ذكرى "ثورة الياسمين" .. النموذج المغربي ينال الإشادة في منطقة تراكم الخيبات

في الذكرى الثالثة عشرة لـ”ثورة الياسمين” أو “ثورة 14 جانفي” التي شهدتها تونس في العام 2011 وأسقطت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، قبل أن تهب رياحها على دول أخرى على غرار مصر وليبيا واليمن وسوريا حيث خرج المواطنون إلى الشوارع للمطالبة بالكرامة والعيش الكريم وبإسقاط الأنظمة السياسية المستبدة والفاسدة، ما زالت التساؤلات تطرح بشأن ما تحقق مما سُمي حينها بـ”الربيع العربي”.

وفي وقت نجحت هذه الثورات بالفعل في إسقاط حكام مجموعة من الدول، الذين اختلفت مصائرهم ما بين السجن و”السحل” من طرف الثوار أو الاغتيال، إلا أن هذه الدول ما زالت تعاني من ويلات حروب أهلية وانقسامات سياسية حادة وتدخلات خارجية تعيق بناء مؤسسات الدولة الحديثة، فيما يظهر المغرب، الذي وصلته هو الآخر نسمات هذه الثورات مع “حركة 20 فبراير” إثر خروج المغاربة إلى الشوارع في 20 فبراير 2011 للمطالبة بـ”إسقاط الفساد والاستبداد”، كنموذج متفرد للدولة التي استطاعت أن تحافظ على استقرارها السياسي ووحدة وتماسك كل مكونات شعبها من خلال إقرار إصلاحات سياسية مهمة أثرت بشكل إيجابي في مسار بناء الدولة الجديدة التي حققت في ظرف وجيز إقلاعا اقتصاديا وتنمويا وتمكنت من تبوؤ موقع جيو-سياسي جيد في منطقة حبلى بالتحديات والتهديدات.

حقيقة ونموذج

جواد القسمي، باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قال إنه “في ذكرى ثورة الياسمين بتونس، وبعد مرور 13 عاما عن الشرارة الأولى لموجة الثورات التي اجتاحت العديد من الأقطار العربية، والتي تسببت في زلزال سياسي وجغرافي هز المنطقة، وأدت إلى انهيارات سريعة ومتتالية لأنظمة بدا الخلاص منها مستحيلا، يعود التساؤل حول مآلات الأمور وأحوال الديمقراطية والحرية ومعركة كسر الاستبداد”.

وأضاف القسمي أن “الحقيقة المُرة أن لا شيء مما رُفع من شعارات قد تحقق، بل كان زلزال الانتكاسات أقوى وأعنف، فالتظاهرات الشعبية الحاشدة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا تبعتها إصلاحات مخيبة للآمال في أحسن الأحوال، أو ردود فعل قمعية من أنظمة دكتاتورية، ولكن أيضا نزاعات دامية مازالت فصول بعضها قائمة لطخت آمالا وأحلاما بالديمقراطية والحرية”.

وفي المقابل، لفت المتحدث ذاته إلى أن “التجربة المغربية في التعامل مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، شكلت استثناء أعطى ثماره وجنب البلاد الاصطدام المؤدي إلى الأرض المحروقة، والنتيجة عبور آمن من اضطرابات [الربيع العربي] عبر استجابات سريعة لأعلى هرم في السلطة، من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية عميقة مكنت المغرب من إدارة التحولات السياسية والاجتماعية بشكل أفضل، وبالتالي تجنب الانزلاق إلى حالة من الاضطراب الكبير الذي شهدته بعض الدول العربية الأخرى”.

أوضح الباحث ذاته، في حديث مع هسبريس، أنه “أمام تعقد السياق السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية، وأمام التحولات السريعة والمتلاحقة، قد تظهر حالات جديدة من الاحتجاجات أو التغيير السياسي في المستقبل، وقد تتطور الظروف بشكل غير متوقع، مع بقاء القضايا الاجتماعية والاقتصادية الجوهرية هي الدافع الرئيسي وراء أي حركة احتجاجية”.

“خريف عربي” وفهم مغربي

أورد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن “تجربة الدولة المغربية في إدارة دفة الرياح العاتية للخريف العربي بشكل يضمن الاستقرار الإقليمي والأمن البشري للأمة المغربية بأبعاده المتعددة، لهي تجربة فريدة من نوعها سيقف التاريخ الإنساني طويلا أمامها كمرجع سياسي في تجنب مؤامرات الخراب والدمار التي استهدفت شعوبا قريبة لنا”.

وأضاف البراق، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الخريف العربي الذي انتهى بتقسيم الدول والحروب الأهلية والانقلابات وملايين اللاجئين، لم يجد ولن يجد له موقع قدم في أرض المغرب المقدسة، خاصة وأن بعض التنظيمات الكلاسيكية التي تبنت خطابات معينة خلال تلك الفترة لم تستطع تقديم إجابات حقيقية لإشكالات الشعب المغربي وظلت طموحاتها تتعارض مع طموحات الشعب المغربي في الكرامة والعيش الكريم”.
وأوضح أن “الدولة المغربية جددت خطابها فعلا وقولا في ظل تعاقد سياسي جديد مرتكز على هدف تحقيق طموحات النموذج التنموي الجديد برؤية واضحة وبخطوات استراتيجية والتزام سياسي ومسؤولية تاريخية”، لافتا إلى أن “الاستثناء المغربي أثناء موجة الخريف العربي تحقق بفضل قوة الدولة المغربية وبالتفاف الشعب المغربي حول مقدساته الوطنية واعتزازه بعمل مؤسساته السيادية، ثم باستجابة ملكية مسؤولة للمطالب المعقولة للشارع المغربي في ترسيخ واضح لمفهوم الملكية المواطنة التي تجسدت في خطاب 9 مارس التاريخي”.

وشدد الخبير في إدارة الأزمات على أن “الفهم الدقيق والعميق لطبيعة المرحلة آنذاك وحسن استخدام آليات الاستجابة لتفكيك المؤامرات التي استهدفت استقرار وأمن ووحدة الوطن، استطاعت معهما المملكة أن تتجنب سيناريوهات جد خطيرة وضعت من طرف دوائر دولية اعتمادا على ميكانيزمات الجيل الرابع للحروب التي بدأت في مؤامرة أكديم إزيك”.

وخلص البراق إلى أن “الدرس الوحيد الذي استشف من كل هذه المتغيرات هو أن المؤسسة الملكية تظل الضامن الأبدي للتوازن بيــن دولة قوية وعادلة ومجتمع قـوي ودينامـي، حيث إن المؤسسة الملكية بحضورها الفاعل والرمزي تكرس القيادة الوحيدة الضروريـة والمطلوبة لتحقيق الطموحات التاريخيـة الكبـرى للأمة المغربية وتتبعهـا وضمـان اسـتمراريتها”، مشيرا إلى أن “العديد من الأطراف الإقليمية والقوى الدولية ما زالت تفضل رؤية المغرب كدولة ضعيفة غارقة في صعوبات اقتصادية وأزمات اجتماعية وتجاذبات سياسية في سبيل البحث عن موطئ قدم في منطقة بالغة الحساسية بالنسبة للصراع الجيو-سياسي العالمي وحرب المواقع بين كبار العالم”.

تاريخ وإقلاع

إدريس أحميد، محلل سياسي ليبي، قال إن “الحديث عن التاريخ والحضارة والاستقرار السياسي يقودنا مباشرة للحديث عن المملكة المغربية التي لها إرث تاريخي طويل في تدبير مختلف المراحل السياسية وفي أحلك الفترات، حيث استطاعت أن تحافظ على استقرار نظامها السياسي ووحدتها واستمراريتها في ظل متغيرات كثيرة أطاحت بدول كبرى في غياهب اللااستقرار والفوضى”.

وأضاف أحميد، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الإرث الطويل، أضف إلى ذلك نجاح المغرب في تدبير واحدة من أحلك الأزمات التي عرفتها المنطقة العربية منذ سنة 2011 وإرساءه لأسس دولة الحق والقانون وصياغة وثيقة دستورية جديدة تستجيب لكل تطلعات وطموحات الشعب المغربي، كلها عوامل تجعل من المملكة المغربية دولة نموذجية في هذا الصدد”.

وسجل المحلل السياسي الليبي أن “المملكة المغربية شكلت أيضا نموذجا على مستوى الإقلاع الاقتصادي والتنموي، إذ استطاعت أن تواكب الإصلاحات السياسية التي أقرتها في سنة 2011 بإصلاحات اقتصادية موازية انعكست إيجابا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن المغربي وعلى تموقع الرباط في الخريطة الإقليمية والعالمية، هذا في وقت ما زالت فيه بعض الدول الأخرى التي وصلتها رياح الربيع العربي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية وبناء المؤسسات أو تتخبط في الأزمات والانقسامات السياسية والاقتتال العسكري”.

وأشار المصرح لهسبريس إلى أن “الدولة المغربية شهدت مراحل مهمة وقطعت أشواطا كبيرة في طريق الإصلاح السياسي”، مسجلا أن “وجود أحزاب سياسية مختلفة الإيديولوجيات والتصورات ساهم في تجاوز آثار الربيع العربي على المملكة، إذ إن وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد الاستفتاء الدستوري الذي شهدته البلاد ساهم في إقبال الأحزاب المغربية أكثر على العمل السياسي”.

وخلص أحميد إلى أن “الاستثمارات الكبرى التي تجذبها المملكة المغربية اليوم وتهافت المستثمرين الأجانب والقوى الدولية الكبرى على عقد شراكات اقتصادية وأمنية معها، لم يكن ليتأتى لو لا نجاح هذا البلد المغاربي في تدبير مختلف المحطات السياسة الكبرى التي مر بها، ونجاحه أيضا في تثبيت الاستقرار السياسي الذي يعد اليوم عاملا مهما في تحقيق أي نهضة اقتصادية أو تنموية، خاصة في ظل التطورات والتهديدات الأمنية التي تعرفها المنطقة”.

The post ذكرى "ثورة الياسمين" .. النموذج المغربي ينال الإشادة في منطقة تراكم الخيبات appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/O5c8uPM

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire