"الخطافة" في مناطق سوس .. نقل سري يُشغل الشباب ويهدد حياة الركاب

النقل السري، أو ما يعرف في الأوساط الشعبية بـ”الخطافة”، ظاهرة أضحت منتشرة بشكل لافت في عدد من مناطق سوس، خاصة تلك التي تشهد تواجدا للعمالة الزراعية بشكل كبير، كاشتوكة آيت باها وتارودانت. كما لم تسلم منها بعض الحواضر، كأكادير.

ومما لا شك فيه أن ما أفرز هذه الظاهرة هو أزمة المواصلات؛ إذ تكاد تنعدم في القرى والمداشر والجبال، ليبقى النقل السري مرآة للخصاص في النقل العمومي. وفي الجانب الاجتماعي، تشكل الظاهرة مجالا، وإن كان غير قانوني، لعدد لا يستهان به من الأسر لكسب عيشها ووسيلة لمحاربة البؤس داخلها.

في اشتوكة آيت باها، أضحى انتشار أسطول سيارات النقل السري، ومعه أعداد كثيرة من الدراجات ثلاثية العجلات، معتادا. ويمكن رد ذلك إلى الكثافة السكانية المتزايدة بالمنطقة نتيجة وفرة فرص الشغل في المجال الزراعي، مما خلق حاجة ماسة إلى وسائل النقل، لا سيما وأن القطاع المهيكل، المتمثل خاصة في سيارات الأجرة، لم يستطع الاستجابة لهذا الطلب لاعتبارات متعددة، فكانت الفرصة سانحة لـ”الخطافة”، الذين رغم ما يشكلونه من خطر على أنفسهم وعلى الركاب ومستعملي الطريق عموما، بسبب الأسطول المهترئ وتجاوز الحمولة وغياب شروط السلامة، وغير ذلك، فقد أصبحوا أمرا واقعا.

محمد نظيف، سائق مهني في اشتوكة آيت باها، قال في تصريح لهسبريس إن “سائق سيارة الأجرة يشتغل في ظروف مزرية وإكراهات مادية ومعنوية مختلفة، منها ضعف المدخول وغياب التغطية الصحية لفائدة أفراد أسرته، وغيرها، ما يجعل غالبية المشتغلين في هذا القطاع يلجؤون في نهاية المطاف إلى العمل في النقل السري، وذلك لتجنب تلك الضغوط النفسية والمادية في القطاع المهيكل، وهنا أقول: يجب هيكلة مجال النقل السري”.

وأضاف: “نجد أن الخطافة يتجاوزون في كثير من الأحيان مجال اشتغالهم، إذا افترضنا أن لهم مجالا خاصا بهم، فيقتحمون بعض مجالات عمل سيارات الأجرة، كالطرق الوطنية والمراكز الحضرية، مما يجعل سائقي سيارات الأجرة يدخلون في مشادات معهم”.

وتابع نظيف قائلا: “يمكن أن نقبل مثل هذا النقل في المناطق التي لا تصلها وسائل النقل المقننة، كما أظهرت جائحة كورونا حاجة الطبقات الضعيفة إلى هذا النوع، وجرى تحديد عدد الركاب المسموح بنقلهم، مما أدى إلى الإقبال على الخطافة”.

ومن المشاكل التي يعاني منها السائق المهني، إلى جانب مشكل النقل السري، ذكر المتحدث لهسبريس أيضا، “النقل المزدوج، غير محدد الوجهة ولا عدد الركاب، أضف إلى ذلك حافلات النقل التي غالبا ما تتجاوز طاقتها الاستيعابية، مما يؤثر على مدخول السائق المهني ويضاعف معاناته مع التحملات المادية”.

وطرح نظيف كذلك، “مشكل غياب محطات لسيارات الأجرة، وعدم استفادة بعض الجماعات من الرخص المخصصة لها، كجماعة إنشادن في اشتوكة مثلا، دون أن ننسى وجود طاكسيات بمناطق أخرى، ككلميم، تعمل بنفس نمط النقل السري، وهو ما تتصدى له بعض الجمعيات المهنية”.

أما الحسين بسموم، فاعل جمعوي وحقوقي، فقال في تصريح لهسبريس: “على الرغم من أن هذا النشاط خارج القانون، بلغة مدونة السير، فهو يلعب أدوارا هامة وطلائعية، وله إيجابيات جمة قد تكون منعدمة في بعض الحرف القانونية، نذكر منها أنه مصدر عيش لمئات الأسر، في ظل غياب الإحصائيات الرسمية، والتعريفة المعقولة التي هي في متناول فئات عديدة من مستعملي هذا النوع من النقل، وعدم الأداء على الأطفال الصغار، على عكس سيارات الأجرة المرخص لها والحافلات، فضلا عن إيصال الخدمة في الغالب إلى منازل الزبائن أو على مشارفها، وهذا منعدم لدى سيارات الأجرة”.

ومن إيجابيات “الخطافة” كذلك، بحسب المتحدث نفسه، “التأهب الدائم لتقديم مجموعة من الخدمات ولو في ظروف الليل والساعات المتأخرة، يكفي فقط اتصال هاتفي ليفك كل المشاكل، إلى جانب خدمات أخرى وفي مختلف الأوقات، كالتبضع للغير وإحضار المستلزمات والأدوية وأداء فواتير الكهرباء والماء ولعب دور سيارة الإسعاف في بعض الأحيان”.

وتابع بسموم قائلا: “أرى أنها إيجابيات مهمة ربطت أواصر الصداقة التي تحولت إلى قرابة بين أصحاب سيارات النقل السري والزبائن؛ بحيث أصبح المساس بهم ومضايقتهم خطا أحمر، غالبا ما يتحول إلى احتجاجات ووقفات واعتصامات دفاعا عن هذا النشاط رغم عدم قانونيته”.

ومن الجانب الآخر، أقر الفاعل الجمعوي والحقوقي الحسين بسموم بأن النقل السري، “رغم إيجابياته العديدة، إلا أنه يكتنف ويكتنز سلبيات خطيرة، نجمل منها ما يلي: استمرار حوادث السير؛ بحيث تكون ضريبة استعمال هذه الوسيلة ثقيلة، خصوصا وأنها خارج القانون، الأمر الذي يجعل مصير ركابها فوق كف عفريت، بالإضافة إلى اهتراء وعدم صلاحية معظم السيارات المستعملة في هذا النشاط، دون إغفال بعض طرق تشغيلها التي تعتبر قنابل موقوتة غالبا، مع استمرار الاحتقان الأبدي بين أرباب سيارات الأجرة المرخص لها وأصحاب سيارات النقل السري المدعومين بالزبائن، مما يخلف اصطدامات قد تصل الى متابعات قضائية في غالب الأحيان”.

وختم بسموم تصريحه لهسبريس بالقول: “أمام الإيجابيات الكبيرة للنقل السري، خصوصا في المناطق النائية والوعرة أو الدواوير البعيدة عن الطرق الوطنية مسار سيارات الأجرة المرخص لها وكذا الحافلات، ونظرا لتشبث شريحة كبيرة بالعتّاقة أو الخطّافة، مما يفرض لزاما طغيان السلطة الجماعية، وفي تعارض تام مع قانون مدونة السير المانع للظاهرة، لا بد من إيجاد حلول ناجعة، وأقترح هنا منح رخص النقل المزدوج وتنظيمه، إحصاء العاملين في الميدان ومد يد المساعدة لهم في إطار برنامج وطني للتأهيل وتقنين وإضفاء نوع من الشرعية على القطاع، مع سن قوانين جديدة مرتبطة بالظاهرة، وتمديد مسار أسطول النقل العمومي إلى وسط الدواوير البعيدة عن الطرق الوطنية”.

The post "الخطافة" في مناطق سوس .. نقل سري يُشغل الشباب ويهدد حياة الركاب appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3qErj4S

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire