لكل زمن رجال، والرجال والنساء فعلا هم أولئك الذين وقفوا في وجه المستعمر، عندما كان الكلام يؤدي إلى السجن، وعندما كانت الوطنية أحد دروب الشجاعة، والشجاعة هي أن يجد الشعب من يتحدث باسمه رغم الخطر، وقد حصل ذلك فعلا سنة 1934 عندما صاغ الوطنيون الكبار، أمثال علال الفاسي ومحمد الحسن الوزاني..، وثيقة تتضمن مطالب الشعب المغربي، وأوصلوها إلى الوزير الفرنسي آنذاك بيير لافال.
هذا الأخير له قصة مثل قصص الأفلام، فقد أصبح رئيسا لوزراء فرنسا أربع مرات، وراكم المناصب والمكاسب، لكن الأقدار قادته إلى نهاية مثيرة للجدل، بعد أن حكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى والتعاون مع الاستعمار النازي. وقد نجح هذا المقبل على موت حتمي، وقتها، في تسميم نفسه، لكن “العدالة الفرنسية” أنقذته من الانتحار، قبل أن تقوم بإعدامه، فمات واقفا وهو يقول إن محاكمته كانت بهتانا كبيرا.
هكذا وصلت مطالب الشعب المغربي إلى المستعمر الفرنسي، وقد كانت مطالب ثورية في ذلك الوقت، حيث طالب السياسيون المغاربة بإلغاء الحكم الاستعماري المباشر، وتكوين حكومة مغربية، وتكريس نظام إداري جديد، مع الاعتراف بحرية التعبير للجميع، وبحقوق العمال، وإصلاح التعليم..
اليوم ونحن في أجواء تخليد الذكرى السنوية لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، قد تبدو بعض هذه المطالب متجاوزة، لكن مطالب أخرى، مثل إصلاح التعليم والإدارة وحقوق العمال، لا تزال تكرر نفسها في جل البرامج الحزبية والحكومية.
ولأن شباب اليوم ليسوا هم شباب الأمس، فقد كان من الطبيعي أن تمر ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، قبل أيام، باردة عند جل الشباب، الذين يفترض فيهم عدم إهمال هذه المناسبات، وعدم الانسياق وراء الدعاية السطحية لمواقع التواصل الاجتماعي، التي تهدف بالأساس إلى فصل المواطن عن تاريخه وبيئته، حتى يسهل دمجه في “السوق الحرة” للبشرية.
السياسة هي نفسها، لكن السياسيين ومواطني اليوم ليسوا هم أنفسهم مواطني الأمس. لذلك تحولت جل المناسبات إلى مناسبات باردة، بما فيها هذه المناسبة التي تحل هذه الأيام، وهي مناسبة مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة الحالية، التي بنيت على أنقاض حزب العدالة والتنمية، في زمن جائحة “كورونا”، حيث تكلف “كوفيد- 19” بقتل شعبية رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لدرجة أنه صار يجد صعوبة في الخروج إلى الشارع، رغم أن حزبه كان قد وصل قبل عشر سنوات إلى الحكومة على صهوة الشارع.
لكل زمن حال، وحال هذه الحكومة بعد مرور 100 يوم، تلخصه وضعية الناطق الرسمي باسمها، بعد أن استسلم هو الآخر لعزل صحي في بيته بعد إصابته بوباء “كورونا” (نتمنى له الشفاء)، رغم أنه تلقى جرعة ثالثة، وقد تفرض الضرورة على المغاربة تلقي جرعة رابعة.. بعد جرعة كبيرة من الصبر تلقاها الجميع ولا جدال حولها.
بعد 100 يوم كبرت التطلعات، وكبرت الآمال، وتعمقت مشاكل بعض القطاعات، وتجاوز الوزراء دهشة البداية، لكن النتائج الملموسة لن تظهر اليوم، ومع ذلك يجب أن يتوقف السياسيون عندها اليوم بسبب رمزيتها، لإجراء تقييم أولي، وتدارك ما يمكن تداركه، لأن الوقت لا يرحم، ففي هذه المدة الوجيزة ظهر “أوميكرون”، وظهرت نسخة جديدة من الاحتجاجات حول جواز التلقيح، وصدر قرار بتخفيض سن العمل في التدريس إلى 30 سنة.. وكلها قرارات مثيرة الجدل، مما يعكس حجم المشاكل المطروحة في مغرب ما بعد الاستقلال.
The post بين الأمس واليوم appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3GzvExf
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire