مائة عام طويت منذ انتصار المقاومة في الريف ضد الاستعمار الإسباني في معركة “أنوال”، في ظل دعوات بحثية لإعادة قراءة تاريخ هذا “الكفاح التحرري” وفاء لـ”حقوق الذاكرة الوطنية المغربية” وابتعادا عن “تزييف الوعي التاريخي”.
كانت “معركة أنوال”، منذ 100 سنة، علامة فارقة في تاريخ الاستعمار الإسباني، الذي ألحقت به هزيمة بالغة، لم تقتصر على الجانبين المادي والبشري الذي كان متفوقا فيهما في مواجهة جيش غير نظامي؛ بل طال نفوس الجيش الإسباني ومسؤوليه العسكريين، وأثر بشكل بارز في الوعي الوطني المغربي وحركات تحرر في الصين وكوبا والجزائر وغيرها من الأصقاع.
ومع هذا الصدى الواسع، توجد دعوات مراجعة لقراءات تجربة المقاومة الريفية للاستعمار، باستحضار مآلها ومنطلقاتها وبعض اجتهادات قائدها ومرافقيه في مسار مقاومته ضد إسبانيا.
من بين هذه الدعوات ورقتان بحثيتان صدرتا السنة الجارية، 2021، عن الأكاديميَين سعيد بنسعيد العلوي وامحمد جبرون.
ومن بين ما قالته ورقة الأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي كون الحرب الريفية التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي “حركة وطنية، تستهدف في عمقها التحرير الشامل للمغرب؛ فهي ليست تمردا، ولا فعلا قبليا خالصا كما سعت الكتابة الكولونيالية إلى الدفاع عن ذلك”.
كما أنها “ليست، كما سار الوهم بذلك في بعض الأوساط اليسارية المتطرفة، ثورة -في المعنى الماركسي اللينيني للكلمة- إذ ما أبعدها عن ذلك قصدا ووسائل وإمكانا تاريخيا”.
من جهتها، سجلت ورقة امحمد جبرون، الباحث الأكاديمي المتخصص في التاريخ، أن “الملاحم المسطّرة والمتداولة والمتوارثة” معظمها يصبّ في “التمجيد والأسطرَة”، و”تناول ثورة الريف وسيرة أبطالها” تمّ “بروح وحماس وطني زائد، سواء من طرف المؤرخين أو الإعلاميين”؛ وهو ما “أضر بها كثيرا، وغطى على بعض أخطائها أو على الأقل سوء تقدير قادتها للظرف”، كما أدى إلى تأييد “قراءتهم الحالمة للواقع، وتغييب الكثير من الحقائق”، مما ينتج عنه “بطريقة غير مباشرة؛ تزييف الوعي التاريخي لدى الجيل الجديد، وإنتاج ممارسات خاطئة”.
جبرون: إعادة قراءة بعيدا عن المبالغة والاحتفاء
في تصريح لـ هسبريس، قال امحمد جبرون إن الخوض في “ثورة الريف” أمر “حساس قليلا؛ لأنها مرتبطة بالحاضر، وعدد من التفاعلات التي يعيشها المغرب اليوم والتدافعات أو الصراعات المجتمعية، خاصة ما عرفه الريف في السنوات الأخيرة”.
وأضاف الباحث الأكاديمي المغربي المتخصص في التاريخ: “للأسف الشديد، توجد ظاهرة مرتبطة بالكتابة التاريخية عموما حول الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، هو كونها ما زالت، بشكل أو بآخر، أسيرة نظرة، فيها إيديولوجية وطنية تبنى فيها فرضية الخطاب والسرد والبحث على الاحتفاء وقليل من المبالغة والأسطرة لرموز هذه المرحلة”.
وتابع جبرون: “ربما في يوم من الأيام كان هذا مفهوما ومعقولا، في مقابل خطاب تاريخي كان يبخس عمل الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير. لكن، بعد سنوات، ونحن نتحدث عن أحداث مر عليها قرن من الزمان، يمكننا إعادة قراءة تاريخنا وتاريخ الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بطريقة مختلفة، أكثر اتزانا وأكثر احتراما لمنهجية الكتابة التاريخية وآلياتها”.
وسجل المتحدث ذاته أن لمعركة أنوال وجهين: “عندما تستحضر، خاصة في ذكرى انتصار حركة مقاوِمة على جيش الاحتلال، تكون الغاية دائما إبراز الجوانب المضيئة والجوانب الإيجابية ومعالم النصر. وهذا على أية حال خطاب مفهوم من الناحية الإعلامية والسياسية؛ لكن لا يجب أن يحجب علينا هذا أن حركة المقاومة بشكل عام، بما فيها المقاومة الريفية، بحاجة إلى إعادة قراءة بصيغة تعطينا دروسا مختلفة عن الدروس التي تُستقى اليوم”.
ومع تأكيده على أن “معركة أنوال” “انتصار على المستعمر، وهذا أمر لا يجادَل فيه، وهي صمود وصلابة ورفض للمغاربة للاحتلال وإيمان بوسيلة التحرير الأساسية التي هي السلاح، وهو أمر لا يمكن أن نخوض فيه”. لكن، إلى جانب هذا، شدد جبرون على ضرورة “إعادة النظر، خاصة في أداء هذه المقاومة وسيناريوهات وإستراتيجيات وتكتيكاتها إلى أي حد كانت سليمة وإيجابية، هل سهلت مأمورية التحرير والاستقلال أم العكس؟”.
ومن الأسئلة المهمة بالنسبة إلى جبرون: “ألم يكن بإمكان هذه المقاومات، في الريف والأطلس والجنوب الشرقي، التي جرت في الوقت نفسه، التنسيق بينها والانخراط في مشروع تحرري شامل وكامل يهم كافة التراب المغربي؟”.
وسجل الباحث الأكاديمي المغربي المتخصص في التاريخ، في ختام تصريحه، أن “العديد من الأسئلة تطرح نفسها اليوم، ويجب على الباحثين مقاربتها من الناحية التاريخية. وأكيد أن هذه المقاربات الأخرى لا تقل أهمية عن الخطاب السائد اليوم، الذي فيه الاحتفاء؛ بل يمكن أن نصل إلى خلاصات وعِبَر مهمة، لا تقل أهمية عن العبرة المتحدَّث عنها اليوم، حول أن المغاربة كانوا في مستوى من النضج في هذه المرحلة، وعلى الأقل قدموا المثال والدليل على مقاومتهم للاحتلال”.
سعيد بنسعيد: حاجة إلى إذكاء الروح الوطنية
في تصريح لـ هسبريس، قال الأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي إن “معركة أنوال حدث هائل حاسم في تاريخ المغرب المعاصر. هذا غني عن البيان. ويدخل في سلسلة الأحداث الكبرى، بالنسبة إلى القرن السابع عشر تشابه معركة واد المخازن، ثم في فترة لاحقة مقاومة حمو الزياني في الأطلس المتوسط، مع فرق”.
وزاد سعيد بنسعيد العلوي: “قيل ما ينبغي قوله في 1921 في أنوال، والأسباب التي أدت إلى تحالف القوى الإمبريالية الفرنسية والإسبانية والألمانية والبريطانية وربما غيرها، وقيل ما ينبغي أن يقال حول الأسباب التي أدت إلى النصر الكبير لمحمد بن عبد الكريم الخطابي وصحبه، وقيل الكلام الكثير حول الأسباب التي أدت إلى ما أدت إليه من اندحار وهزيمة بعد بضع سنوات”.
وتابع: “ما أريد قوله هو أن الأحداث الكبرى في تاريخ أمة من الأمم تستدعي قراءات متجددة بتجدد المناسبات والأحوال.. مثلا في نهاية عشرينات القرن الماضي، قبل أن تبتدئ الحركة الوطنية في الانتظام، وجدت أمامها نموذج ومثال الزعيم الوطني محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعندما أقرأ مذكرات أحمد معنينو يتحدث عن الوعي الجماعي للمغاربة في سلا والرباط في عشرينيات القرن الماضي وما كانت تعينه صورة الخطابي، وأقرأ شيئا قريبا من هذا في “عقيدة وجهاد” عند زعيم كبير آخر هو محمد بن الحسن الوزاني، وأقرأ عند علال الفاسي في “الحركات الاستقلالية في المغرب العربي” حديثا عن الريف واستلهام شخصية بن عبد الكريم الخطابي واعتباره الانطلاقة الفعلية للمقاومة والحركة الوطنية المغربية”.
وما يهم الأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي “بعد مائة سنة من معركة أنوال، وبالضبط في ظرفية 2021، أنني أجد أن المغرب يتعرض بشكل لا يخفى على الملاحظة لإرادات وأصابع تتربص به من جهات شتى، من الدول الغربية بصفة خاصة، بحركة يبدو كما لو كانت منسَّقَة، ونجدنا بشكل مكشوف أمام نعرة إمبريالية من جديد، وما نحتاجه ويفرض نفسه الآن هو التذكير باستعادة الروح الوطنية”.
وعلى الرغم من وجود شوارع تحمل أسماء “الخطابي” و”أنوال” و”الهري” ورؤوس المقاومة المغربية، في كثير من مدن المغرب، وتنظيم بعض الندوات واللقاءات حول ذلك، قال الأكاديمي: “لا أرى أننا نقوم بما فيه الكفاية لتجديد هذا الوعي الوطني، والثقافة التاريخية للشباب، والأطفال خاصة فهم رجال الغد”.
واسترسل الأكاديمي المغربي قائلا: “ظرف 2021 يفرض علينا النظر إلى هذا الحدث، باعتباره حركة تحريرية للمغرب في كليته، وأن محمدا بن عبد الكريم الخطابي، وهذا واقعه وهكذا تحدث عن نفسه قبل المعتقَل، يتحدث ويتحرك باسم المغرب الأقصى. وهي روح وطنية في حاجة إلى من يُذْكيها ويذكّر بها، بمقاربة بيداغوجية في هذا الاتجاه، نحن في حاجة إليها، ولا أقول إن التاريخ يعيد نفسه، ففيه سيرورة وتحرك؛ لكن هناك نوع من التشابه”.
The post مئوية "معركة أنوال" ضد الإسبان .. هل تحتاج مقاومة الخطابي إلى إعادة قراءة؟ appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/2UzWAul
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire