أمام هذا التدخل القمعي المهول في حق احتجاجات الأساتذة المُسمون بالمتعاقدين في المغرب، الذي يقفز إلى العين مباشرة، لا يمكن للمرء أن يلجم لسانه: لا يمكن القبول اليَوم في دولة يُراد لها، على الأقل من طرف فاعليها التاريخيين المُفترضين، أنْ تكون حداثية أو بالأحرى ديموقراطية، في ظل عصر أصبح فيه الاحتجاج، أكان فردياً أم جماعياً، تأكيدياً أم رافضاً، والحالة هذه، لقرارات سياسية بعينها، حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، أو يُراد له أنْ يكون كذلك.. في ظل كل هذه الدينامية، لم يعد مقبولاً اليوم التعامل مع الأفعال الاحتجاجية بالقمع البوليسي وغيره، خاصة عندما يكون لهذا الفعل الاحتجاجي مطلب مشروع وواقعي، كما هو شأن مطلب الأساتذة المحتجين.
ألم يحن الوقت بعد لانفراج قضية الأساتذة الذي يسمون بالمتعاقدين أو “الذين فرض عليهم التعاقد” كما يفضلون تسمية أنفسهم؟ لأنهم يعون جيداً لُعبة التسمية وسُلطة العبارة. أولم تستجب إليهم السلطة الوصية بنظام “جديد”، كفيل على حد زعمها بدمجهم كأطر للأكاديميات الجهوية، الذي تعتبره كاستجابة لحل هذه المشكلة الشائكة؟
إن عبارة “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، بغض النظر عن احتجاجاتهم المتصاعدة، كفيلة بالرد على هذا المقترح المزعوم. أوليس ذلك واضحاً؟ إنهم يرفضون المقترح المعني، على اعتبار أنه لا يستجيب إلى مطلبهم المركزي، ألا وهو: الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية أسوة بزملائهم أساتذة ما قبل “التعاقد”، أو ما قبل “أطر الأكاديميات الجهوية”.
لقد حان الوقت لحل هذا المشكل، من خلال فتح السلطات المعنية لحوار وطني فعلي وعادل مع الأساتذة المعنيين، يأخذ بعين الاعتبار مطلبهم الجوهري. على أنْ يعمل الأساتذة المعنيين بدورهم على مبادرات من شأنها أنْ تقدم بديلاً للمقترح الذي قدمته سابقاً السلطة المعنية، المتمثل في “نظام أطر الأكاديميات الجهوية”، أو البحث عن توليف معين بين هذا الأخير ومطلب الإدماج في الوظيفة العمومية، كأنْ يعترف الأساتذة المحتجين بهذا النظام شريطة أنْ يعدل وفقاً للمزايا التي تقتضيها مقتضيات الوظيفة العمومية.
السؤال نفسه يُطرح على العديد من القضايا الشائكة، كما هو شأن قضية حراك الريف، وموجة الاعتقالات السياسية المتناسلة، … وغيرها من القضايا التي تتطلب إرادة سياسية فعلية للسلطة السياسية عندنا، أكانت مركزية أم هامشية.
ويبقى السؤال: هل تملك السلطة السياسية عندنا ما يكفي من الإرادة للاستجابة إلى متطلبات الفاعلين وتطلعاتهم، من إدماج الأساتذة في الوظيفة العمومية وتحريرهم من قبضة “التعاقد” أو ما يحل محله، إلى الإفراج عن فاعلي حراك الريف.. وغيرهم من المعتقلين السياسيين…، إلخ؟ هل يملك السلطان المركزي، الذي يعنف الأساتذة بهذا الشكل، ما يكفي من الشجاعة لكي يفتحَ الطريق أمام انفراج سياسي وطني، من شأنه أنْ يرسم الطريق أمام صياغة مغرب يستوعب كل المغاربة، بتطلعاتهم، ويخدم مصالحهم بما قد يعود عليهم وعلى بلدهم بالنفع؟ لأنه والحالة هذه، لم يعد مقبولاً اليَوم التعامل مع الأفعال الاحتجاجية السلمية بهذا العنف، ولو كان باسم حالة الطوارئ الصحية، خاصة عندما يكون القائد الفعلي لهذا الاحتجاج هو الأستاذ ولا أحد غيره.
فإما الاستجابة لتطلعات الأساتذة المحتجين عبر محاورتهم الفعلية والجدية أو البؤس المركب؛ لأن المسألة ليست مسألة توظيف أو تشغيل فحسب، وإنما هي مسألة منظومة تربوية ككل، تطال لا المدرسة الوطنية المغربية وحدها بقدر ما تطال بؤرة حركة المجتمع وتاريخانيته، أيْ فعاليته. يتعلق الأمر بالطفل بخاصة والمتعلم بعامة باعتباره اليوم الفاعل المركزي في أي عملية تحديثية.
وإنْ كانت مسألة التشغيل ليست مجرد مسألة عرضية، فبالشغل يخلق الإنسان ذاته، وبالتعليم يصوغ وعيه بشغله، أي وعيه بقدرته الخلاقة.
وعلى هذا النحو، فإن الدفاع عن الأستاذ المغربي هو بشكل أو بآخر دفاع عن الطفل/المتعلم المغربي، الفاعل الأساسي في المنظومة التربوية، بما هو دفاع عن المدرسة الوطنية المغربية، ومن ثم دفاعاً عن مجتمع مغربي ديموقراطي. فأنْ نكون ديموقراطيين اليوم معناه أنْ نعترف بأننا في مجتمع غير ديموقراطي.
The post دفاعاً عن الأستاذ المغربي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3ux5yoh
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire