لكل جواد كبوة، لكن قصة البعير مرتبطة بقشة، أدت إلى سقوطه.. وقد شهدت الأيام الأخيرة معركة حامية الوطيس بين الأحزاب السياسية حول ما سمي القاسم الانتخابي، على غرار المصطلحات الفضفاضة التي يتم ابتداعها مع كل محطة انتخابية؛ مثل “الشرعية الانتخابية” و”التناوب” و”التوافق” و”التغيير في إطار الاستقرار”.. غير أن ذلك لم يكن هذه المرة سوى “قشة” قسمت ظهر حزب العدالة والتنمية، بدليل أن سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، خرج ليقول بعد الهزيمة التي تسبق الهزيمة الانتخابية المتوقعة: “إن المصادقة على التعديلات التي جاءت بها بعض الفرق النيابية على القوانين الانتخابية تضمنت تراجعات خطيرة تمس بجوهر الاختيار الديمقراطي”.
وعلى الرغم من واجب “التحفظ” الذي يفترض أن تتميز به تصريحات رئيس الحكومة، فإنه فضل مهاجمة الجميع، ليطرح السؤال عن طريقة تفكير هذا الحزب الذي يريد أن يحارب الجميع ويهزم الجميع.. بينما هو مجرد رقم في معادلة سياسية معقدة، تمنع حتى الآن من فرز فريق حكومي منسجم.. وعلى الرغم من أن معضلة مهاجمة الجميع هي التي أنهت المسار السياسي لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، فإن القيادة لم تأخذ الدروس من ذلك.
لعل ما يجعل حزب العدالة والتنمية اليوم فاقدا لأي مصداقية هو أنه يقوم بنفس ما تقوم به الأحزاب الأخرى مع خلاف واحد، وهو الاختلاف في طريقة البكاء، حيث وجد هذا الحزب طريقة للبكاء دون إفساد الماكياج.. فحزب العدالة والتنمية هو الذي صوّت على فرنسة التعليم داخل البرلمان وعارضه في الشارع، وهو الحزب نفسه الذي وقّع على اتفاقية التعاون مع إسرائيل واستمر في البكاء بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو الحزب نفسه الذي قد يصادق على شرعنة زراعة القنب الهندي “الكيف”، وهو نفسه الذي سيبكي غدا أمام عدسات المواقع الإلكترونية.. وهذا الحزب هو الذي قبل بالتحالف مع هذه الأحزاب المشكلة للحكومة التي يهاجمها اليوم..
ولنفترض أن الأمر يتعلق بخيار ديمقراطي، ألا يفترض هذا الخيار احترام البرلمان، وهو التجسيد الحقيقي لإرادة الناخبين (أخذا بعين الاعتبار الأعطاب المعروفة)؟ ألا يفترض أن يخرج هذا الحزب للمعارضة، بعدما فقد “شرعيته السياسية”، وبعد ظهور فوارق مهولة بين الخطاب والممارسة؟..
إن التشبث بالكراسي هو آفة الأحزاب، وحزب العدالة والتنمية لم يعد استثناء من القاعدة، التي تقول إن أولاد عبد الواحد كلهم واحد. لذلك، فإن ما يقوم به منتسبو الحزب اليوم هو إساءة إليهم، قبل أن يكون إساءة إلى الدستور وإلى الممارسات الانتخابية.. إذ لا يمكن أكل الغلة وسب الملة في الوقت نفسه.. والمثل يقول: “ما شافوهمش يسرقون ولكن شافوهم يقسمون”، وأكبر سرقة تحدث اليوم هي “سرقة الإرادة الانتخابية”، والتي لا يمكن اختزالها بأي حال من الأحوال في حزب واحد.
The post "ما شافوهمش يسرقون ولكن شافوهم يقسمون" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/38qZUeT
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire