كشفت جائحة “كوفيد19″، عن المآسي والمعاناة التي تكبدتها مدينة مراكش، باعتمادها على بعد اقتصادي أحادي، سبق أن عبر عن فشله خلال حرب الخليج الثانية، التي خاضها تحالف دولي بقيادة أميركا إثر غزو النظام العراقي، بزعامة الرئيس الراحل صدام حسين، للكويت سنة 1990، ما يفرض في اقتصاد ما بعد”كوفيد19″، التفكير في تنويع مصادر اقتصاد هذه المدينة، التي تشكل عاصمة لجهة تتوفر على موانئ بحرية، ومناجم للفوسفاط، وضيعات فلاحية.
ولأن بهجة الجنوب التي تشكل محور جهة مراكش أسفي، لا تتوفر على واجهة بحرية، فإن الضرورة تفرض دمج السكان المحليين في عملية التنمية الاقتصادية من خلال إنشاء نظم اقتصادية استراتيجية جديدة، من قبيل إحداث الميناء الجاف الجديد، الذي أصبح قابلا للاستغلال من طرف الفاعلين الاقتصاديين بالجهة، لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير في البلاد، ما سيمكن عاصمة النخيل من أن تصبح قطبا لوجيستيكا مهم يربط بين شمال المغرب وجنوبه بفضل الميناء المرتبط بالسكة الحديدية، وميناء الدار البيضاء وقريبا بميناء آسفي.
هل يشكل هذا المشروع بداية مشاريع لتنويع اقتصاد مدينة مراكش؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن غاياته الاقتصادية؟ وإلى أي حد سيشكل نقطة انطلاق التفكير في مناطق صناعية حقيقية؟ وهل مشروع الحي الصناعي الذي تقرر احداثه بجماعة حربيل تامنصورت على مساحة 40 هكتار مشروع يتماشى مع التحديات وانتظارات الفاعلين الاقتصاديين وسكان المدينة الحمراء؟ وبأي معنى يمكن القول أن المنطقة الصناعية سيدي غانم تستحق هذه الصفة؟
السكك الحديدية تتحرك
أعطى المكتب الوطني للسكك الحديدية، انطلاقة الميناء الجاف الجديد كخدمة لوجستيكية متكاملة لجهة مراكش، لفائدة الفاعلين الاقتصاديين بالجهة، ويغطي هذا الميناء الجاف مساحة تبلغ 4,4 هكتار في قلب المنطقة الصناعية سيدي غانم بضواحي المدينة، وهو يتمتع بسهولة الولوج إليه سواء عبر خط السكة الحديدية أو عبر الطريق، لاستقبال الحاويات القادمة من مينائي الدار البيضاء وطنجة المتوسط ومناولتها وتخزينها وتوزيعها.
ما هو الميناء الجاف
الميناء الجاف هو مساحة يتم تخصيصها لاستقبال البضائع بمنطقة على اليابسة، وهي منشأة يتم النقل اليها عن طريق الشاحنات والقطارات، وبها يتم التخزين بالمستودعات وشحن البضائع وصيانة مركبات الشحن والنقل، لتخفيف الضغط على الموانئ البحرية، أو لتسهيل حركة الاقتصادية بجهة لا تتوفر على موانئ ذات مساحة من الحجم الكبير، ويتميز هذه الموانئ الجافة بدوائر جمركية لإنهاء إجراءات الاستيراد والتصدير، ومخازن وشحن البضائع، وتلعب الموانئ الجافة دورا حيويا، لأنها توفر الوقت والمال للفاعلين الاقتصاديين، وتساهم في تخفيف الضغط على الطرق البرية وتوفير الكميات المستهلكة من الوقود المستخدم فى النقل البرى.
مزايا ميناء مراكش
وعن هذه المزايا يقول المكتب الوطني للسكك الحديدية، يوفر هذا ميناء المنطقة الصناعية سيدي غانم، للزبناء كافة مزايا النقل المتعدد الوسائل من أجل تحكم أفضل في سلسلة التزويد من خلال تقليص مدة النقل واللوجستيك وتكلفتهما، كما يساهم في حماية البيئة بفضل تخفيف ازدحام الطرق وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ويوفر باقة من الخدمات اللوجستيكية المتكاملة ذات القيمة المضافة، من قبيل التخليص الجمركي للحاويات عند الاستيراد والتصدير، والتخزين، والمناولة، والتعبئة/التفريغ، وعملية العبور، والشباك الوحيد.

طاقة عالية للمعالجة
ولأن هذا الميناء هو بمثابة مركز لإعادة توزيع وتداول البضائع إلى المناطق المجاورة، فإنه يتوفر على بنية تحتية فعّالة ذات طاقة عالية للمعالجة، تمكن من استقبال 50.000حاوية في السنة، ويتوفر على 3 خطوط للسكة الحديدية تسمح باستقبال قطارات كاملة تضم 66 حاوية، وجسرا لوزن الشاحنات بطاقة تصل إلى 80 طنا، وتجهيزات للمناولة مزودة بالتكنولوجيات الحديثة (رافعات وعربات الرفع بقدرة تصل إلى 40 طنا والرص على ثلاثة مستويات).
ويضم هذا المشروع منطقتان للتخزين، الأولى(6300 م2) خاضعة للجمارك والثانية(5100 م2) غير خاضعة لها، وفضاء تبلغ مساحته 180 م2 مخصص لزيارة الحاويات ومزودة بمأوى، وخدمة من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوصول: رفع وتسليم بالشاحنة لدى الزبون، ومواقف سيارات آمنة ومحطات للخدمات، ولضمان أمن هذه المنشأة فقد تم تجهيزها بمراقبة تكنولوجية ونظام مضاد للتسلل، ونظام تسيير آلي من الجيل الجديد، وفريق من الخبراء للاستماع إلى الزبناء.
تنزيل التصميم الإداري ضرورة
وعن القيمية المضافة لهذا الميناء بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين، قال عادل بوحاجة رئيس مكتب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة مراكش، مساحة هذا الميناء كافية لحد الآن، أما في المستقبل فيجب توسيعه من طرف حامل المشروع المكتب الوطني للسكك الحديدية، بسبب الضغط المرتفع عليه، خاصة في ظل الحاجة الملحة لإحداث مناطق صناعية جديدة، ستضاف إلى الحي الصناعي سيدي غانم والمسار وحربيل.
وفي حديث مع هسبريس، طالب المتحدث نفسه، باسم الفاعلين الاقتصاديين بالتسريع بإحداث حي صناعي حقيقي بتامنصورت، على مساحة تفوق 2000 هكتار، مضيفا”تمت المصادقة على تصميم إداري لمجلس جهة مراكش منذ سنتين، أنجز تحت إشراف مكتب دراسات بمشاركة متدخلين كثر من بينهم مكتب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة مراكش، ويضم عددا كبيرا من المنشآت الاقتصادية كأحياء صناعية متخصصة، ومدارس للتكوين، وطرقات ومعرض وفضاء للتخزين، لكنه هذا الحلم لا زال حبرا على ورق، في الوقت الذي سيساهم في خلق فرص الشغل وتعزيز القدرات الإنتاجية من أجل تحقيق نمو مستدام.
وأضاف عادل بوحاجة” ولأن مراكش ضربتها الجائحة، التي بينت أن اقتصاد هذه المدينة يجب أن يتأسس على قطاعات متنوعة، فإن التسريع بإعطاء الانطلاقة لهذا الحي الصناعي، وأحياء أخرى متخصصة، أصبح ضرورة لإخراج عاصمة الجهة من أزمتها الخانقة، التي تعيشها بسبب السكة القلبية بالقطاع السياحي”، وتابع قائلا” الأراضي متوفرة لكنها في حاجة إلى تفعيلها من طرف المجالس المنتخبة، من قبيل المجالس الجماعية، وعمالة الإقليم ومجلس جهة مراكش، ومن أجل الحد من وثيرة انتشار المناطق الصناعية غير المهيكلة، التي تشكل قنابل موقوتة داخل المناطق السكنية”، وفق تعبيره.

الحي الصناعي مطلب الشباب
وعن أهمية هذه المنطقة الصناعية بالنسبة لشباب المدينة الحمراء والإقليم، قال الناطق الرسمي باسم حكومة الشباب الموازية بجهة مراكش، محمود هرواك، سنتصل بعامل عمالة مراكش والجهات المعنية بهذا المشروع، لمسائلتهم عن أسباب تأخر هذا المشروع وتعطيله، في ظل مخلفات القوة القاهرة لجائحة”كوفيد 19″، التي عرت عن انكماش اقتصادي بالمدينة والجهة، وكشفت الخطأ القاتل المرتبط بالمراهنة على السياحة فقط، وفشل الأحياء الصناعية الحالية سيدي غانم والمسار، التي وصفها بأنها أقرب إلى أحياء سكنية منها إلى مناطق صناعية تؤدي وظيفتها الحقيقية في تشجيع الابتكار واحتضان مختلف الشركات الصناعية.
ولأن المدينة في حاجة ملحة إلى مناطق صناعية حقيقية، فإن حكومة الشباب الموازية ستعمل على هذا الملف، للعمل على دفع الجهة الحاملة لهذا الورش، الذي سيعطي لمدينة مراكش، اشعاعا وجاذبية اقتصادية، حتى تتمكن من المساهمة في الدخل المحلي والوطني، وتصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية الوطنية، يختم هرواك تصريحه لهسبريس.
الميناء قيمة مضافة
وإذا كان هذا الميناء مهم جدا للفاعلين الاقتصاديين المعنيين بالقطاع الصناعي، فإن أهميته أكثر لجهة مراكش التي تحتضن الصناعات الغذائية وبالفلاحة التي تطورت في سياق برنامج المغرب الأخضر، فإن هذا الميناء يلعب دورا كبيرا في توزيع هذه المنتوجات، التي يزخر بها إقليم الحوز، كالزيتون واللوز والجوز وفاكهة التفاح الحاملة لعلامة “الحوز”، كمنتوج ذائع الصيت، يميز جماعة آسني التي يقدر الإنتاج بها من هذه الفاكهة، برسم الموسم الفلاحي الحالي، ب53 ألف طن.
ويستفيد هذا المنتوج المجالي، الذي يحمل علامة “تفاح الحوز”، من مبلغ إجمالي قدره 8ر32 مليون درهم، ويضم 12 ألف مستفيد، ويشمل العديد من المكونات، من بينها، غراسة 230 هكتارا من شجر التفاح، وتهيئة 6 كلم من السواقي، واستصلاح منشأتين لمياه الري، وتشكيل فرق مهنية تتكون من شباب قرويين، منضوين في تعاونيات خدمية.
ويقدم هذا الميناء الجاف، خدمة كبيرة للتعاونيات الفلاحية، ولكل القطاعات التي تشتغل في مجال الاستيراد والتصدير، ما سيشجع، صغار الفلاحين المنضوين في تعاونيات، من تحسين مداخيلهم والرفع منها في حالة مساعدتهم على التسويق بمناطق خارج جهة مراكش في ظروف جيدة.
ولمعرفة رأي رئيس مجلس جهة مراكش سمير كودار عن حزب الأصالة والمعاصرة، ربطت هسبريس الاتصال به، للحصول على أسباب تأخر إحداث المنطقة الصناعية تامنصوت، لكن الجريدة الالكترونية لم تتمكن من الحصول على توضيحاته.
The post "الميناء الجاف" في مراكش .. بنية لوجستيكية تحتاج منطقة صناعية حقيقية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3mPy57E
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire