"ريمالد" تناقش تحولات المعارضة البرلمانية

أصدرت المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، في سلسلتها عدد 141، دراسة بعنوان: “تحولات المعارضة البرلمانية بالمغرب.. تحولات التمثيلية والنخب والأداء الرقابي بين 1963-2016″، للدكتور حسن المزدودي، وهو أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط.

وتناول الإصدار تحولات المعارضة في سياقات مراحل ما قبل دستور 2011، ومرحلة ما بعد دسترة حقوقها ومأسسة أدوارها داخل النظام البرلماني المغربي خلال الولاية التشريعية التاسعة (2011-2016)، في محاولة تعقب آثار وتجليات “السلطة المضادة” وتراكماتها، من خلال التحولات التي عرفتها مكونات المعارضة بمجلس النواب خلال الولايات التشريعية التسع بين 1963 و2016.

ويدقق الكتاب في مختلف براديغمات المعارضة المنبثقة عن كل مرحلة نيابية، من خلال تحليل الوضعيات الدستورية والقانونية والسياقات السياسية والمؤسساتية والسوسيولوجية، التي واكبت نشأة وتطور مكانة وحقوق المعارضة البرلمانية منذ أول ولاية تشريعية (1963-1965) وإلى غاية الولاية التاسعة (2011-2016)، ما سمح لهذه الدراسة بأخذ بعدها التأسيسي الذي يرفع الستار عن تفاصيل هامة من الحياة البرلمانية بالمغرب.

ورصد الباحث في القسم الأول تفاصيل تحولات التمثيلية السياسية والمؤسساتية لمختلف مكونات المعارضة البرلمانية بين 1963 و2016، وما واكبها من تحول للنخب البرلمانية التي مارست أدوار المعارضة بمجلس النواب.

ووقف القسم الثاني من الدراسة على حجم مساهمة المعارضة البرلمانية في تطوير المنظومة الدستورية والمؤسساتية، وتدافعها من أجل الارتقاء بالعمل البرلماني، وتكريس الانتقال الديمقراطي؛ ناهيك عن أدوارها في تجويد الأنظمة الداخلية التي أطرت مختلف الولايات التشريعية لمختلف المجالس النيابية، سواء عبر تفعيل مختلف الوظائف والاختصاصات التي نصت عليها الدساتير المتتالية، ولاسيما أدائها الوظيفة الرقابية التي تشكل حجر الزاوية في اشتغال مكونات المعارضة البرلمانية، أو من خلال سعيها إلى إحداث التوازن السياسي والمؤسساتي مع السلطة التنفيذية وأغلبيتها في ظل التدرج النسقي والوظيفي الذي ميز المنظومتين الدستورية والبرلمانية المغربية.

وخلصت الدراسة إلى أن هذه التحولات أفرزت بين 1977 و2011 ثنائية التمثيلية والتركيبة النيابية كمتغيرين بارزين ساهما في الاستيعاب السياسي والمؤسساتي لمكونات المعارضة، وأثرت بشكل أساسي في أدائها الرقابي خلال كل مرحلة برلمانية، خاصة أن هذه الثنائية استطاعت في الولاية التشريعية الأولى (1963-1965)، رغم ضعف اختصاصات البرلمان، إفراز صيغة مؤسساتية استثنائية (تمثيلية مرتفعة 48%، تركيبة نيابية قوية وذات مشروعية) جعلت من مجلس النواب إحدى حلقات صراع موازين القوى على السلطة.

ففي المرحلة النيابية الأولى (1977-1997)، يقول الدكتور المزدودي، اشتغلت المعارضة التي تكونت من أحزاب الكتلة الديمقراطية ضمن نسق دستوري وبرلماني لا يوفر هوامش كبيرة لممارسة أدوار المعارضة البرلمانية، غير أن تركيبتها النيابية شكلت سلطة مضادة مكنتها من أداء رقابي متصاعد في مواجهة الحكومات المتعاقبة، واشتغال مكوناتها ضمن مقاربة “التكتل” مكنها من التدافع السياسي والمؤسساتي لتكريس إصلاحات دستورية تستهدف تقاسم السلطة وتدعم أحادية المرجعية الدستورية، وتهدف إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي والدفاع عن الحقوق والحريات العامة.

أما في المرحلة النيابية الثانية (1997-2011)، تبعا للإصدار ذاته، فقد اختلف الوضع بالنسبة للمعارضة النيابية التي كان حزب العدالة والتنمية مكونها الرئيسي، إذ اشتغلت منذ إدماجها سنة 1997 في النسق البرلماني ضمن مقاربة “البديل” التي ارتكزت على معارضة المعارضة السابقة، وتشكيل الفاعل الاحتياطي من خلال تحقيق التباعد المرجعي مع مكونات التيار التقدمي الحداثي، وتقوية مركزها الانتخابي لممارسة معارضة قوية لحكومتي أحزاب الحركة الوطنية.

أما خلال الولاية التاسعة (2011-2016) فيرى الأستاذ الجامعي أن مكانة ووظائف البرلمان تطورت في ظل دستور 2011 في اتجاه الارتقاء بمكانته وتوفير منظومة رقابية متكاملة للمعارضة البرلمانية؛ غير أن حضور نسبة كبيرة من الأعيان في تشكيلة المعارضة بمجلس النواب أفقدها القدرة على الفعل الرقابي وممارسة السلطة المضادة للحكومة، وتعبئة التذمر الشعبي ضد قرارات الحكومة، فضلا عن أنها لم تستفد بالشكل المطلوب من حقوقها الدستورية.

ومن الخلاصات البارزة لهذه الدراسة هي المحدودية المسجلة في تفعيل وأجرأة الحقوق والمكانة التي منحها دستور 2011 للمعارضة البرلمانية، إذ لم تتجاوز المعارضة خلال الولاية التاسعة السقف الدستوري والمؤسساتي الذي استفادت منه باقي المعارضات بمجلس النواب في الولايات السابقة.

وينهي الباحث هذه الدراسة بأن النسق السياسي والبرلماني الذي واكب تحولات المعارضة يحمل في سيرورته عوامل تآكل المعارضة البرلمانية من مرحلة لأخرى، من أبرز تجلياتها المفارقة بين الخطاب والممارسة، ثم صعوبة التناوب بين سقف أدوار المعارضة البرلمانية وإكراهات التدبير الحكومي، ما يضعف من تأثير هذه النخب في معادلة الصراع الطبقي، ويجعل مسار المعارضة البرلمانية يقف عند عتبة 2016، معلنا استنفاد عناصره الفاعلة، ليبرز السؤال التالي: هل المشهد البرلماني في حاجة إلى معارضة جديدة؟.

ويستشرف الباحث حسن المزدوي عناصر الجواب من خلال سقف مطالب القوى الاجتماعية الصاعدة التي تعبر عن توجهات معارضة من خارج النسق السياسي والمؤسساتي، في مقابل محدودية أدوار المعارضة البرلمانية المتواجدة في القيام بالوساطة، وتبني المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف الفئات المجتمعية، ما زاد بالتالي من أزمة البرلمان المغربي وهامشيته كمؤسسة للتمثيلية.

ويرى الباحث أن ما توفره منصات التواصل الاجتماعي، التي يمكن اعتبارها بمثابة برلمان شعبي، من فضاءات تضمن حرية التعبير الديمقراطي وتصريف مواقف الطبقات الاجتماعية، يشكل قوة دافعة للمعارضات من خارج النسق السياسي بشكل مباشر إلى حراك مجتمعي قادم سيكون مفتوحا على مطالب ذات سقف عال، مستدركا بأن مختلف محطات الحياة السياسية بين 1963 و2011 أظهرت بشكل واضح أن النظام السياسي المغربي لا يتنازل في ظل المواجهة، لكنه يتفاعل ويستجيب في ظل التوافق.

The post "ريمالد" تناقش تحولات المعارضة البرلمانية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3FG8hRv

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire