تأخير وتعطيل ولوج الأفراد لحقهم في العدالة الدستورية وتطهير المنظومة القانونية التي تنتمي في جلها إلى حقبة ما قبل دستور 2011.

(*) باحث في القانون الدستوري

The post قراءة في مشروع قانون الدفع بعدم الدستورية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/MoZXuvO

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire