المعزوز: "طوفان الأقصى" كشف تواطؤ فلاسفة الغرب وسذاجة مثقفين عرب

قال الأكاديمي المغربي محمد المعزوز إن “طوفان الأقصى” وقصف إسرائيل المستمر على غزة والمواقف الغربية المؤيدة لهذا الأخير تكشف أن “أكبر خطأ للمثقف العربي أخلاقيتنا الساذجة بوزننا المعرفة بميزان المعرفة، وعدم وزنها بميزان السياسة والإيديولوجيا كما فعل إدوارد سعيد، وكأننا بذلك كنا نتواطأ مع هابرماس وقبله ليفيناس وغيرهما”.

جاء هذا في أحدث حلقات برنامج “في الاستشراق” الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان، وقال في تقديم حواره هذا: “ليس الانشغال بالاستشراق ترفا فكريا، أو استغراقا بالتاريخي والأكاديميّ، بل نواجه الاستشراق كخطاب وإيديولوجيا ومشروع سياسي كل يوم، وبعد ‘طوفان الأقصى’ وما تلاه من حرب إبادة على غزة وجدنا أنفسنا في قلب مشاكَلات استشراقية جديدة”.

وعلق المعزوز، المتخصص في الأنثروبولوجيا السياسية، على بيان تضامن الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مع إسرائيل في حربها على غزة قائلا: “بيان هابرماس فيه ثلاث نقط مستفزة، الأولى أنه أسماه ‘بيانا في التضامن’، وجنّد له ثلة من أهم الفلاسفة الألمان من تلامذته ليكون التبني جماعيا وغير مرتبط بشخص، بل بفكرة ألمانية، والثانية كتابته ودعمه بهتان ‘حق إسرائيل في الدفاع عن النفس’، والثالثة اعتباره كل عداء لإسرائيل عداء للسامية والإنسانية بصفة عامة، دون أن يذكر ولو بكلمة واحدة أطفال فلسطين وهم يذبحون، ونساء فلسطين وهن يغتصبن ويذبحن، ولم يذكر المأساة الحقيقية للفلسطينيين ولو أن البيان جاء بعد شهر من تراكم المآسي”.

وتابع المتحدث ذاته: “التمعن في أطروحة هابرماس يكشف أنها استشراقية بامتياز (…) والفلسفة الألمانية والغربية قائمة على المركزية. ورغم قوة هابرماس الفلسفية وكونه من الفلاسفة الكبار إلا أن طوفان غزة كشف بالملموس (…) ما قاله في ‘تاريخ الفلسفة والتصوف اليهودي’ الذي رغم انتصاره فيه للأخلاق التواصلية والحوار والمسؤولية، كما هي عند ليفيناس، يرى أن الفكر الفلسفي أو الفكر الإيجابي المنفتح قائم على المركزية الغربية والتلموذ، وفي حديثه عن التصوف اليهودي أقصى التصوف الإسلامي عريضَ الأثر الإنساني والتصوف الهندي، وبنى المركزية الأوروبية على الفكر اليوناني والمنظومة الأخلاقية اليهودية؛ وهو ما سيؤكده في كتابه الأخير المهم جدا ‘تاريخ الفلسفة’، الذي يرتكز على أن الثيولوجيا المركزية الغربية أساس التفكير الفلسفي، وغيرها اجترار”.

وواصل المعزوز: “هابرماس ينتصر للعقيدة والدين، وهذا يتناقض مع كل ما ذكره في الأخلاق التواصلية، وهو يجند أفكاره للدفاع عن أن الإسلام لا يصلح، وأن العرب همجيون، واليهود هم الأصل وفلسطين أرضهم. والخلفية الكبرى لهذا هي الفلسفة اليونانية، وهذا البعد استشراقيٌّ منذ إيرنست رينان ومن سبقوه”، كما نبه إلى “موقف جون بول سارتر من فلسطين وإدانته العرب، وحنة آراندت التي تحاول ممارسة الوجه والقناع في معالجة المسألة”، ليخلص إلى أن “ما قاله إدوارد سعيد صحيح حول الاستشراق وخلفياته، وما يحدث غربيا عند مفكرين حول فلسطين هذه خلفيته”.

ثم أردف الأكاديمي ذاته بأن كتاب ليفيناس “علم الأخلاق ومأساة الكينونة” يجعل المنظومة الأخلاقية الغربية في بعدها المركزي “مستمدة من التوراة والتلموذ، واعتبرها مؤسسة للغرب الديمقراطي والعالم، في مقابل أطروحة تشويشية بالنسبة له تتمثل في الفكر العربي والإسلامي، وهي أطروحة تناقض ما أسماها مسؤولية التعايش الكوني الإنساني عبر الحوار؛ فكيف يدعو لهذا مع إلغاء كل التراكمات الثقافية والفكرية للعرب والمسلمين واليهود والصين، وجعله من المركزية اليهودية في إطارها الغربي أساس كل الأفكار والديمقراطيات!?”.

واستحضر المعزوز أيضا برنارد لويس، الذي كتب 11 جزءا عن تاريخ الإسلام، “وكان قويا معرفيا وخبيثا سياسيا”، بتعبير ياسين عدنان. وقال المحاوَر: “لقد نظّر لكيفية تفتيت العرب، وقال لا بد أن يتم هذا فكريا، وأخذ هذا من إرنست رينان الذي قال إنه لا يمكن القضاء على الإسلام ما دام مرتبطا بالدولة، وكلما صار فرديا سهل ذلك؛ وفكرته أن تموت القضية الفلسطينية مع التاريخ. ونجح الغرب في أن يجعل القضية الفلسطينية تكاد تنسى مع التطبيع، وفضلُ ‘طوفان الأقصى’ إعادة القضية للواجهة”.

كما تحدث الأكاديمي عن كتاب رينان “ابن رشد والرشدية”، و”استمراره في تحامل توما الأكويني على الإسلام بجعله الفكر العربي الإسلامي باهتا، خوفا من اكتساح أوروبا”، وزاد: “أطروحة رينان ذكرت أن الإسلام سبب تخلف العرب والمسلمين، وأن القرآن وضعه بشري وفيه تناقضات، ومأخوذ من اليهودية والمسيحية، وما أنجز في الفلسفة العربية الإسلامية اجترار وتكرار لما طرح في الفلسفة اليونانية؛ وعلى هذا الأساس قال إن العقل السامي غير منتج والإنتاج ابن العقل الآري”.

واليوم يرى المتحدث ذاته أنه “حتى تنعت بالحداثي (في العالم العربي) لا بد أن تواجه الإسلام، ونردد ثقافيا (…) أطروحات القرآنِ المصنوع والتناقضات والنبي المِزواج؛ وهي أطروحات استشراقية مررت لنا وصرنا تابعين معرفيا وسياسيا”، وذكر أنه لا ينادي بالدفاع العقدي عن الإسلام، بل يقول إننا في المنطقة عرب وأمازيغ وأكراد وأقباط وغير ذلك، ومسلمون ثقافيا؛ و”إدوارد سعيد دافع عن الإسلام كثقافة وهو مسيحي (…) وما حدث في غزة وطوفان الأقصى ليس لحظة سياسية فقط لنا كنخب، بل علينا إعادة التفكير في علاقتنا بالغرب وبمثل هذه الأسماء (هابرماس، جون بول سارتر…)، رغم احترامنا العلمي لها، دون تواطؤ معها من حيث ندري ولا ندري؛ لأنها سياسيا وإيديولوجيا تذبح الفلسطينيين علميا ومعرفيا في كل كتاب وندوة”.

ومع استحضار أسماء مثل إدوارد سعيد، وعبد الله العروي، وهشام جعيط، ووائل حلاق، نبه المعزوز إلى أن الفارق الأصلي رغم أهمية أطروحات هؤلاء المفكرين أن “منظومة الاستشراق جماعية، كمعرفة شاملة تجند لها دول ومثقفون”، واليوم ولو أنه “يوجد يهود مثقفون لا يشاركون هذه الآراء، لكن المؤسسة الفكرية الأوروبية في إطار مركزيتِها متحيزة، وعلينا أن نعي هذا وندخله أذهاننا، والاستشراق راهن، وعلينا أن نتحدث عنه من خلال ممارسات وتصريحات هؤلاء”.

وشدد الأكاديمي ذاته على أن الأساس هو “الدفاع عن الهوية والمصير، فهذا الأخير في خطر، وحتى الذكاء الصناعي متحيز”، خاصة في ظل “الاستشراق الجديد غير المعلن، الذي هو إعادة فبركة للوعي العربي الإسلامي لإفراغه من وعيه الذي حدث بالتراكم الثقافي والتاريخ، ونسخه بوعي آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (…) ينتصر للمنظومة الغربية (التي أنتجت من يلذّ لهم التشبه بالكلاب في الفضاءات العمومية) للقضاء على المنظومة الأخلاقية العربية الإسلامية”.

The post المعزوز: "طوفان الأقصى" كشف تواطؤ فلاسفة الغرب وسذاجة مثقفين عرب appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/jBH8rvN

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire