جداريات جديدة تكسر رتابة العاصمة وتُسائل موقع الفنون في الفضاء العام

كسرٌ للرتابة البصريّة وقيودِ العادة تحمِلُه جداريات جديدة استقرّت ألوانها بالعاصمة الرباط، في شهر شتنبر من السنة الجارية، بمناسبة الدورة السادسة من مهرجان “جدار الرباط – فن الشارع”.

تأتي هذه الدورة، بعد نسخ أخرى تركت بصمتها على الفضاء العمومي بالعاصمة، لترسخ سعي “جدار” إلى تنمية الثقافة البصرية بالبلاد، والمشاركة في النقاش العالمي حول موقع الفنون في المجال العام، فضلا عن مقصدها المعلن: تجديد وجه الرباط.

هذا السعي إلى إضافة ألوان جديدة للعاصمة الإدارية يبتعد عن التدخلات المتفلّتة من السلطة ورقابتها، التي هي جزء من العقيدة التأسيسية لفنون الشارع وخاصة “الغرافيتي”؛ وهو ما يعبر عنه صلاح الدين مالولي، المدير الفني للمهرجان، الذي شكر، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، تعاون الولاية وحضور السلطات العمومية من أجل إنجاح دورة سنة 2021.

وشهدت النسخة الراهنة مخاض وولادة 8 جداريات جديدة، أبدعها فنانون جنسياتهم، فضلا عن المغرب، يابانية، ومكسيكية، وإسبانية وفرنسية وشيليّة.

أعمالٌ تشدّ مارّة اشرأبّت أعناقهم في سبيل التعرف على الوافدات الجديدات، والاعتياد على ألوانهنّ وأشكالهنّ، وربما حمولاتهنّ أيضا. وتحضر المدينة العتيقة في جدارية باولا ديلفين؛ مدينة تتوزّع فيها الخضروات على جنبات الشوارع، نظراتُ أناسها مشدوهة ضائعة في دروب الحياة ومصاعبها، بملامح مغربية بيّنة، تزيد مغربيّتَها توكيدا امرأةٌ تهيمن على مكونات الجدارية، بحجاب وجلباب مغربيين، تجاورها امرأة، في ثوب الأم والجدة نفسه، وأخرى تنتقي ما يمكن أن يسد الرمقَ لاحقا بـ”نْقَابْ” مغربيّ آيل للاندثار.

هذا المشهد المغربي المعهود في المدن العتيقة، والصغرى أيضا، ليس منفلتا من زمن ماض، أو فكرة، أو ذكرى، مشوشَّتين؛ فحضور قبعة بعلامة “نيويورك” الإشهارية، تعتلي رأس أحد القاعدين، تصدح بحكاية عولمة لم تترك مكانا لم تبلغه بـ”ثقافتها”، حتى سوقٌ قصيّ بمدينة عتيقة متفلّتة من قيود الزمن، في الضفة الأخرى للأطلسي.

وكان من الممكن اعتبار هذه الجدارية انعكاسا وفيا للمدينة المتوارية خلف الأسوار التاريخية، على بعد أمتار من جدارها بحي حسّان، لولا مكوّنٌ من مكوّناتها؛ طفلة تحضر وكأنها خارج هذا الفضاء، بلباس عصري، لا تقف بوثوق، لا تطغى على المشهد، ولا يرى الناظر عينيها… لكنها تحضرُ مغربيّة خارج هذا “الانسجام” المغربيّ، أيضا.

وفي تضاريس تلتقي فيها مسارات الماء والجبال، يجد الناظر توقيع مات فيلفيت، وتدرجات أحمره، الذي يبسط، رغم قلقه، حياة في حي رباطيّ بمعمار متماثل منمِّط.

تحضر في هذه الجدارية السفينة بكل دلالاتها، في غياب الحسم المرتبط بالمجال الذي رسمته الجدارية، جانبيا، لا تُرى نهايته، ولا كافة معالمه؛ هل بلغت السفينة منتهاها؟ أانطلقَت؟ أم هل تعتزم الانطلاق؟ أَ تحُدُّ الجبالُ الجذورُ، والجبال الحدودُ الراسخة، من استمرار مسيرِ السفينِ؛ رحلةِ الإنسان نحو المجهول، بأمواجه وأعماقه وآفاقه غير المُدركَة؟

وفي قلب تجمع سكنيّ رباطيّ، تحضر مائدة فواكه صيفيّة مغربيّة: دلاع، و”هْنْدِيَّة” (تين شوكي)، و”شْريحَة” (تين جافّ)… ألوان حياة، تفلّتت من موائد العادة والاستهلاك، لتجاور المعيش اليومي للساكنة، التي، لا بدّ، ستعتادها، بدورها، وتدمجها في خارطة المألوف، بأنوارها المبهجة وتقاليدها العالمية.

وفي ملحمة للعيش، تحضر جدارية ممتدّة على طول السور المتاخم للحي الجامعي بمدينة العرفان بالرباط، تذكّر بقطار حياةِ المخرج بونغ جون هو. تَطوُّر، تكتّل، إنسان وحيوان ونبات، قتامة، صراع، تغلّب، تملّك واستعباد، حمّام دم (حرفيا)، سعي إلى الانتصار للخضرة (الحياة)، فكرةٌ نورٌ، إبداع فرديّ فرعُ سعي جَمعيّ، قلق، قتل للحياة وكائناتها على طريق الصراع الشخصي…

وفي واجهة عيش الناس بحيّ من أحياء العاصمة، أعطت ألوان “جدار” حياة أخرى لجزء من مساكن المتاخمين للطريق الساحلية. موقع، وبهاء، لا يعكسان بصدق معيش الساكنة.

وينظر الناظر الحياةَ الجديدة التي مُنِحَتِ المكانَ، وتتردّد أسئلةُ دور الفنون في الفضاء العام بين تحسين جودة العيش والارتقاء بالذائقة الفردية والذوق الجَمعيّ، وإشكالات تبرير الواقع والتصالح مع قسوته.

نقاشٌ كانت من محطّاته البارزة رسومات “غرافيتي” البريطانيّ بانكسي على جدار الفصل العنصري بفلسطين المحتلّة؛ فهل تثير التدخّلات الفنية الانتباه إلى المجال، أم تصرف النظر عن واقعه؟ أنَنحاز إلى الجمال، ونضيف ألوانا إلى الحياة أم نُؤَقلِم رتابتها و”تواطُؤاتها”؟

The post جداريات جديدة تكسر رتابة العاصمة وتُسائل موقع الفنون في الفضاء العام appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3D170n7

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire