يكفي أن يقوم المواطن بجولة بسيطة ليقف على تهافت غير مسبوق على الأماكن العامة، سواء تعلق الأمر بالمقاهي أو الشواطئ أو الأسواق أو الحدائق.. بل إن بعض الناس يجتمعون بشكل مكتظ في أماكن لا معنى للتجمهر فيها ولا مبرر له. وسواء تعلق الأمر بجائحة كورونا أو “جائحة التهافت” فالنتيجة المحتملة هي العودة السريعة لاعتماد تدابير “الحجر” و”الحجز”، حيث “لا طير بإمكانه أن يطير ولا وحش بإمكانه أن يسير”.
الخروج السريع، والمتهافت، والازدحام المبالغ فيه، كلها مقدمات للعودة إلى الوراء، والجائحة ستصبح بمثابة الكارثة على الجيوب وعلى الأجساد المثقلة أصلا بهموم أخرى.
وقد تفاعل كثير من المواطنين باستخفاف مع البلاغ الصادر عن وزارة الصحة. وجرت العادة أن تصدر التحذيرات وقرارات الحجر بشراكة مع وزارة الداخلية، لكن التحذير هذه المرة لبس ثوب بلاغ قالت فيه “وزارة أيت الطالب”: “إن الرفع التدريجي لإجراءات الحجر الصحي لا يعني انتهاء جائحة كوفيد-19 وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، بل يستلزم ذلك انخراط الجميع في مواجهة هذه الجائحة بكل مسؤولية وروح وطنية للخروج ببلادنا إلى بر الأمان…”. وجاءت في البلاغ أيضا دعوة المواطنين إلى اتخاذ المزيد من الحيطة والحذر “لتجنب أي انتكاسة قد تعيد المغرب إلى نقطة الصفر من جديد، ولتفادي تدهور الوضعية الوبائية ببلادنا، خاصة في ظل ظهور متحورات جديدة للفيروس تتميز بسرعة الانتشار وانتقال العدوى”.
لم تقدم الوزارة أي توضيحات في ما يتعلق بشكل “التحور” وخطورته، كما لم يكن البلاغ بالصرامة اللازمة لإيقاف تدفق المواطنين، وإقبالهم على الأكل والتبضع والسباحة والتجول… بتهور كبير، فتواصلت المشاهد نفسها رغم التحذيرات. وربما لا يعلم كثير من المواطنين أن عدة دول اتجهت رأسا إلى إلغاء “الأنشطة الترفيهية” خوفا من اكتساح جديد لكوفيد 19، الذي طور نفسه لتجاوز “خطط المناعة” التي تم تسطيرها حتى الآن.
إغلاق دور السينما، ومنع الحشود، ومنع التظاهرات الكبرى…كلها إجراءات عادت لتسجل حضورها في بعض الدول، التي تتجاوز فيها نسبة التلقيح ما هو محقق في بلادنا. وإذا كان بإمكان المغاربة الافتخار بتلقيح ما يناهز ثلث المواطنين حتى الآن فإن شبح الانتكاسة مازال حاضرا، ولا يعقل أن يتم ردم كل النجاحات التي تم تحقيقها حتى الآن، تحت ركام الاستهتار، الذي يشكل المرتع الخصب لانتشار الوباء المتحور وغير المتحور.
هل يمكن للدولة أن تؤمن مزيدا من الدعم لبعض القطاعات والفئات التي لا يمكن أن تتعايش مع الجائحة؟ هل بإمكان البنية الصحية في بلادنا أن تتحمل ارتفاع عدد الإصابات؟ هل مازال بإمكان المواطنين الصمود أكثر.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بالمعطيات المتوفرة، والموسومة بالاستهتار والتهافت تؤكد التوجه حتما نحو “انتحار جماعي”، بمعناه الحقيقي والمجازي، إذا لم يدفع كل مواطن من جهته للحفاظ على هذا المكسب المتمثل في “تخفيف إجراءات الحجر الصحي والتنقل”، وهو الحل الوحيد لنقضي ما تبقى من العطلة في سلام، ولتعود الجالية المغربية من حيث أتت بسلام، وكل هذا الكلام يدخل في نطاق “تنظيم الاستهلاك لتجنب الهلاك”.
The post عودة الحجر الصحي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3AmJh0n
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire