مسارات مغاربة في مونتريال .. حسناء القادري الحسني ترتقي باحتراف الترجمة

نشأت حسناء القادري الحسني في أسرة تعرف إكراهات الاشتغال في العمل الإعلامي، باعتبار القادري الحسني الأب مسؤولا في الأداء الإذاعي، ثم مالت المرأة نفسها إلى دراسة البيولوجيا، وواكبت لاحقا الاشتغالات الضرورية لتسيير مكتب يقدم خدمات في مهنة ليبرالية، ثم حضرت التطورات كي تصير حسناء مستقرة خارج المغرب ومرتبطة بميدان الترجمة.

تلوح تجربة هذه الكندية ذات الأصل المغربي مصدر إلهام على أكثر من مستوى، إذ تبعث طاقة إيجابية بالنظر إلى المجهود المبذول في التحصيل حتى الظفر بدكتوراه في تخصصها الأكاديمي، من جهة، مثلما تغدو مضرب مثل لحرص الأم على التضحية بالفرص التي تأتي أمامها، وضبط سرعة التطور وفق ما يلائم البقاء في مواكبة الصغار.

تنقلات متتالية

ازدادت حسناء القادري الحسني في مدينة الدار البيضاء، وفيها استهلت الطور الدراسي الابتدائي، ثم انتقلت إلى طنجة حيث كبرت بفعل الاستقرار سنوات طويلة، مع إنهاء مرحلة التعلم الإعدادية ونظيرتها الثانوية، ثم توجهت صوب الرباط من أجل التكوين في كلية العلوم بجامعة الحسن الثاني في تخصص البيولوجيا.

وتقول حسناء: “أنحدر من فاس، المدينة التي غادرها أبي في سن الخامسة كي يستقر مع العائلة بالدار البيضاء. وكانت أسباب هذا الانتقال مرتبطة بالإيقاع العام الناجم عن ممارسات سلطات الحماية الفرنسية وقتها، لكنني من مواليد العاصمة الاقتصادية للمملكة، ولدي مجموعة من الذكريات الطفولية السعيدة فيها”.

تولى القادري الحسني الأب مسؤولية الإذاعة الجهوية عين الشق في الدار البيضاء، وانتقلت معه أسرته حين توجه نحو إذاعة طنجة، وهناك تحصلت حسناء على شهادة الباكالوريا، ثم بدأت دراسة البيولوجيا في مدينة تطوان قبل أن تحاول استكمال مسار التعليم العالي في جامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط.

رحلة في اتجاه واحد

ارتبط حسناء الحسني باشتغالات في مكتب للهندسة المعمارية بمعية زوجها، إذ استغرقت قرابة 10 سنوات في تولي مهام مساهمة بفعالية في حسن سير عمل المكتب، خاصة ما يتعلق باستقبال الزبائن، إضافة إلى الإشراف على ضبط العمليات المحاسباتية، والانتقال إلى تطوير الرسومات بالعتاد الإلكتروني زمن بداية الحضور المعلوماتي في التدبير على صعيد المغرب.

وتعترف حسناء بأن الأمور الشخصية والمهنية كانت جيدة في تلك الفترة، ولم تكن هناك أي دواع للتفكير في التغيير من خلال الانخراط في تجربة الهجرة إلى كندا، ثم تزيد: “كانت تصلنا أصداء عن أمريكا الشمالية عموما، خاصة ما يرسم صورة جميلة عن كندا باعتبارها فضاء للحريات ومشتلا

لمستقبل زاهر في شتى المجالات، وقد ملأت أسرتي استمارة الهجرة بكيفية هزلية قبل أن تصير الأمور جدية”.

وتكمل الحسني القصة بقولها: “كانت لنا صلة بصاحب مكتب محاماة في كندا يقوم بالوساطة لجلب المستثمرين، وقد اقترح علينا المساعدة في القيام بالإجراءات المطلوبة للحصول على وثائق الإقامة هناك، وكانت النتيجة توصلنا برد إيجابي في ظرف 6 شهور، وبعد فترة من التفكير ارتأينا الذهاب للاستفادة من الجنسية ثم العودة إلى المغرب، لكن التأقلم مع الوضع كسر المخطط”.

الارتباط بمجال الترجمة

حاولت المستقرة في كندا منذ بداية القرن الحالي أن تستفيد من التكوين الجامعي دون الإخلال بالتزامات الأمومة، ومن أجل البصم على خيار عقلاني حرصت على الاستعانة بخدمات خبير في التوجيه الدراسي، مع التصريح بالقدرات التي تتوفر عليها حتى تغدو الفرص المتاحة أكثر وضوحا، وكانت النتيجة الحصول على الإجازة في الترجمة بحلول سنة 2004.

استكملت القادري الحسني التكوين بالتسجيل في ماستر للترجمة بجامعة مونتريال، وفي الفترة عينها حصلت على عقد عمل مع المؤسسة نفسها كي تؤدي خدمات ذات صلة بتصحيح الامتحانات، ثم تولي مهام مرتبطة بالتواصل مع الطلبة الجدد عند بداية الموسم الجامعي كي تأتي الانطلاقة بأقل قدر من العثرات.

“ركزت على الجبهتين الدراسية والمهنية، دون التفريط في واجباتي الأسرية التي تتيح رعاية الأبناء بكيفية سليمة، ثم أتيحت لي فرصة الانخراط في التدريس ضمن التعليم العالي عقب تسجيلي في الدكتوراه، كما تطور عملي الميداني في مجال الترجمة، من 2010 إلى الآن، بناء على تعاقدات مع فاعلين متنوعين”، تكشف حسناء القادري.

على جبهات متعددة

حصلت المنتمية إلى صف الجالية المغربية في كبيك على الدكتوراه في الترجمة سنة 2015، وكانت الأطروحة عن دور المترجمين الفرنسيين في خدمة التوجهات السياسية لباريس من خلال جمع المعلومات في فترة استعمار المغرب، وقد عرفت لجنة المناقشة حضورا مغربيا، بصفة العضوية لمراد زروق من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في طنجة.

وأنهت حسناء القادري الحسني التواجد في ميدان التدريس الجامعي كي يتاح لها التركز جيدا في الأعمال التي تقوم بها بناء على طلبات من المحاكم أو هيئة الهجرة، وتنتج بجودة عالية الوثائق المترجمة لصالح فاعلين متنوعين بينهم مكاتب للمحاماة، وأيضا إمكانية الحضور في المواعيد التي تقتضي اللجوء إلى الترجمة الفورية.

تتعامل المغربية نفسها مع 22 لهجة في العربية، ولا تكتفي بتعابير الدارجة المغربية وحدها، وبجانب ذلك كل من الفرنسية والإنجليزية، بينما تمتد التزاماتها المهنية، على سبيل المثال لا الحصر، إلى تدريس الفرنسية لأجانب غير ناطقين بها يعملون في شركات كبرى بمونتريال، وأيضا تعليم العربية للمحامين الراغبين في توسيع دائرة التعامل مع الجاليات المنحدرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عقلنة الطموحات

تعتصر حسناء الحسني تجربتها لتعلن كندا بلدا يمنح أشياء كثيرة للمكافحين والمجتهدين والمثابرين، سواء كانوا من أبناء البلد أو من الوافدين عليه بنية تقديم قيمة مضافة للمجتمعات المحلية في هذه الدولة الفيدرالية، مشددة على أن التواجد في هذا الحيز الأمريكي الشمالي يجعل الناس، من بين أمور أخرى، خارج أي حدود تعيق التعلم.

كما تؤكد المولودة في الدار البيضاء أن طموحاتها في كندا لا يختلف بناؤها عن الطريقة التي كانت مفعلة وقت الاستقرار في أكثر من حيز جغرافي بالمغرب، إذ كانت هذه الطموحات تكبر مع توالي التنقلات المكانية والزمانية، كما تتم تغذيتها حتى تتصاعد كلما جرى استيفاء جزء وافر من الأهداف المرجوة، والمحدد الأساسي لها يكمن في تأسيسها على المعرفة حتى لا تحيد عن العقلنة.

وتقول حسناء: “مازلت أتعلم كي أطور نفسي يوميا، وأبتغي الوصول إلى أفضل مستوى لتتوسع مداركي وتتقوى مهاراتي في التعامل مع الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، لذلك لا أخجل في البحث عن نيل دروس إضافية في المجالات التي استشعر ضعفي فيها، أو كلما ملت إلى تعميق مستوى المعرفة في ما يهم ميدانا من الميادين”.

محاولة اعتلاء الهرم

المستقرة في كبيك منذ حلول سنة 2000 توصي المهاجرين الجدد، الراغبين في إثبات الذات من خلال خوض التجربة في المنطقة ذاتها، بضرورة تحديد أهدافهم بكيفية واضحة قبل الرحيل الفعلي عن أرض الوطن الأم، مع الحرص على جعل الأهداف عينها مرتبة وفق الأولوية؛ وحسب ما يخدم ثبات الوافد على الأرض التي اختارها لتصير فضاء عيش بديل.

كما تورد القادري الحسني، في السياق نفسه، أن الحرص على التفكير بمنطق الأولويات يتيح للناس نسج الأهداف في شكل مخططات هرمية، بها أعداد من الدرجات تزيد أو تنقص وفق ما يناسب إيقاع كل فرد والقدرات التي يملكها، بينما اعتلاء هذه اللبنات بتوازن وثبات يجعل الاقتراب من القمة مكرسا مع توالي الخطى ومرور الزمن.

“الفعل الإنساني يرتبط بمحددات كثيرة أينما كان، لكن التخطيط يقلص حضور العشوائية ويتفادى الزيغ عن المسار المختار. وفي حالتي كانت العناية بأبنائي أولويتي، وقد حاولت أن أتطور شخصيا ومهنيا دون أي مساس بالالتزام الأساسي، وعلى المنوال نفسه حاولت مسايرة الإيقاع في المراحل الموالية”، تختم حسناء القادري الحسني.

The post مسارات مغاربة في مونتريال .. حسناء القادري الحسني ترتقي باحتراف الترجمة appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/4EQPHIm

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire