هسبريس تكشف خيوط عشر سنوات من تدبير المغرب لملف المهاجرين "الشائك"

الساعة تشير إلى الخامسة فجرا، والشمس لم تسطع بعد على الدواوير الموجودة بضواحي مدينة أكادير قبل أن تباشر الأنامل السمراء التي التقيناها الكد في الحقول، والتقاط حبات الطماطم لتحصيل قوت اليوم. طوابير حواجب معقودة تحجب عن الأعين بريقها وتبقيها ذات خمار أسود. نظرات تسأل المدد، وأياد مجعدة تتمسك بالشاحنات العابرة بين حقول آيت عميرة، علّ تلك الطماطم المقطوفة تقطف لهم مستقبلا يغير حياتهم كمهاجرين قطعوا البر وعبروا البحر بحثا عن الاستقرار والكرامة.

فتحنا دفتر الذكرى العاشرة لسن سياسة جديدة للهجرة بالمغرب من أجل تقديم حصيلة عقد من الزمن لاستراتيجية وطنية أعطى انطلاقتها الملك محمد السادس سنة 2013، بعد تقرير أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعنوان “من أجل سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء”، تلاه نقاش وطني حول الموضوع، تبنى على إثره المغرب استراتيجية جديدة للهجرة واللجوء، اعتبرها مسؤولون دبلوماسيون التقيناهم نموذجية، إذ أن “المغرب تلقى طلبات من بعض الدول من أجل الاستفادة من تجربته، كما أن بعض الدول كليبيا طلبت من المنظمة الدولية للهجرة أن توجهها إلى بعض التجارب في التعاطي مع موضوع الهجرة عبر العالم، فاقترحت عليها المنظمة المملكة المغربية”، يقول مسؤول ديبلوماسي.

عشرات المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء التقتهم هسبريس وحاورتهم ضمن تحقيق بالصوت والصورة، سلطت خلاله الضوء على حكاياتهم المختلفة مذ وجدوا أنفسهم ضحايا الاستغلال والاتجار بالبشر وقوارب الموت إلى أن وصلوا إلى المغرب باحثين عن الاستقرار والاندماج أو العبور نحو أوروبا.

كشفنا في هذا التحقيق، رفقة مختلف المسؤولين والقطاعات الوزارية، عن آخر الإحصائيات والمعطيات المرتبطة بحصيلة برامج إدماج المهاجرين في مختلف المجالات والقطاعات الاجتماعية المهمة، سواء المتعلقة بالتربية والتعليم أو الصحة أو التشغيل. كما سلطنا الضوء، رفقة وزارة الداخلية، على حصيلة مكافحة الاتجار بالبشر وعمليات إنقاذ المهاجرين في عرض البحر.

أما تفاصيل حكاية الاندماج في المجتمع، فقد ابتدأتها من اخترنا لها وصف بطلة هذه الحكاية، الطفلة هديل، التي روت لنا في دقائق معدودة عن التعايش والصداقة والتضامن المغربي، وشرحت ببراءة الصغار وبراعة الكبار في حوارها مع الطفلة آوا القادمة من الكاميرون حصيلة برامج إدماج المهاجرين، خاصة في مجال التربية والتعليم.

من منتصف الطريق

“c’est mieux que rien” (ليس عملا سهلا، لكنه أفضل من لا شيء) عبارة لخصت فيها بينتو مسار عدد من المهاجرين الذين بلغوا منتصف الطريق، فهم لم يحصلوا بعد على وظائف قارة تؤمن لهم الاستقرار، كما أنهم لم يختاروا الارتكان إلى زاوية مظلمة للتسول وانتظار لحظة العبور نحو أوروبا، “on faisait le salam alaykom en route ” تقصد بينتو قبل أن تقرر التوقف عن ذلك ومباشرة العمل في الحقول الزراعية كي تتمكن من تربية أبنائها وضمان قوت يومها.

ترجو الشابة الثلاثينية القادمة من الكونغو، رفقة زوجها وطفليهما، أن يتم احترام شروط وساعات العمل داخل الحقول، وأداء أجور العاملين في الوقت المحدد بدل تأخيرها، وأن تتحسن الأوضاع نحو الأفضل، خاصة بالنسبة لمن لهم رغبة كبيرة في الاستقرار والاندماج في المجتمع المغربي.

76 درهما هي أجرتهم لليوم، يقول “إ. ك”، وهو مهاجر شاب طلب منا عدم مواصلة الحديث أمام أنظار سائقي الشاحنات التي تقلهم إلى الحقول تجنبا لحدوث مشاكل بينه وبين رب العمل بسبب تصريحات تحدث فيها عن جوانب مظلمة ونقط قصور تواجهه في العمل، فواصلنا الحديث معه بين جدران زقاق ضيق.

بالنسبة إلى “إ. ك”، فإن حياة المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء صعبة، لذلك يحتاجون بعد وصولهم إلى دول الاستقبال التوفر بشكل ملح على عمل يوفر لهم الحد الأدنى حتى يتمكنوا من ضمان قوت يومهم. “إخوتنا يفقدون حياتهم في رحلة العبور ويتعرضون لعدة مخاطر”، يقول “إ. ك”.

صعوبة العبور وذكريات فراق أصدقاء ابتلعهم البحر ودفنهم التراب في طريق عبورهم، لم تمنع موديبو من أن يظل وفيا للامتنان ولو بقدر، “oui ça se passe un peu bien “، يقول واصفا ظروف العمل في الحقل بوجه متخف وراء قناع سميك كي لا يضطر في كل مرة إلى إماطة العرق عن جبينه بسبب الركض بين أشجار الطماطم التي يجنيها والصناديق التي يملؤها مقابل درهمين ونصف درهم لكل صندوق.

كي لا نضيع عليه ما يجني من دراهم خلال ساعات عمله، حاورناه باستعجال ونحن نصاحبه من شجرة إلى أخرى، ظلت كل واحدة منها شاهدة على تجربة انتقاله من مالي إلى المغرب عبر رحلة طويلة عبر فيها مالي والجزائر وموريتانيا والكوت ديفوار… ولم تكن بالنسبة إليه أصعب من كونه ثلاثيني انفصل عن والديه في الخامسة عشرة من عمره بحثا عن طوق النجاة.

“أسرعوا يا أصدقاء”، بصوت عال ينادي المسؤول عن الحقل الذي يحوي فقط مهاجري دول إفريقيا جنوب الصحراء. تخترق النداء أصوات الصناديق التي تتسابق نحو جرار أحمدو، الرجل الخمسيني القادم من الكوت ديفوار تاركا خلفه خمسة أطفال وزوجة، والذي قال إنه لا يجد العمل الذي يقوم به صعبا، عكس بعض المهاجرين الشباب الذين تحدثوا عن صعوبات تتعلق بطول الساعات ووتيرة العمل داخل الحقل، الذي تمكنا من ولوجه بعد عدة ساعات من المحاولة بسبب عدم رغبة أرباب العمل في فتح أبواب حقولهم أمام عدسة الكاميرا.

اندمج أحمدو بسهولة، كما أن تشابه الثقافة في بعدها الديني يسرت تواجده بالمغرب، ومشاركة المغاربة مناسباتهم الدينية وأعيادهم. وعكس من قدموا إلى المغرب من أجل العبور نحو أوروبا قدم السائق، الذي احترف قيادة الجرار، إلى المغرب من أجل الاستقرار.

حياتهم خارج الحقول

تترك بينتو وكل الأمهات العاملات في الحقول أطفالهن في منازل يعتبرنها حضانات لأطفالهن، تقوم النساء اللواتي لا يستحملن العمل في الحقول بكرائها، وقد تجنبنا تصويرها لأسباب لها علاقة باحترام الخصوصية، وكذلك لعدم توفر الوقت الكافي لدى الآباء الذين أدلوا بتصريحاتهم لنا سريعا قبل التوجه إلى الشاحنات في الحقول.

“يومنا عبارة عن عمل بالحقول وعودة مرهقة لإعداد الطعام ثم النوم استعدادا لليوم الموالي”، تقول بينتو بملامح غاضبة ممتعضة، وأنفاس متقطعة أرهقتها المسافات وحكايات الحدود والخوف من المجهول. تتبعها “ف. ت” القادمة من البلد نفسه، والتي حولنا لها الميكروفون لتتحدث عن قصة الدلو الممتلئ بأكل برتقالي اللون والموضوع على قارعة الطريق في انتظار الشاحنة. تقول إن مقاديره جنوب إفريقية ورائحته مغربية، تعده كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم، وإن باغتها النوم تستيقظ قبل الخامسة فجرا ساعة الخروج لانتظار الشاحنات، فتعد الطعام وتملأ الدلو. وتضيف “أعده لنسد به الرمق في لحظات التوقف الخاطفة. نتناول تلك القطع ونواصل القطف وحمل الصناديق”.

معظم من التقيناهم يعودون إلى منازلهم المتفرقة بين أكرام ودواوير متواجدة بجماعة آيت عميرة، وهم يعتمدون أسلوب السكن الجماعي لتخفيف النفقات، باستثناء من يشكلون أسرا مكونة من أزواج وأبناء، إذ يصعب في هذه الحالة مشاركة المنزل، تقول بينتو.

“إ. ز” وبينتو وموديبو وآخرون يرجون الحصول على فرصة كتلك التي استفاد منها المهاجرون سنتي 2013 و2017 حين قام المغرب بتسوية وضعية حوالي 50 ألف مهاجر.

آخر المعطيات

التقينا بمسؤولين في وزارة الخارجية (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) ممسكين بملفات لها علاقة بالهجرة واللجوء، فطرحنا عليهم أسئلة بخصوص حصيلة سياسة المغرب في مجال الهجرة واللجوء، وبرامج الإدماج، وعمليات التسوية.

واحد منهم أكد أن “موضوع الهجرة، الذي تنشط حوله الدبلوماسية المغربية على المستوى الدولي، انطلاقا من مبادئ متعلقة بالسياسة الخارجية للمغرب، موضوع يجب التعامل معه بشكل عقلاني، وهذا كان جزءا من الترافع المغربي في المحافل الدولية خلال سنتي 2006 و2007″، مبرزا أن “المغرب يشدد دائما على أن التعامل مع إشكالية الهجرة لا ينبغي أن يكون فقط تحديا، وإنما أيضا فرصة. كما يتعاطى مع الموضوع بمقاربة إنسانية تضامنية وليس فقط من الزاوية الأمنية، في الوقت الذي كان ينظر إلى الهجرة بوصفها تهديدا للقيم والمجتمع والاقتصاد وسوق الشغل”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن المغرب كان دائما ينظر إلى الأمر بتوازن دون سذاجة، ووفق مقاربة عقلانية موضوعية دون تسرع ودون أحكام مسبقة، معتبرا أن النقطة الفارقة التي شكلت منعطفا جديدا في تعامل المغرب مع المهاجرين وامتد أثرها على المستوى الدبلوماسي هي الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء لكونها غدت الطرح المغربي الدبلوماسي بعناصر تنسجم والمبادئ التي تنبني عليها المقاربة المغربية بخصوص الهجرة.

وأضاف أن “الطرح المغربي مبني على تراكم، ويشكل نموذجا في هذا الموضوع”. قبل أن يتابع متسائلا “كم عدد الدول، مثلا، التي تقوم بعملية تسوية وضعية المهاجرين، وتنفذ برامج للإدماج في التعليم والصحة والشغل وتيسير الولوج للعدالة…؟”، مشيرا إلى أنه “ظهر بشكل جلي كيف يتم تمكين المهاجرين من الخدمات الصحية، وبصفة رسمية خلال فترة الجائحة، من خلال الولوج إلى اختبارات “كوفيد- 19″ وإلى التلقيح بدون تمييز، وبدون الأخذ بعين الاعتبار الوضعية القانونية، إذ لم نسمع عن وجود مهاجرين ضمن الوفيات”.

حملنا هذه المعطيات وحاولنا البحث عن إحصائيات رسمية حول نسبة ولوج المهاجرين إلى الخدمات الصحية في السنوات الأخيرة من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، فوجدنا صعوبة كبيرة في الحصول على معطيات دقيقة في هذا الإطار، إذ لا تزال المنظومة المعلوماتية الخاصة بالوزارات والمؤسسات المعنية بحاجة إلى الاشتغال على هذا الموضوع، وإعداد قاعدة بيانات من أجل جعلها في متناول طالبيها، سواء الصحافة أو المؤسسات الشريكة التي تعمل في مجال الهجرة واللجوء.

وبالرغم من الصعوبات حصلنا على معطيات رسمية تهم الخدمات الصحية المقدمة إلى هؤلاء المهاجرين من مصدر مسؤول بقطاع المغاربة المقيمين بالخارج، التابع لوزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، تفيد أنه خلال عام 2022 تم تقديم حوالي 57912 خدمة صحية للمهاجرين في مرافق الرعاية الصحية الأولية، وأن 17997 مهاجرًا استفادوا من الخدمات المقدمة من البرامج الوطنية للصحة، وأن 2188 مهاجرًا استفادوا من الخدمات الاستشفائية.

ووفق المعطيات ذاتها، فقد استفاد 60338 أجنبيًا، ضمنهم نسبة مهمة من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، من حملة التطعيم ضد فيروس “كوفيد- 19” (2021-2022)، إذ استفاد 60338 أجنبيا من الجرعة الأولى، و54442 أجنبيا من الجرعة الثانية، و28256 أجنبيا من الجرعة الثالثة، و1107 أجانب من الجرعة الرابعة دون تمييز.

في الحوار الذي جريناه مع المسؤول بوزارة الخارجية، قال إن المغرب دولة لا تملك الكثير من الإمكانيات وتواجه تحديات مرتبطة بسوق الشغل، لكن رغم ذلك تعمل على تنزيل برامج الإدماج، مضيفا أن “أطفال المهاجرين يتحدثون بالدارجة المغربية، ويلجون التعليم بدون شروط، ويتواجدون بشكل كبير في مراكز الاتصال والفنادق وغيرها من المهن”. وهذه الأرقام والإشارات ليست محض الصدفة، بل تفسر مقاربة المغرب، وكيف ينظر إلى موضوع الهجرة، يتابع المسؤول ذاته.

أنا هديل وهذه صديقتي آوا

بكثير من البراءة جسدت الطفلة المغربية هديل نموذجا للمحبة الإنسانية العابرة للحدود واللون والهوية. “فينما كنمشي كتبعني، وكتبغي تكون ديما معايا”، تحكي هديل عن صديقتها القادمة من الكاميرون آوا، فترد الأخيرة “أجل أحب أن أكون إلى جانبها لأنها صديقتي وأريد أن أظل دائما بجانبها”.

ونحن نلج المؤسسة التعليمية 6 نونبر بمدينة الرباط استقبلتنا ابتسامات من ولدوا من آباء وأمهات مهاجرين قدموا من مختلف دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل الاستقرار بالمغرب. انتقلنا بين الفصول الدراسية ومختلف المستويات، وشاركنا الحديث مع آوا وبليسينج وزميلها الذي يساعدها في كل مرة استعصت عليها مادة من المواد، خاصة مادة اللغة العربية.

تركنا عدسة الكاميرا مفتوحة أمام آوا وهديل، التي كانت تسأل وصديقتها من الكاميرون تجيب حول الألعاب التي يتشاركانها، ولحظات الاستمتاع خلال فترات الاستراحة، وكذا لحظات الدراسة وإعداد الواجبات المدرسية بشكل مشترك، ثم اتصال آوا للاستفسار عن سبب غياب هديل إن رأت مقعدها فارغا.

أما بليسينج التي تحلم بأن تكون محامية، فقالت إن حلمها من أجل “أن أدافع عن مهضومي الحقوق، ولأنني أحب أن أقدم الخير”. وقد عبرت بكل عفوية عن سعادتها بتواجدها بصحبة أساتذتها وأصدقائها في الفصل، عبر ابتسامة لم تفارقها ونظرات لامعة تمسح ملامح التلاميذ المتواجدين في الفصل، وبقولها إنها تشعر أحيانا بأنها مميزة ومحبوبة لدى أساتذتها لخصت قصة اندماجها.

عبد الكريم بوكير، مدير المؤسسة التعليمية المتواجدة بمديرية الرباط، قال إن المؤسسة تستقبل أبناء المهاجرين من دول السنغال، ليبيريا، أنغولا، الكونغو الديموقراطية، مالي وغيرها، وتعمل على إدماجهم خلال الستة أشهر الأولى، ثم يصير التعامل معهم بعد ذلك كباقي التلاميذ، ويخضعون للامتحانات كباقي الأطفال، باستثناء مادة اللغة العربية التي يتم تكييف أسئلتها حسب المستوى المناسب لكل تلميذ منهم، مسجلا أنه ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي يصبح عدد مهم منهم قادرا على المواكبة، قبل أن يشير إلى أن تلميذة حصلت على معدل 08,00 في مادة اللغة العربية وتتكلم بها.

أما فيما يتعلق بمادة التربية الإسلامية، وبالنظر إلى اختلاف ديانات التلاميذ المهاجرين، فقال بوكير: “نحترم الديانات الأخرى باتفاق مع آباء وأولياء التلاميذ، إلا أن عددا من الآباء يفضلون أن يستمتع أطفالهم بالقيم الدينية الإسلامية”.

وحسب معطيات رسمية حصلنا عليها من أكاديمية جهة الرباط سلا القنيطرة، فإن معظم أبناء المهاجرين المتمدرسين بالجهة متمركزون بالرباط، وعددهم 44 تلميذا من جمهورية الكونغو برازافيل، بينهم 27 تلميذة، إضافة إلى 36 من الكونغو الديموقراطية، ضمهم 23 تلميذة، و31 تلميذا من الكوت ديفوار، من بينهم 8 تلميذات، و23 تلميذا من غينيا، ضمنهم 16 تلميذة، فيما بلغ عدد التلاميذ الأجانب من جنسيات أخرى 24 تلميذا، بينهم 9 تلميذات، إضافة إلى 37 تلميذا من سوريا، ضمنهم 23 تلميذة.

معطيات ذات طابع وطني قدمها لنا مصدر مسؤول من قطاع المغاربة المقيمين بالخارج تؤكد أنه تم تسجيل 4590 طفلا مهاجرا في التعليم الرسمي، من بينهم 21 بالمئة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، للعام الدراسي 2021-2022.

كما تم تسجيل 218 طفلا مهاجرا في التعليم غير الرسمي، من بينهم 115 طفلا يستفيدون من مدرسة الفرصة الثانية – جيل جديد، بنسبة 90 بالمئة من المهاجرين الجنوب الصحراويين، للعام الدراسي 2021-2022.

التشغيل والمقاولة

جوتيي وأيستو نموذجان لقصص نجاح بدأت من نقطة الصفر، ووصلت إلى تأسيس بيت وعمل قار بأجر محترم.

جوتيي الذي خبر الليالي الباردة بمحطة الحافلات بإنزكان وأرصفة الشوارع بأكادير ونواحيها، تطلب منه الأمر حوالي ثلاث سنوات من أجل إيجاد عمل في مركز للاتصال يوفر له دخلا مريحا، بعد حصوله على بطاقة الإقامة خلال عملية التسوية الثانية سنة 2017.

الشاب الثلاثيني، الذي تشارك في بداية مساره مع صديقه المهاجر أعمالا بسيطة كمساعدة المغاربة على حمل الأكياس في الأسواق والتنظيف والعمل في الحقول الزراعية، قال إن حياة المهاجر ليست سهلة، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المهاجرين، الذين يلتقيهم في إطار الجمعية التي أسسها من أجل مساعدة المهاجرين الوافدين على جهة سوس، لديهم رغبة في العمل والاستقرار بالمغرب، لكن عدم توفرهم على بطاقة الإقامة يعيق ذلك.

طرحنا سؤالا بخصوص إمكانية فتح المجال لمرحلة ثالثة من أجل تسوية وضعية المهاجرين على مسؤول بوزارة الخارجية، فأكد أن “هذه القرارات تتخذ لدى أعلى سلطة بالبلاد، كما تم الأمر خلال المرحلتين السابقتين”. قبل أن يضيف “مقارنة بدول أخرى ليس هناك أي بلد قام بتنزيل هذا الشكل من التسوية وبشروط سلسة، إذ استمرت العملية طول السنة، وليس فقط ثلاثة أشهر على غرار بعض التجارب، ثم بعد الانتهاء من عملية استقبال طلبات التسوية كانت هناك لجنة للطعن تقدم بعض الاقتراحات كأن تتم تسوية وضعية جميع النساء، بالرغم من عدم توفر جميع الشروط، والأشخاص الذين يتوفرون على مستوى تعليمي محدد، وبالتالي كانت هناك سلاسة خلال هذه العمليات”.

أيستو، القادمة من السنغال، استفادت من عملية التسوية الأولى سنة 2013، وأسست تجارتها الخاصة في مجال التجميل. وقد استمرت حوالي سنتين في إحضار مواد التجميل وبيعها قبل أن تستأجر صالونا للحلاقة والتجميل تمكنت بفضله من توسيع شبكة علاقاتها بمدينة تمارة، ومن السفر إلى السنغال لإحضار ابنتها التي كانت تعيش رفقة جدتها هناك في انتظار استقرار وضعية أيستو.

أولى خطوة خطتها السيدة الأربعينية نحو النجاح، وقبل أن تحصل على بطاقة الإقامة، وقعتها سيدة مغربية قدمت لها يد المساعدة. “أنا أعتبر تلك السيدة ملاكا”، تقول أيستو في وصف المغربية، التي قدمت ذات يوم ودون موعد إلى منزلها وطرقت بابه ورحبت بها في الحي وسألتها إن كان بإمكانها تدريس ابنتها اللغة الفرنسية مقابل أجر شهري. “كانت بالنسبة لي فرصة العمر، وافقت فورا، وبت أتردد على منزل السيدة، التي لم تكن تدعني أدفع درهما واحدا من أجل اقتناء ما أحتاجه. كانت تقوم بكل شيء من أجلي، بدءا بالطعام اليومي وليس انتهاء بخدمات الصحة والتداوي”.

تواصلنا أزيد من مرة مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات من أجل الحصول على آخر المعطيات فيما يتعلق بإدماج المهاجرين في سوق الشغل، إلا أنها رفضت تقديم أي معطيات. لذلك توجهنا إلى مصادر دبلوماسية مسؤولة قدمت لنا معطيات دقيقة بهذا الخصوص. وقد سجلت أن 1024 مهاجرا هو عدد المهاجرين المسجلين في بوابة الوكالة الوطنية لتشغيل الكفاءات برسم عام 2022، مبرزة في هذا الإطار أن 146 مهاجرا استفادوا من ورش البحث عن وظائف الذي تشرف عليه الوكالة، وتم إجراء 221 مقابلة لتحديد المواقف، فيما تم توظيف 16 مهاجرا في سوق العمل.

من جهة أخرى، كشفت المصادر ذاتها أنه تم التأشير على 491 عقد عمل لأجانب برسم عام 2022، يشملون 87 بالمئة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وبشكل رئيسي جمهورية الكونغو الديمقراطية والكوت ديفوار. كما تمت تسوية وضعية 91 مهاجرًا على بوابة “الأنابيك” للاستفادة من خدمات المقاول الذاتي. وقد تمت في هذا السياق مرافقة 74 مهاجرًا حاملًا لمشروع، وتم إنشاء 37 شركة عام 2022.

عبور بطعم الاتجار بالبشر

تعرفنا رفقة طمطو، الذي التقيناه بمدينة إنزكان، على تفاصيل رحلة الموت التي يواجهها المهاجرون الذين يمرون عبر ليبيا. الحديث خلال 30 دقيقة حمل معجما مليئا بموضوعات السلاح والمافيا والفدية.

طمطو وصل إلى المغرب بعدما كاد يفقد قدميه حينما حاول الهروب من عصابة تتاجر في المهاجرين بليبيا. إذ تم القبض عليه من طرف أفراد العصابة ووضعوا قدميه تحت آلة خاصة بقطع أجزاء الحديد. “وصلنا إلى الحدود الليبية الإيطالية وفوجئنا بمافيا مكونة من عدة أفراد قاموا بضربنا واختطافنا نحو منطقة بعيدة عن النقطة الحدودية التي كنا نتواجد بها، وكانوا في كل مرة يستغلوننا للقيام بأعمال البناء”، يحكي طمطو بنبرة تبدو راضية، لكن حجم المأساة والتعود عليه يجعل الإنسان يحكي صورا بشعة بهدوء.

الشاب العشريني الذي قطع الكاميرون نحو نيجيريا فالنيجر والجزائر ثم ليبيا، تمكن من الهروب خلال محاولته الثالثة. ولكون الطريق نحو إيطاليا كان أقرب إلى الموت منه إلى البلد الأوروبي، فقد عاد إلى الجزائر وعبر إلى وجدة قبل أن يجد المستقر في أكادير، ويباشر العمل في إطار الجمعية التي أسسها جوتيي وأصدقاؤه، في انتظار أن يجد عملا أو يتحقق حلمه في الحصول على بطاقة الإقامة.

آخر المعطيات المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر وشبكات الجريمة المنظمة لتهريب المهاجرين حصلنا عليها من مسؤول بوزارة الداخلية، تفيد تفكيك حوالي 1500 شبكة خلال السنوات الخمس الماضية، ضمنها 290 شبكة عام 2022، و117 شبكة عام 2023.

فيما كشفت معطيات رسمية أن الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر أسفرت عن 131 ضحية عام 2020 مقابل 423 ضحية عام 2019. معظم الضحايا الأجانب يأتون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، فيما تمت متابعة 138 شخصا عام 2020 مقابل 307 أشخاص عام 2019.

نقطة سوداء

نجح المغرب في تنزيل عدد من البرامج المتعلقة بإدماج المهاجرين وفق ما أظهرته الأرقام والمعطيات التي قدمها مسؤولون حكوميون ودبلوماسيون في هذا التحقيق، إلا أن التحديات المرتبطة بإشكالية الهجرة لا تزال تتطلب بذل المزيد من المجهودات.

وأنت تتجول في شوارع يعقوب المنصور بالرباط تلمح من حين إلى آخر أيادي ممدودة في أرصفة الشوارع تسألك المدد، قدمت من إفريقيا السمراء بحثا عن العبور نحو ما يعتقده بعضهم فردوسا أوروبيا كما هو الشأن بالنسبة لقاصرين صادفناهما أمام إشارة ضوئية يسألان السيارات المارة بضعة دراهم، فطرحنا عليهما السؤال بشكل مقتضب في تبادل لم يدم أكثر من 30 ثانية: ماذا تفعل في الحياة؟ فقال محمدو: “أنا لا أقوم بأي شيء، أنتظر فرصة العبور نحو إسبانيا”. قالها وهو يلتقط الدراهم الممدودة إليه مبعدا وجهه عن زجاج نافذة سيارتنا.

ووفق ما أكده المسؤول بوزارة الداخلية، فقد تم تسجيل حوالي 366،000 محاولة فاشلة للهجرة غير الشرعية خلال السنوات الخمس الماضية، فيما تم تسجيل 70.781 محاولة سنة 2022، و25.519 محاولة سنة 2023.

وقد تم صد حوالي 100 محاولة هجوم من طرف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء على السياج الشائك في سبتة ومليلية، تشمل حوالي 17,500 مهاجما، 16 منها تمت عام 2022، ومحاولة واحدة عام 2023.

وفيما يتعلق بعمليات إنقاذ المهاجرين في عرض البحر، فقد أسفرت الجهود المبذولة من طرف البحرية الملكية عن حوالي 90 ألف عملية خلال الخمس سنوات الماضية، من بينها 12.478 عملية إنقاذ سنة 2022، و3.150 عملية سنة 2023.

The post هسبريس تكشف خيوط عشر سنوات من تدبير المغرب لملف المهاجرين "الشائك" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/TKRyW7z

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire