3
تقاليد عيشٍ ضاربة في العراقة بالمغرب توقف عندها الكاتب المهتم بتاريخ المغرب محمد الصديق معنينو، من خلال نموذج مدينة سلا مطلع القرن العشرين.
في الحلقة الثالثة من برنامج “تاريخنا مع الصديق معنينو”، الذي تنتجه هسبريس خلال شهر رمضان، قال المتحدث إنه سنة 1900 كان يوجد أربعة ملايين من المغاربة تقريبا، وكان حجم المغرب أكبر بثلاث مرات من مساحته الحالية، إذ كان يصل إلى حدود السنغال.
وتابع معنينو: “بين 80 و85 في المائة من المغاربة كانوا يعيشون في البوادي، بين الجبال والسفوح، عملهم إما الزراعة أو الفلاحة أو الرعي أو الصناعة التقليدية المحدودة. أما المدن فكان عدد سكانها قليلا، وكانت أكبرها فاس، ولا يتجاوز سكانها آنذاك 65 ألف نسمة”.
وقدم الكاتب السّلويّ والمسؤول الإعلامي السابق مثالا بمدينته، التي يحيط بها سور لحمايتها، موضحا أن أسماء أبوابها توضح الأماكن التي تؤدي إليها؛ فباب سبتة يؤدي إلى سبتة، وباب فاس إلى فاس.
“وكانت توجد بسلا، مثل المدن الأخرى، أحياء خاصة بالسكن وأخرى بالتجارة، والأحياء السكنية هادئة ليس بها حداد أو نجار، ولكل حي مسجده، فيما الجامع هو الذي يذهب إليه الناس يوم الجمعة، ولكل مسجد الكُتّاب القرآني، أي ‘المسيد’، الخاص به، ولكل حي سقّايته، وفي كل حي حمّام، وفي كل حمّام فرن، ومن الآداب أنه إذا وجدت قطعة مكتوبا عليها باللغة العربية تقبلها وتضعها في مكان عالٍ لأنها لغة القرآن، مثل ‘النعمة’، قطعة الخبز”، يورد المتحدث ذاته، مردفا: “أما أحياء التجارة فهي مقسمة إلى أسواق؛ فالحدادون لوحدهم، والنجارون، وبائعو الخضر، وأصحاب الزرابي وأصحاب الأواني… ولكل حرفة أمينها، وهو الذي يفصل بين المتخاصمين. ويراقب الأمناءَ المحتسب الذي له مهمتان، جودة السلع المعروضة، وثمنها”.
وعلما أن أبواب المدينة كانت تغلق ليلا، ذكر معنينو أنه بعد صلاة العصر ينتهي العمل، وفي بعض المساجد تتلى دروس يستمع إليها الناس بعد العصر، وهنا يتفقّهون؛ كما تطرق إلى الزوايا، التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ المغرب، ومعيش الساكنة، وعدد أبرزها بسلا، وهي: الزاوية الدرقاوية، التي كانت تعتبر الزاوية الشعبية، والزاوية التيجانية التي كانت تعتبر زاوية للطبقة الوسطى، والزاوية العيساوية، والزاوية القادرية، والزاوية الوزانية…
وفي سياق الحديث عن تقاليد العيش، ذكر معنينو “الخابية”، القدر الكبير المملوء ماء، الذي يدهن بـ”البياض”، وهو نوع من القطران أسود اللون، ليشرب المارّون، و”الكرّاب” (الساقي) الذي يملأ الماء من السقاية ويوزعه؛ كما استحضر عادة النزهة في الحقول المخضرة، والنزهة بالقوارب في الماء برفقة “القرايحية” الحافظين للأشعار، ليغنّوا خاصة الشعر الملحون، أو الطرب الأندلسي بدرجة أقل.
وقدم معنينو أمثلة بطقوس الجلوس، وشرب الشاي، والتضامن الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء والضعفاء، ورأى أن من أوجهه عدم الزواج من خارج المدينة.
وحول طريقة الخِطبة، تحدث الصديق معنينو عن انتقال أم الشاب بماء الورد، والتمر، إلى منزل الأنساب المفترضين، وتفقدها للعروس، وإعطاء فرصة “تحايل” يلمح فيها الزوج المفترض الخطيبة من بعيد.
ومن أوجه التضامن الاجتماعي في سلا، وفق المتحدث ذاته، اجتماع العائلة لإعداد الحلويات شهرا قبل موعد العرس، ثم إدخال الحلاقين الضيوف إلى المنزل، لأنهم يعرفون كلا بصفته، ولو أن الاستقبال يكون من صاحب الدار، ويولى المكان الأفضل للشرفاء والعلماء.
وسجل الصديق معنينو أن أبواب الدور القديمة بسلا كانت توضح نقوشها أصل الأسر الأندلسية، وكان في كل باب أداتان لقرع الباب، إحداهما كبيرة الحجم لرب الأسرة، ليسرع من في الدار لفتح الباب، والأخرى توجد في مكان أدنى، يدقها الأجانب، أو الأطفال، أو المتسولون، حتى لا تفتح النساء الباب، بل باقي الأسرة.
وتحدث الكاتب عن تقبيل اليدين الذي رأى فيه احتراما للآباء والعلماء، ومن في حكمهم، وأضاف: “لا يرى الناس احتقارا أو عيبا في تقبيل رؤساء دولٍ يد البابا”.
كما تطرق معنينو للدور القوي للمرأة في مدينة سلا، فـ”هي التي تعد العرس والجنازة والاحتفال بالعيدين… وهي التي تجري الاتصالات وما إلى ذلك”.
The post تاريخنا مع الصديق معنينو: هذه حضارة العيش عند المغاربة قبل الاستعمار appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/pQjb6GH
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire