يحتفل الشعب المغربي قاطبة بالذكرى 78 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال وهو يوم مشهود في تاريخ الكفاح الوطني الذي دونه العرش والشعب من اجل التعبير عن رفضهم لكل اشكال الاستغلال التي مارسها المستعمر داخل الاراضي المغربية وتكمن دلالته في ترسيخ روح الوطنية الصادقة التي تميز بها اسلافنا حتى نسير على دربهم وهي مناسبة للتذكير بمسار النضال الوطني والذي لا يمكن فهمه دون مقاربة الظروف التي انتجته.
تعرض المغرب في الفترة الممتدة من 1912 – 1956 لاستغلال استعماري من طرف فرنسا واسبانيا شمل العديد من القطاعات. فمباشره بعد توقيع معاهده الحماية بين السلطان المغربي المولى عبد الحفيظ وممثل فرنسا رينو بمدينه فاس 30 مارس 1912 حتى انطلق مسلسل النهب والاستحواذ على خيرات المغرب المتنوعة وما نتج عن ذلك من ظهور ووعي وطني عجل برحيل المستعمر تاركا وراءه سلسله أزمات استمرت الى ما بعد الاستقلال، لينتقل المغرب من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الاكبر الذي أعلن عنه السلطان المرحوم محمد الخامس.
السياق العام لظهور الحركة الوطنية ومطالبها الإصلاحية:
مباشرة بعد توقيع معاهدة الحماية ستنطلق ردود فعل المغاربة في شكل مقاومة مسلحة بالأطلس المتوسط ،الجنوب الشرقي، الجنوب والريف لكن مع اقتراب الثلاثينيات سيتغير منحنى الكفاح الوطني من المسلح إلى السياسي خصوصا وأن المستعمر أصدر الظهير البربري 1930 في محاولة منه لتطبيق سياسة فرق تسد بين العرب والأمازيغ و ما نتج عن ذلك من ردود فعل قوية تمثلت في ظهور نخبة مغربية مثقفة نهجت الأسلوب السياسي وهي في غالبيتها من العائلات المتوسطة بالمدن درست بالمدارس العتيقة والعصرية و تأثرت بالفكر الثوري السائد مع بداية 1934 سيظهر للوجود أول تنظيم سياسي تحت اسم “كتلة العمل الوطني” بمنطقة النفود الفرنسي بزعامة محمد بن الحسن الوزاني والحركة الوطنية لتحقيق الإصلاحات بزعامة علال الفاسي أما بمنطقة النفوذ الإسبانية فقد تم تأسيس حزب الإصلاح الوطني بزعامة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة المغربية برئاسة المكي الناصري هذه الأحزاب طالبت من سلطات الحماية تطبيق العديد من الإصلاحات الإدارية ومن بينها احترام المعاهدات الدولية وعدم المس بالحدود المغربية واجتماعية عبر الإهتمام بالجانب المعيشي للمغاربة وتوفير المدارس والمستشفيات واعتماد اللغة العربية كلغة للتدريس واقتصادية بالكف عن الأنانية التي تميزت بها فرنسا في استغلال الخيرات والمناجم وإعطاء الدولة المغربية نصيبها من هذا الجانب لكن رد فعل سلطات الحماية كان قاسيا عبر رفض هذه المطالب ومتابعة كل من طالب بالإصلاحات والزج بهم في السجون
تطورات الحركة الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال:
تميزت بداية الأربعينيات بتحولات وطنية ودولية ساعدت الحركة الوطنية في تغيير مواقفها إزاء سلطات الحماية مستفيدة من الأحداث العالمية ومن بينها هزيمة فرنسا أمام النازية في المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية من 1939 – 1942 وهو ما دفع بالدولة الحامية الى إنزال كل ثقلها في الحرب فكان ذلك على حساب تواجدها بالمغرب يضاف لذلك إنزال القوات الأمريكية بالدار البيضاء 1942 وانعقاد مؤتمر انفا 1943 بين السلطان محمد الخامس والرئيس الأمريكي روزفلت وتشرتشل وصدور الميثاق الأطلنتي فسجلت هذه الأحداث زعزعة لهيمنة سلطات الحماية وتنقيصا من المكانة التي كانت تحتلها في السياسة المغربية وتوسعت قواعد الحركة الوطنية وازداد الحماس الجماعي آنذاك تم رفع سقف المطالب من الاقتصار على الاصلاحات الى المطالبة بالاستقلال وقد تزعم هذه المطالب قادة الحركة الوطنية الذين قدموا عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 والتي تمت صياغتها بدار مكوار بفاس الإقامة العامة تتضمن تقديما عاما حول تاريخ الدولة المغربية الذي يمتد بثلاث عشر قرنا حتى فرضت عليه الحماية والتي انزاحت عن جوهرها يضاف لذلك أن الظروف التي أصبح يجتازها العالم هي غير ظروف الحماية فلذلك فإن رجالات الحركة الوطنية يطالبون باستقلال المغرب ووحدته الترابية تحت ظل صاحب الجلالة محمد الخامس يلتمسون السعي لدى الدول التي يهمها الأمر الاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه يلتمسون أن يشمل السلطان برعايته لحركة الإصلاح التي يتوقف عليها المغرب هذا التحول في خطة الحركة الوطنية نزل كالصاعقة على السلطات الفرنسية خصوصا وأن مطلب استقلال وجد صداه داخل الشارع المغربي بل حتى السلطان الذي ساند الحركة الوطنية بشكل علني فكان رد فعل السلطات الفرنسية ومحاولة قطع حبل التواصل والتضامن بين العرش والشعب وهذه المرة عبر نفي السلطان محمد الخامس وعائلته الشريفة نحو جزيرة لاريينيون ثم مدغشقر 1953 وما تلى ذلك من احتجاجات وثورات للملك والشعب رغم تخطيط المستعمر لتغيير مسار النظام الوطني وتنصيب السلطات الفرنسية للدمية ابن عرفة وما رافق ذلك من تنكيل ومتابعة لرموز المقاومة الوطنية وأمام حجم الخسائر المادية والبشرية التي تكبدها اضطرت فرنسا لفتح مفاوضات 1955 تمهيدا لعودة السلطان وهو ما تم بالفعل فاعترفت فرنسا باستقلال المغرب 1956 ليستمر مسلسل استرجاع الأراضي المغربية.
دلالات الحدث بين الماضي والحاضر
تشكل وثيقة المطالبة باستقلال في كنهها وسياق تقديمها ثورة وطنية صادقة جسدت وعي المغاربة وتلاحم بين العرش والشعب هذه الرابطة الوطنية الصادقة كانت كافية للتخلص من المستعمر وهي فرصة للأجيال الحالية للعمل جنبا لجنب للوقوف في وجه أعداء الوطن خصوصا وأن بطل التحرير كافح ومعه الشعب بجميع الوسائل الممكنة آنذاك وهي رسالة وإشارة قوية لإشاعة رصيد القيم والمثل العليا و مكارم الأخلاق وتعزيز الروح الوطنية والانتماء للوطن لمواصلة مسيرة التقدم والازدهار تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لبناء مغرب الحداثة كما شكل المغرب جبهة إلى جانب الحلفاء لنصر قيم الحرية في لقاء انفا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية هذا البلد الصديق الذي لم ينسى تضحيات المغرب فأصدر إعلانه التاريخي بالاعتراف بالسيادة المغربية التامة والكاملة للمملكة المغربية على صحرائها وهو ما يشكل حدثا مفصليا في مسار النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء والتي كانت ولا زالت وستبقى مغربية يرثها الأبناء ومهما كلف ذلك من غالي ونفيس.
وتخليدا لهذه المناسبة الطيبة العظيمة نؤكد على المعاني النبيلة التي عكست وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل على الإصرار ومواصلة النضال هي فرصة لتقديم المزيد من التضحيات في سبيل الوطن وكل من موقعه والحرص على اليقظة الموصولة والتجند الدائم وراء عاهل البلاد الملك محمد السادس نصره الله للحفاظ على المكاسب والدفاع عن وحدتنا الترابية في إطار المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الجنوبية وفي إطار السيادة المغربية الغير القابلة للمساومة وما ذلك على المغاربة بعزيز وكل عام وأنتم بألف خير.
لائحة المراجع المعتمدة:
أبو بكر القادر “مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية من 1930 إلى 1940” مطبعة النجاح الجديدة، ج 1 الدار البيضاء 1932
عبد الرحيم الورديغي “المقاومة ضد الحماية الفرنسية 1952 – 1956” دار ابن خلدون الرباط 1982
عبد الكريم غلاب “تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب” مطبعة النجاح الجديدة البيضاء 2000
عبد الرحمن عبد الله الصنهاجي “مذكرات في تاريخ المقاومة وجيش التحرير المغربي” مطبعة فضالة 1987.
مقتطف من وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944.
The post 11 يناير .. ملحمة خالدة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/33hsD60
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire