هاني: عاشوراء ذكرى مقتل الحسين في كربلاء وفرصة لإظهار الحزن المطلق

من المعروف أن المغاربة الشيعة لا يحتفلون بعاشوراء لكونها تشكل حدثا حزينا يعكس مقتل الحسين في حادثة كربلاء. توجهت هسبريس بسؤال إلى إدريس هاني، الباحث في الدراسات التراثية، حول أصل هذا الموضوع؛ فاعتبر أنه “ليس ممكنا “تطييف” عاشوراء، لكون الحدث الحُسيني متجاوز للمذاهب والطوائف في مبتدأ الحدث”، مفيدا بأن “مأساة الحسين في كربلاء فرضت وضعية تاريخية لا يمكن تجاوزها من خلال إيديولوجيا وخطاب التجاهل الممنهج”.

وأفاد الباحث المغربي، مفسرا: “فعاشوراء، التي تشكل فرحا بالغا بالنسبة لبعض الشرائح، هي حزن مطلق بالنسبة لفئة أخرى. ولن أقول السنة أو الشيعة، لأنني أرفض التصنيف؛ بل إن اختزال الحزن والتضامن مع هذه المأساة التاريخية والإنسانية في طائفة معينة هو سياسة عزل أموية فرضت على هذه المأساة”، مشددا على أن “قضية عاشوراء تحيل إلى تراجيديا كبرى، استطاع الامام الحسين أن يستنقذ من خلالها قيم التحرر والكرامة من يد الجهاز الأموي بقيادة يزيد”.

وذكر صاحب كتاب “حين بكتك محاجرُ القصيد” أنه “في تلك المعركة التي كان الحسين ينادي فيها القوم: فكونوا أحرارا إن كنتم عربا كما تزعمون، فكانت لحظة اختبار سلب ممن خذله تقوى الإسلام ومروءة العرب؛ في هذه اللحظة، دافع الحسين عن كرامة الأمة وحريتها حين أدرك أن يزيد قد ركز بين السلة والذلة، فكانت مأساة إنسانية قتل فيها الشيخ والرضيع، أقصد عبد الله الرضيع الذي قتله بسهم مسموم حرملة بن كاهل الأسدي”.

وبالنسبة للمتحدث، فإنه “قلّ من يعرف أن هذا الرضيع هو حفيد الشاعر العربي الكبير امرئ القيس من جهة ابنته الرباب زوجة الإمام الحسين”، مشيرا إلى أن “كل هذا الظلم ألهم ألمهاتما غاندي، فيما صرح به حين قال: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر”؛ وهو ما حرك ضمائر كل مؤمن بمذهب ما. ولذلك، لا يمكن أن يحتفل المغاربة المؤمنون برواية معاكسة للرواية السائدة، بالعكس هو يوم نكد ويوم مسجل في التاريخ حين تم الإجهاز على حركة لاعنفية”.

وذكر المغربي المهتم بالفكر الإسلامي أن “حركة الحسين استطاعت أن تجعل من العنف الذي وقع عليها شهادة على نكسة أمة سرعان ما تداركها التوابون في سلسلة ثورات، وهي تعويضات عن الخذلان الذي عانى منه ابن النبي”؛ ولهذا يبدو لهاني “أننا أمام ثنائية الخفة والثقل لدى ميلان كونديرا. هذه الثنائية التي ينتصر فيها الثقل؛ بحيث إننا أمام خيار الفرح الخفيف والحزن الثقيل، لأن من يفرح ويحتفل يؤمن برواية ومن يحزن ويتألم يؤمن برواية أخرى أثقل عنوانها حادثة كربلاء”.

ومن ثم، قال هاني إنه “كان واجبا أن يتم اختيار الحزن؛ لأن الحدث، لا من حيث قيمة البيت الذي وقعت عليه المأساة وهو البيت النبوي، ولا من حيث ثقل المأساة، ولا من حيث المحنة التي ارتهن بها تاريخ الإسلام، وجب اختيار ثقل الحزن والعبرة وتأمل الحدث، لأنه حدث معنوي غني وعميق بالدلالات. وهذا ما عرف به الكثير من المغاربة تاريخيا كلما وصل العاشر من محرم من كل سنة، فتكون الذكرى عامرة بالألم”.

ويعود صاحب كتاب “خرائط أيديولوجية ممزقة” للتذكير بأنه في “المغرب هناك أيضا من يفرح، وذلك حسب الوعي القصدي بالقضية. والذين يعدونه احتفالا، يفعلون ذلك بناء على حكاية تاريخية أخرى؛ لكن قضية الحسين قضية مرتبطة بالحدث الإسلامي من موقع رئاسة الحسين لآل البيت يومها، وهو البيت المحوري في حركة الإسلام. وحتى في الأندلس هناك تقاليد حزن عبرت عنها بعض الأشعار الأندلسية”.

ولفت الباحث المغربي إلى أن “المغاربة عانوا من البيت الأموي.. والمولى إدريس “مؤسس دولتهم”، الذي كان شيعيا، قاتل الأمويين وقبلهم العباسيين. ويكفي الشاعر العربي دعبل الخزاعي الذي اعتبر مأساة معركة فخ التي نجا منها المولى إدريس بن عبد الله، في سياق هذه المحنة، حين قال في تائيته الشهيرة: قبور بكوفان وأخرى بطيبة… وأخرى بفخ نالها صلوات”.

في النهاية، تبين كل هذه الإفادات أنه حزن عارمٌ بالنسبة للمغاربة الشيعة من حيث حمولته التاريخية والفلسفية؛ لكن هاني يصر على أن يختم قائلا: “الحسين أكبر من لعبة التطييف، فهو حدث إنساني اشتمل على كل القيم الإنسانية من الحرية والكرامة والعدالة، وهو أكبر حتى من حركة التوابين والثورات الاستدراكية. الحسين للأمة كلها، وعاشوراء هي يوم حزن على المصاب ووفاء التضحية.

وتساءل هاني في ختام دردشته مع هسبريس: إذا لم تبك على الحسين، فعلى من ستحزن وتبكي، في أمة تعددت مقاصدها واختلت معاييرها؟ وأي وفاء لأمة لا تحزن على تراجيديا قادتها ونبلائها؟ مضيفا: “أننا بطريقة أو بأخرى ما زلنا أوفياء للأموية، ولسواد أعين هذا البيت تجاهلنا وما زلنا نتجاهل مأساة ابن فاطمة وحفيد النبي”.

The post هاني: عاشوراء ذكرى مقتل الحسين في كربلاء وفرصة لإظهار الحزن المطلق appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/EyIQ23i

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire