وسيلة التازي تساهم في تقريب مكونات وروافد الهوية المغربية بكندا

استنشقت رئة وسيلة التازي الهواء أول مرة خارج المغرب، وبعد الحصول على تكوين علمي إلى جانب رصيد مهني وازن في الوطن الأم، عادت المرأة لتعبر الحدود من جديد بحثا عن آفاق أرحب تتيح لها التطور بمعية أسرتها الصغيرة، وتسطر على الهامش قصة موازية لتعامل المكون الإسلامي في الهوية المغربية مع الرافد اليهودي الذي يغني التنوع في المملكة.

إلى جانب الالتزام بالاشتغال في مجال التنظيم التربوي للتعليم العمومي في مدينة مونتريال، تقتطع التازي جزءا من وقتها كي تخصصه للعمل التطوعي الرامي إلى التقريب بين المسلمين واليهود أكثر فأكثر، وجعل كل شريحة من هؤلاء المغاربة قادرة على التعبير عن أفكارها مع الإصغاء بهدوء إلى ما تقوله الفئة الأخرى.

من روما إلى الدار البيضاء

كبرت وسيلة التازي ضمن أسرة مرتبطة بالأداء الدبلوماسي الرسمي، وقد رأت النور على التراب الإيطالي بحكم اشتغال والدَيها في السفارة المغربية بروما ذلك الوقت، وبعد قضاء السنوات الأولى من طفولتها متنقلة بين بلدان في أوروبا الغربية، انتقلت إلى بلد الأصول من أجل التطور دراسيا وإطلاق مسيرتها المهنية.

تقول وسيلة: ‘’أصلي من مدينة فاس، لكنني من مواليد إيطاليا بحكم اشتغال الأب والأم في المجال الدبلوماسي حينها، ورافقت أسرتي للعيش أيضا في البرتغال، وحين انتقلنا معا إلى فرنسا كنت قد وصلت إلى سن التمدرس، ما دفعني إلى الانطلاق في التعليم الابتدائي بهذا البلد قبل استكمال التعلم في المغرب’’.

التحقت التازي بصفوف التعليم العمومي في مدينة الرباط، وانتقلت بنجاح بين الفصول حتى دخلت ثانوية مولاي يوسف العريقة في العاصمة، وبعدما حصلت على شهادة الباكالوريا قصدت المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المقاولات، المعروف اختصارا باسم ‘’ISCAE’’، لاستيفاء التعليم العالي في الدار البيضاء.

اشتغالات قبل الهجرة

بعد استكمال وسيلة التازي التكوين الاقتصادي والمالي الذي رغبت في الحصول عليه، تدرجت مهنيا في مجموعة من الشركات بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، وقد تواجدت في مناصب المسؤولية بمهام أبرزها التسويق والتواصل والعلاقات العامة، حيث ارتبطت 10 سنوات مع ‘’بيرليِي’’، التي كانت تتولى تمثيل شاحنات ‘’رونو’’ في السوق المغربية، في منصب مديرة التسويق.

بحلول المرحلة اللاحقة، انتقل المسار المهني لوسيلة إلى مجال تنظيم التظاهرات الكبرى كي تتعامل مع محطات وطنية ودولية عديدة، انطلاقا من مدينة الدار البيضاء، كما تواجدت في مجموعة من الأنشطة التطوعية مع مؤسسات غير ربحية متنوعة، مثلما شاركت، على سبيل المثال لا الحصر، في إنجاح أنشطة جهوية مع العصبة المغربية لحماية الطفولة.

تورد التازي في هذا الإطار: ‘’مرت الأعوام بكيفية جيدة في المغرب، ما أفرز طموحات تراهن على المزيد من التطور على مستوى أسرتي الصغيرة، وهذا ما دفعني بمعية زوجي، ونحن نرعى طفلة عمرها سنتان في ذلك الوقت، أن نتخذ القرار بالهجرة إلى كندا، وفي هذا المستقر الجديد رزقنا بابنين آخرين’‘.

التنظيم التربوي في مونتريال

تشتغل وسيلة التازي محللة للنظام التربوي في اللجنة المدرسية لمدينة مونتريال، وهي مؤسسة تدبيرية للكبيك تعادل أكاديمية جهوية للتربية والتكوين وفق التقسيم المغربي، وينكب أداؤها في موقع المسؤولية، خلال الظرفية الحالية، على التدبير الإداري لكل مدارس القطاع العمومي بالحاضرة نفسها.

تشرح وسيلة الصلاحيات الموكولة إليها في اللجنة نفسها بالقول: ‘’ينتظر من هذه المسؤولية القيام بأدوار مفصلية في تنظيم الأداء التعليمي، أولها ضبط عدد المتمرسين في كل قسم على حدة، ثم مجموعة من العمليات المرتبطة باحترام حاجيات التلاميذ من أجل ضمان تكافؤ الفرص، وما يعني ذلك من خلق للمساواة في حظوظ النجاح بين الجميع’’.

‘‘أشتغل على رأس فريق يتولى التحليل التنظيمي للوصول إلى أنجع التدابير الإدارية في المؤسسات التعليمية، ولا يرتبط ذلك بالصغار وحدهم، وإن كان التركيز يتم عليهم لمعالجة الاختلالات المؤثرة، بل يمتد الأداء إلى الموارد البشرية لضمان اشتغالها في ظروف مواتية كما وكيفا، وما يتطلب هذا من توفير الأطر القادرة على المواكبة بسلاسة’’، تضيف التازي.

إطار للمسلمين واليهود

تكتسب وسيلة صفة العضوية في ‘’ذاكرة وحوار’‘، الإطار الجمعوي الذي رأى النور قبل سنوات بمبادرة مشتركة بين مسلمين ويهود من الجالية المغربية في كبيك، ما يجعلها تشارك في أنشطة ميدانية وأخرى عن بعد من أجل التعريف بالتنوع الثقافي في الوطن الأم وسمات التعايش في أحضان المجتمع المغربي.

بخصوص هذا الأداء، تذكر التازي: ‘’الجمعية لديها رئاسة مشتركة يتولاها مسلم ويهودي دفعة واحدة، وقد أدت وفاة الرئيس المسلم إلى كبح نشاطها، مثلما تأثرت الاشتغالات بقيود الجائحة سنة 2020، ثم جاء حاليا وقت استئناف ما كنا نقوم به، ويعد المركز الثقافي دار المغرب فضاء شريكا لنا لأنه يحتضننا وكل الضيوف في صالون رائع يبعث الراحة والفرح في الآن نفسه’’.

وتشدد المستقرة في كندا منذ 25 سنة على أن علاقتها باليهود نسجت على مراحل عدة؛ بدءا من قصص الجدة التي كانت تستعيد ما يقع مع جارتها اليهودية بفاس، وصولا إلى استقبالها في كندا من طرف معارف يهود مغاربة يسروا اندماج أسرتها في البيئة التي انتقلت إليها، وتقول: ‘’لمست في معرفتهم الطيبة والافتخار بالمغرب، وهناك من يصوم معي بعض أيام رمضان، ومنازلهم ما تزال مزينة بصور السلطان محمد الخامس’’.

لا حاجة إلى إسرائيل

لا ترى وسيلة التازي أن الاتفاق الموقع بين تل أبيب والرباط قد كان له أثر في تعامل المغاربة اليهود والمسلمين فيما بينهم، وتواصل في هذا الإطار: ‘’قد يكون التغير مرتبطا بتطوير النقاش بعد التوقيع على الاتفاق في 2020، وفيه يحضر الإصغاء للناس بخصوص المغرب وإسرائيل والقضية الفلسطينية أيضا، لكننا في الحقيقة نعرف بعضنا البعض منذ زمن طويل، ولدي علاقات مباشرة مع اليهود منذ الوصول إلى كندا قبل ربع قرن’‘.

وتزيد وسيلة: ‘’لا نحتاج إلى إسرائيل كي نبني علاقاتنا بصفتنا منحدرين من أصل مغربي، واليقين أن روابطنا قائمة منذ قرون، ولا نحتاج إلى اتفاق مع أي كان في تل أبيب كي نتقرب من بعضنا البعض كمغاربة، لأن ما يجمعنا فعلا يمكن رصده جليا في ما نتقاسمه على مستوى الأكل والكلام والطقوس والتقاليد وغير ذلك’’.

من جهة أخرى، تكشف التازي أن الرهان الحالي لـ’’ذاكرة وحوار’’ ينصب على الجيل الطري من المسلمين واليهود المغاربة لتمكينه من إعادة اكتشاف ثقافاته الأصلية، ولأجل ذلك تم وضع برنامج ‘’جسور’’ لربط الاتصال بين الشريحتين في كل من كندا والمغرب، بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ويتم تسطير مراحله على شق ثقافي ينفذ عن بعد، وآخر ميداني يتمثل في تبادل الزيارات واللقاءات وجها لوجه.

الهجرة والطمأنينة

تعتبر وسيلة التازي أن الانتقال إلى كندا برغبة في الاستقرار الدائم يحتاج اصطحاب مخزون كبير من الصبر، والبداية يجب أن تكون من الاعتياد على نمط الحياة وخصوصيات الطقس المرتبطة بهذه المنطقة من أمريكا الشمالية، مع التعقيب على ذلك بتحقيق الاندماج في المجتمع وكسب ثقة الناس المتواجدين على مقربة من مكان العيش.

تقول الخبيرة في الإدارة التعليمية بمدينة مونتريال: ‘’إن حضور الجالية المغربية على امتداد التراب الكندي يتيح للوافدين الجدد إمكانية الحصول على تواصل مفيد مع مواطنيهم الذين سبقوهم إلى هذه البلاد، لكن الاندماج الفعلي يحتاج وقتا، مثلما يقتضي التدرج المهني تغييب الحرج عن القيام بأعمال بسيطة يمكنها أن تبرز القدرات’’.

‘’أوصي القادمين إلى أمريكا الشمالية بالتطور عبر البوابة الدراسية، والحرص على بذل مجهودات مضاعفة للحصول على ثمار مستقبلية وافرة، خاصة أن السياسات العمومية الخاصة بالهجرة تمكن الطموحين الجديين من نيل فرص ملائمة للارتقاء المالي والاجتماعي. أما المجتمع، فإنه يحترم المعتقدات ويدبر الاختلافات جيدا، كما أنه حريص على العيش في طمأنينة ولا يقبل من يعاكس هذا التوجه’’، تختم وسيلة التازي.

The post وسيلة التازي تساهم في تقريب مكونات وروافد الهوية المغربية بكندا appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/arZWOCh

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire