قال محمد بنعبيد، أستاذ بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إن الانتقال من منظومة إعلامية مركزية إلى مشهد إعلامي مشتت ومتعدد المصادر الإخبارية أحدث تغييرا جذريا في طريقة تلقي الناس للمعلومات حول الأحداث العالمية الكبرى.
وذكر بنعبيد، ضمن ورقة سياسات نشرها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد بعنوان: “إستراتيجيات التواصل وتأثيرات التغطية الإعلامية على النزاع الروسي-الأوكراني”، أن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا تدور رحاها في الساحة الإعلامية وفي الميدان على حد سواء، ما يكشف وجود دينامية جديدة في أنماط الحرب الإعلامية القديمة.
وذكر الكاتب ذاته أن الحرب الإعلامية تشكل بوضوح جزءا من العقيدة العسكرية الروسية؛ لذلك قام الكرملين بتنفيذ هجمة دموية بالصواريخ على برج التلفزيون في كييف، وكان وراء هجمات إلكترونية على وسائل الإعلام ومواقع الحكومة الأوكرانية على الإنترنيت.
وعلاوة على ذلك، يضيف بنعبيد أن السلطات الروسية قامت بحظر فايسبوك وإنستغرام وتقييد الوصول إلى تويتر، وسنت قانونا يعاقب بالسجن لمدة قد تصل إلى خمسة عشر عاما الصحافيين الذين ينشرون معلومات تهدف إلى “تشويه سمعة” القوات المسلحة الروسية.
وعلى الصعيد الدولي، أشار الكاتب ذاته إلى أن الحملة الروسية تسللت إلى منظومة إعلامية تسمح لها بنشر أخبارها بسرعة كالنار في الهشيم، حيث يحاول بوتين حشد التأييد لقضيته في صفوف من لا يرضيهم لسبب من الأسباب النظام العالمي السائد حاليا.
التواصل الروسي
يقول بنعبيد في الورقة البحثية: “في بعض أرجاء العالم تبدو الحرب في أوكرانيا مبررة، ولا ينطبق هذا الأمر على البلدان الصديقة لروسيا فحسب. ولئن كان جزء من سكان الجنوب الشامل متوجسا ومضطربا بسبب المآسي الإنسانية الناجمة عن الحرب، إلا أنه يجد نفسه فيها وفي الاستياء العام السائد تجاه الغرب ووسائل إعلامه المتهمة بنهج سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالنزاع الأوكراني أو السوري أو العراقي”.
كما جاء ضمن الورقة أن “الكثير من الهواجس تمخضت عن أرقام الخسائر العسكرية الروسية (10000 قتيل تقريبا، ما يجعلها واحدة من أثقل الخسائر بالنسبة لموسكو منذ الحرب الأفغانية) التي أعلن عنها الناطق الرسمي باسم الكرملين”، وزادت: “نشهد هنا محاولة لربح معركة التصورات لدى الرأي العام الدولي عبر إضفاء الطابع الإنساني على المعتدي، ومن خلاله ضعفه وهشاشته”.
ويشير الكاتب إلى أنه “بغض النظر عن جهود إعادة الهيكلة الرامية إلى تحسين صورة ما يشبه نقطة ضعف ترسانة الدفاع والهجوم الروسية، إلا أن الملاحظ أن موسكو تواجه صعوبات في جعل كفة الحرب الإعلامية تميل إلى مصلحتها”.
الإستراتيجية الأوكرانية
“عندما تكون موازين القوى غير متكافئة بين أطراف نزاع معين، يسمح المجال الإعلامي باستعادة التوازن في علاقات القوة. من هذا المنظور، تراهن أوكرانيا، العاجزة عن مواجهة روسيا عسكريا، على إستراتيجية التحكم السردي والتواصل الذكي”، وفق تعبير بنعبيد.
ورغم ضعفها العسكري، أشار بنعبيد إلى أن “أوكرانيا تظهر شراسة وحيوية قد تفاجئ الكثيرين، وأفلحت في كسب تأييد جزء كبير من الرأي العام الدولي الذي صار مناصرا لقضيتها”، وهي مقاربة تسعى إلى كسب الطرف الأضعف للدعم الدولي وأيضا إلى حماية معنويات السكان والجنود.
وبحسب الورقة، ستبقى نوعية المقاومة رهينة بالقدرة على الصمود العسكري، وكذا بالوضعية النفسية للأوكرانيين أنفسهم؛ إذ حاولت أوكرانيا منذ البداية استغلال مفهوم إيماجفاير imagefare، أي استعمال الصور، كمبدأ أساسي أو بديل للوسائل العسكرية التقليدية، من أجل تحقيق أهداف سياسية عبر الركوب على موجة قرب الثقافة السياسية الأوكرانية وثقافة البلاد على نحو عام من ثقافة الغرب. كما يغذي الأوكرانيون بدورهم قوة هذه الرواية وهذا السرد عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأوضح بنعبيد أن الإستراتيجية الأوكرانية تركز على كوامن الالتقائية الثقافية والإيديولوجية لدى الرأي العام الدولي، ويقودها جزئيا الرئيس زيلينسكي، الذي برز كخطيب بارع ومتمكن من الأدوات الرقمية، علاوة على وعيه بأهمية الاستغلال الأمثل، في حقبة الهواتف الذكية، للمعلومة على نمط mood scrolling (استعراض المضامين المزاجي)، أي الميل إلى استعراض المعلومات على شاشات الهاتف الذكي بنوع من الإدمان.
ويختم بنعبيد بالإشارة إلى أن المزايا التنافسية رهينة بالسيطرة على تدفق المعلومات خلال فترات الحرب، ويشكل النزاع الروسي-الأوكراني مثالا حياً على ذلك، حيث يعطي فرصة العودة إلى أطر تأويلية تغذيها الاضطرابات التي تشهدها منظومة وسائل الإعلام، وكذا طبيعة الأزمات الدولية خلال السنوات الأخيرة، التي يعتبر غياب تكافؤ الموازين سمتها الأبرز.
The post ورقة تفكك إستراتيجيات التواصل والإعلام في النزاع الروسي الأوكراني appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/0WPs5wN
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire