عبد الرحيم بنحليمة يواكب الحياة الفنية على سكتَي الإبداع والتقنية في كندا

طوّر عبد الرحيم بنحليمة ملكاته الفنية في المغرب قبل أن يعمل على صقل قدراته الإبداعية من خلال التكوين المقسمة مراحله الأكاديمية بين المدارس الفرنسية والتجارب التي تقدمها منظومة التأطير السويسرية. ومثلما تعلم فنيا في أكثر من بلد، أتت مراحل المراس موزعة على شطرين رئيسيين؛ الأول في المغرب، والثاني على مستوى كندا.

تعمل تجربة بنحليمة الفنية على إبراز ملكة الإبداع لدى الإنسان مع استحضار قدرات التقنية في الارتقاء بالفكرة وقت الإنجاز. كما تواظب هذه الممارسة، على مدى العقود التي استغرقتها، في ضرب مواعيد بين الجمهور ومنتجات حريصة على الاجتهاد في مواضيع محددة، واستعراض تجارب تبتغي، من بين أمور عديدة، الجمع بين تصميم الغرافيك والرسم بالأصباغ.

التقاط الشغف بالفن

ارتبط عبد الرحيم بنحليمة بالتحرك بين كل من مكناس وأصيلة والدار البيضاء والرباط حين استقراره في المغرب، حتى سنة 2009، قبل أن يعمد إلى الانتقال نحو الخارج، وتحديدا صوب أمريكا الشمالية، بغرض خوض تجربة جديدة على التراب الكندي، ومحاولة تحقيق حزمة من الأهداف التي يختلط فيها الشق الأسري بالعطاء الفني.

ويقول عبد الرحيم: ‘’تعلمت في مؤسسة مدرسية داخلية في أصيلة، وقد كان الجو في هذا الفضاء التربوي مساعدا على صقل شخصيتي، ثم انتقلت إلى ثانوية مولاي اسماعيل بمدينة مكناس، وهنا كان تدريس للرسم على يد أستاذ رأى أن ما أقوم به يمكن أن يسير بي نحو احتراف الفن التشكيلي”.

تحصل عبد الرحيم بنحليمة على شهادة الباكالوريا التقنية في تخصص الإشهار، ثم ارتأى أن يوسع آفاق تعامله مع الميدان الفني من خلال الإقبال على التكوين خارج المغرب، مستعينا في ذلك بمعطيات راكمها خلال أسفار سابقة نحو سويسرا، زيادة على معلومات كان يتوفر عليها في التعاطي مع ‘’الغرافيك’’، ليقرر التوجه إلى فرنسا بنية تحقيق المبتغى.

بين فرنسا وسويسرا

استقر عبد الرحيم بنحليمة سنة واحدة في مدينة ‘’أورليون’’ دارسا تصميم الغرافيك في فرنسا؛ ثم انتقل إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة في لوزان، على التراب السويسري، من أجل الحصول على تكوين جامعي يصقل المهارات في المجال نفسه. وبالتزامن مع هذا التأطير العالي، كان حريصا على تقوية الارتباط بالرسم خارج الأوقات المخصصة للدراسة.

ويستعيد بنحليمة ما جرى وقتها حين يقول: ‘’استفدت من منحة مغربية للدراسة خارج الوطن؛ لكن كلفة العيش في سويسرا كانت مرتفعة. لذلك اخترت أن أوفر جزءا من احتياجات المالية عبر ما يدره رسم الناس من مداخيل، وقد بقيت في لوزان حوالي سبع سنوات قبل الوصول إلى مرحلة التخرج”.

وفي الشطر الموالي من حياته بالخارج، توجه عبد الرحيم بنحليمة إلى مدينة ‘’إيبينال’‘، كي يوجد على التراب الفرنسي مرة أخرى، بغرض الحصول على الدبلوم العالي الوطني للفنون التطبيقية حول الغرافيك والمجال السمعي البصري، وقد ربط فترة التكوين النظري بأداء تطبيقي على صعيد مؤسسة RTL التلفزيونية في لوكسومبورغ، ثم عاد إلى المغرب.

الوجهة الكندية

حاول عبد الرحيم بنحليمة تقسيط جهوده للبذل على مستوى ثلاث جبهات مهنية في المغرب؛ من خلال وكالة أسسها للتعامل مع المحتويات الإشهارية التي يرغب المعلنون في تصميمها من خلال ‘’الغرافيك’‘، إضافة إلى تولي التدريس في عدد من المدارس الكائنة بمدينة الدار البيضاء، وأيضا المواظبة على عرض الإبداعات في ميدان الفنون التشكيلية.

في أواخر العشرية الأولى من الألفية الحالية، صار الفنان نفسه يميل إلى السفر من أجل اكتشاف آفاق مهنية جديدة، ثم حسم الوجهة بالمضي نحو العيش في مدينة مونتريال، فكان الانتقال إلى كندا يهم كافة أفراد أسرة عبد الرحيم بنحليمة؛ وجعل الفرصة مواتية، أيضا، لتطور بناته على صعيد الدراسات العليا في كيبيك.

ويورد المنتمي إلى صف مغاربة العالم في هذا السياق: ‘‘بحكم التمرس في تصميم الغرافيك والصباغة، وجعل كل واحد من الميدانين يغذي الآخر على الدوام، بلغت منسوبا عاليا من الجودة في المنتجات الدعائية وآخر أرفع ضمن الفن التشكيلي. كما أن التجربة في التعليم كانت تتيح إعطاء زخم التجربة بجانب نقل المغرب، وقد ارتأيت إمكانية تطوير العطاء في كندا”.

أبحاث فنية متواصلة

حرص الأداء الفني لعبد الرحيم بنحليمة على الارتباط بمنهجية إبداعية، خاصة أن الصلة قد حضرت بينه وبين الإبداع في موضوع الحرية وثقافة السلام، إذ بصم على ثلة من إسهامات في هذا الإطار وقت الاستقرار في المغرب، ثم رفض الانقطاع عن ذلك رغم الانتقال نحو الديار الكندية، مراكما إنتاجا غزيرة تستحضر ‘’رمزية الحمامة”.

يعترف الفنان عينه بأن الانخراط في العمل الجمعوي أسهم بكيفية إيجابية في تسريع التأقلم مع الإيقاعات الكندية. كما كان للعمل التطوعي قسط وفير من التوفيق في التقرب من الجمهور على صعيد كيبيك، زيادة على مساعدته في خلق تشبيك مع الفنانين الناشطين في مجالات متعددة بهذه البلاد.

ومن خلال مواصلة الأبحاث الفنية، استعمل عبد الرحيم بنحليمة رقمنة الأداء في مجال التصميم من أجل الخروج بموضوع دامج يوفق بين الفن التشكيلي والغرافيك، مرسيا إطار اشتغال إبداعيا اختار له تسمية ‘’Révélation’’، ينهل من فلسفة رواد التجريدية الهندسية لإغناء الفكرة، وإخراج المنتج الفني بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة.

تمرين في النقد الذاتي

يرى المستقر في كندا أنه عبَر ارتجالا نسبيا في تعاطيه مع الهجرة، كما يشدد على كونه اضطر إلى المقاومة مرارا وتكرارا حتى تغيب الجوانب السلبية لهذا الاختيار، وصولا إلى اعتبار أدائه خارج المغرب قد نجح في الوصول إلى أهداف عديدة كانت محددة سلفا؛ أبرزها نيل التوفيق على الجبهات الشخصية والتقنية والفنية.

ويقول عبد الرحيم بنحليمة: ‘’أرى أن الحصيلة الخاصة بي إيجابية رغم حاجة مثل هذه الطفرات، قبل وقوعها، إلى قيام المرء بما يكفي لجمع معلومات نوعية حول فضاء العيش البديل، وتكييف المعطيات بما يخدم القدرات الذاتية، وأخال أنني كنت سأصير ناجحا أكثر لو أخذت ما يكفي من الوقت في مرحلة التحضير”.

من جهة أخرى، يقر الفنان عينه بصعوبة مغادرة المغرب بعد كل الجهد الذي استغرقه إعداد الشخصية، والعناء من أجل التطور في الإبداعي، حيث يفضي هذا إلى التخلي عن الموقع في الساحة الفنية من أجل انطلاقة أخرى في بلد آخر، ويعلق: ‘’احتجت وقتا لتنمية اسمي في كندا، مرورا بمعهد للتكوين في الإبداع الرقمي، وأخال الأداء كانت ستكون له ثمار مغايرة لو كان في أمريكا”.

يوصي عبد الرحيم بنحليمة الراغبين في الهجرة إلى كندا باستدعاء العقلنة، رافضا أن يتم الاعتماد على الارتجال في السياق الزمني الحالي، مفضلا أن يتوفر المهاجرون على مشاريع مشخصنة تتسم بالوضوح في مراكمة المعلومات وتحليل البيانات، إضافة إلى رصد الفرص والتخطيط للمسارات، قبل وضع الأرجل خارج الوطن الأم.

كما يرى المبدع عينه أن الإنسان عليه أن يثق في ما يمكن أن يقدمه من إضافات رغم الثورات التكنولوجية التي غزت العالم، والمخاوف التي أضحت تثيرها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، معتبرا أن البشر يصير خاسرا أمام الآلة عند النظر إلى السرعة؛ لكن كل الربح في الآدميين عند النبش في روح الإبداع والابتكار، وهنا يجب أن ينصب التفكير للظفر بالتميز.

“ما هو أساسي يحكمه قانون الإبداع. أما الشق التقني فإن دوره يأتي في المرحلة الموالية. لذلك، فإن الطموحات يمكن جعلها شامخة من خلال تطوير المهارات في المجالات الرقمية والفورة التي تشهدها بكيفية يومية؛ لكن لا ينبغي إغفال الحضور المفصلي للإبداع، لأنه منتوج بشري يغري بالتنافس’’، يختم بعد الرحيم بنحليمة.

The post عبد الرحيم بنحليمة يواكب الحياة الفنية على سكتَي الإبداع والتقنية في كندا appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/sZ8x69U

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire