الأعمال الكاملة للشيخ ابن عليوة .. تفسير ذوقي للقرآن ومناهضة للاستعمار

في ستة مجلدات، أخرجت الأعمال الكاملة لشيخ التصوف أحمد العلوي المستغانمي المعروف بـ”ابن عليوة”، ضامة تفسيره للقرآن وآراءه في التوحيد والفقه المالكي والتصوف وشعره، وجامعة “علومه ومعارفه” التي عرضها بأساليب شتى: نثرا، وشعرا، ومعان مبسوطة على طريقة السؤال والجواب.

هذا العمل، الصادر بعد تحقيق وتعليق عبد الرحمن الشعار وماهر اللبابيدي عن دار “كنز ناشرون”، يقول مُعدّاه إن “من وسائل الحفظ في هذا الزمان جمع تراث العالم الواحد في مجموع واحد؛ وذلك لما فيه من منفعة كبيرة للباحثين، إذ إنه يعطي فكرة واضحة ومتكاملة عنه. ولا شك أن ذلك الجمع خير وسيلة لحفظ ذلك التراث العظيم الهائل، حيث إن كثيرا منه صار عرضة للضياع والتلف في مراكز المخطوطات وأدراج المكتبات العامة والخاصة. فكم من رسالة غابت في ثنايا المجاميع من المخطوطات ولم تفهرس، أو ألحقت بكتاب آخر على أنها منه فلم تعرف”.

هذا العلَم الصوفي، الذي امتد أثره إلى المغرب واليمن وهولندا وألمانيا وكندا وتركيا والحبشة وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن ومصر والسودان وليبيا وتونس، تصدى في عهده “لخطر فرنسة الجزائر؛ من خلال تعليم أتباعه وبثّهم دعاة في أرجاء الجزائر، حيث شيّد الزوايا لتكون صروحا علمية، وأقام الندوات الفكرية والمحاضرات والمؤتمرات، وأنشأ الصحف باللغتين العربية والفرنسية حتى تصل الكلمة لجميع قطاعات الشعب، فكان عالما ربانيا وفيلسوفا متمكنا ومصلحا اجتماعيا وكاتبا صحفيا يتسابق القراء إلى قراءة ما يكتب، لسعة ثقافته وأهمية المواضيع التي كان يتناولها، حيث اتخذ من الصحافة منبرا لنشر أفكاره والتعريف برسالته الإصلاحية التربوية. وقد أصدر جريدة “لسان الدين” 1932 مدعّمة بمطبعة، ثم صحيفة “البلاغ الجزائري” 1962 بمستغانم لتنتقل سنة 1930 إلى الجزائر العاصمة واستمرت إلى سنة 1948″.

وأصدر ابن عليوة “حوالي مائة مقال، تناول فيها تدهور أحوال المسلمين في ظل الاستعمار، ونَقْد الواقع المؤلم القائم على الجهل والتخلف، كما تطرّق في أعماله ودراساته إلى الحديث عن المرأة والطفل والأسرة والتعليم والعدالة”.

كما ألف “العديد من الكتب والرسائل في مجالات متنوعة، كالتفسير والتوحيد والفقه والتصوف والفلسفة وعلوم الفلك، إلى جانب نظمه الشعر الصوفي العِرفاني. غير أن أغلب كتبه كانت في التصوف والدفاع عنه بذكر أدلته وبيان منهجه وكيفية السير فيه وتفصيل مقاماته وتوضيح مفاهيمه”.

وفي تفاسيره الثلاثة للقرآن بين “خلاصة المعنى الظاهر، ثم توسّع في الاستنباطات الإشارية والإرشادية، وتعرّض بعد ذلك لبيان الحقائق الذوقية العرفانية”، وبمذهب “قائم على الإقرار بالفضل لمن تقدّم، وإثبات الأهليّة فيمن تأخّر”، وفق المعلّقَين، قال: “أحمده سبحانه وتعالى وأشكره حيث لم يجعل فهمنا منه مرتهنا في فهم السابقين، فجلَّ قدر القرآن أن يكون وقفا على أحد من العالمين، وإلا لكان خطابا له لا لغيره من المُكلَّفين… ولن يزال غضّا طريا في كل وقت وحين، لن يبليه مرورُ الدهور وتداول التالين”.

أما مصنّفاته حول الفلسفة فتهتم بحقيقة الإنسان ووظيفته في المجتمع الذي يعيش فيه، ويدافع فيها عن كون “الفلسفة الصحيحة لا تنفي وجود المادية لهذا العالم؛ لأن التدين غريزة البشر، ولأن الإنسان العصري أحوج إلى التديّن من الإنسان الغابر”.

ويضم ديوان ابن عليوة، في أعماله الكاملة، أشعاره، بالعامية والفصحى، التي “تمكن من جمعها في إطار فني امتاز بأسلوب تعبيري خاص، يعتمد على الرمز والإيحاء والإشارة، عوضا من التعبير التصريحي”. ويهدف في مجمله إلى “عملية تبليغ المقاصد الروحية والأحوال الشريفة التي اختصّ بها السادة الصوفية، والتي قد توقف صاحب اللغة عاجزا عن إدراك المراد ما لم يسلك تلك الطريق التي سلكها المتصوف الذائق لتلك الحقائق”.

ومن الأغراض الشعرية التي قال فيها “المدح والغزل، والترغيب في السنة، والرد على المعترضين، ووصف الأحوال والمكاشفات، والمناجاة والدعاء والتوسل، والزُّهد والرثاء”. ويقول محققا ومعلقا الأعمال الكاملة إن هذا الديوان “يمثل مرجعا روحيا لكل سالك لطريق المحبة في الله؛ غير أنه لم يكن موزونا، فالشيخ كان يراعي صلاحيته للإنشاد فحسب”، وتابعا: “ولما كانت قصائد الشيخ لا تزال تُنشَد بالزوايا الشاذلية وغيرها في أنحاء العالَم آثرنا أن نزيد في عنايتنا بهذا الديوان، فشرحنا غريب ألفاظه، وفسّرنا الأبيات الموهمة التي لا يُدرك معناها إلا من ذاق طعم شراب القوم”.

The post الأعمال الكاملة للشيخ ابن عليوة .. تفسير ذوقيّ للقرآن ومناهضة للاستعمار appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/tXj7l0o

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire