الإفطار العلني في رمضان .. جدل حول "الحريات الفردية" يتجدد كل سنة

نقاش متجدد بين معارضي تجريم الإفطار العلني في رمضان وبين مؤيدي تدخل الدولة لزجرهم على اعتبار أن الفعل يعد خروجا عن دين وأعراف مجتمع طالما نظر إلى الدين كرافد من روافده الرئيسية التي تشكل فسيفساءه.

وعلى الرغم من ارتباط الصوم بأركان وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فإن العشرات يقبلون على الإفطار سرا وعلانية، ويعرف هذا التوجه بالمغرب رواجا كبيرا وسط أفراد المجتمع.

ولئن كان صيام رمضان ركنا مهما من أركان الدين الإسلامي فإن ركن الصلاة أولى، فلماذا يقدس المغاربة الصيام وينكرون على من يفطر في رمضان ولا نجد الإنكار نفسه على تارك الصلاة؟

انتقائية في التجريم والعقاب

خصص دستور 2011 بابا كاملا للحريات والحقوق الأساسية، ويلتزم المغرب من خلاله بسمو المواثيق الدولية على القوانين الداخلية؛ إلا أن المجاهرين بالإفطار العلني تتم متابعتهم بمقتضيات الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي؛ وهو ما يجعل الموضوع محط نقاش قانوني.

بالرجوع إلى علاقة القانون الجنائي بأحكام الدين، يتبين أن الأول لا يتدخل إلا للحفاظ على المصالح المشتركة وأمن واستقرار المجتمع، كما أن القانون الجنائي لا يعاقب على مخالفة أحكام الدين، كما أن هذه الأخيرة لا تؤثر على قواعده، وتأثيرها يظهر بشكل ضئيل في التشريع الجنائي المغربي الذي يضمن حرية العقيدة وإقامة الشعائر الدينية.

ويرفع مؤيدو الإفطار العلني في رمضان شعارات الحرية الشخصية وحرية والمعتقد للمطالبة بإسقاط الفصل 222 من القانون الجنائي، الذي “يعاقب كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية من اثني عشر إلى 120 درهما”، على اعتبار أن ذلك يعتبر مسا بالشعور الديني للمجتمع.

نقاش حقوقي

أحمد درداري، أستاذ جامعي بكلية العلوم الاجتماعية والقانونية بمرتيل، أوضح أن الإفطار العلني مجرم قانونا وغير مسموح بهذا الفعل أخلاقيا على اعتبار أنه يمس مشاعر العامة. أما إذا كان غير معلن فإن ذلك لا يتعارض مع الدين الرسمي في الدولة؛ لأن مكان الصوم هو فضاء المجتمع ككل، وليس هناك مكان مخصص للإفطار ما عدا في الأماكن المسموح به دينيا وصحيا كالمستشفيات.

وأضاف الأكاديمي المغربي لهسبريس أنه على الرغم من سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على الدستور والتشريع الوطني فإن الخصوصية الثقافية والدينية والاجتماعية لا تخضع كليا للاتفاقيات الدولية؛ بل تبقى متحكم فيها طبقا للأعراف والثقافات والمعتقدات التي تخص مجتمعا دون آخر.

وقال الدكتور درداري إن الاتفاقيات الدولية ليست مقدسة بحكم أنها وضعية وليست على مقاس الديانات التي جاءت من السماء وأطرتها كتب سماوية لا دخل للإنسان فيها.

وبالرغم من ذلك، أضاف المتحدث ذاته، فإن الفرد من حقه الإيمان كما من حقه تغيير دينه أو عقيدته والدخول في الإسلام أو الخروج منه وكذلك باقي الديانات، كما يمكنه رفض التبعية لأي كان إذا كان بالغا سن الرشد القانوني شريطة أن لا تؤدي به حريته إلى الاعتداء على حرية الآخرين.

مدرسة رمضان

من جانبه، قال محسن اليرماني، باحث في العقيدة والفكر الإسلامي، إن صيام شهر رمضان من أعظم العبادات التي يتقرب بها المسلم لربه؛ لذلك فإن عموم المغاربة يعظمون شهر رمضان، ولا يقبلون بينهم من يفطر في نهار رمضان عمدا.

وردا على التساهل مع تاركي الصلاة والتشدد مع “وكالين رمضان”، أوضح الباحث في العقيدة والفكر الإسلامي أن العديد من تاركي الصلاة يقبلون على الصلاة في شهر رمضان، والدليل على ذلك هو امتلاء المساجد بالمصلين الجدد خلال الشهر الفضيل، معتبرا أن هذا الإقبال مؤشر على أن الصائمين يدركون بأن الصوم لا يكتمل إلا بأداء الصلاة، وأغلب المحافظين على الصلاة اليوم هم خريجو مدرسة رمضان المبارك.

وأضاف الباحث اليرماني لهسبريس أن الإفطار في رمضان يختلف عن ترك الصلاة، لأن المفطر بشكل علني يُعرف حاله عند جميع الناس بفطره؛ فهو بذلك يخالف ما تعارف عليه المجتمع من الإمساك في شهر الصيام، ولذلك يشتد عليه الإنكار من معارفه المقربين وحتى من الذين لا يعرفونه، بخلاف تارك الصلاة الذي لا يكون معلوما إلا عند خاصة الناس كأسرته وأقاربه وأصدقائه المقربين.

كما أن شهر رمضان، تابع المتحدث، ارتبط ارتباطا وثيقا بعبادات وشعائر وعادات مغربية عديدة صارت بمثابة أعراف وتقاليد وقوانين ثابتة ومستقرة لقرون مضت، يمارس من خلالها -أي الأعراف والتقاليد- المجتمع سلطته المعنوية على حرية الأفراد، والدولة سلطتها بتطبيق القانون. لذلك فإن المفطر في رمضان لا تنحصر معصيته فقط في مخالفة أمر من أوامر الله، وإنما خطيئته تمتد لتشمل حق المجتمع ككل.

The post الإفطار العلني في رمضان .. جدل حول "الحريات الفردية" يتجدد كل سنة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/Sk8cTvN

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire