البريني يستحضر المخططات الجزائرية الأولى للإطاحة بالنظام المغربي

خصّص الكاتب والصحافي محمد البريني الحلقة الخامسة من سلسلته المعنونة بـ”حكام الجزائر.. 60 عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب” للمخططات التي سطّرها حكام الجزائر للإطاحة بالنظام المغربي، انطلاقا من مقولة هواري بومدين، الرئيس الجزائري آنذاك: “يا أنا يا الحسن الثاني في هذه المنطقة”.

وتطرق البريني، في الحلقة التي تحمل عنوان “مخططات للإطاحة بالنظام المغربي”، إلى مواقف العداء التي عبّر عنها حكام الجزائر تجاه المغرب، خاصة الرئيسيْن هواري بومدين وعبد المجيد تبون، مؤكدا أن “الأمر لم يقتصر على الكلام، وإنما ترجم إلى مخططات لزعزعة استقرار المغرب، وإلى مؤامرات سعت إلى الإطاحة بنظامه السياسي”.

وبيّن الكاتب والصحافي كيف اعتمد حكام الجزائر “استراتيجية وظفوا فيها علاقاتهم القديمة، التي تعود إلى زمن المعركة من أجل الاستقلال، ببعض قادة المقاومة وجيش التحرير المغاربة الغاضبين، والحالمين بإنجاز ثورة كثورة فيديل كاسترو أو ماوتسي تونغ، يتزعمهم الفقيه البصري”، مشيرا في الحلقة ذاتها إلى المحاولتيْن الفاشلتين للانقلاب العسكري سنتي 1971 و1972.

الحلقة الخامسة:

مخططات للإطاحة بالنظام المغربي”على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية، وأن يعلم أن النظام الجزائري حصين منيع، ولا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه”. هذا الكلام، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، قاله أحمد بن بلة لعبد الهادي بوطالب ومحمد المذبوح، مدير الديوان العسكري للملك الحسن الثاني. كان ذلك عام 1963.

عشر سنوات بعد ذلك، أي عام 1973، صرح هواري بومدين لأحمد بنصالح، أحد رجالات السياسة في تونس، قائلا: “ما دام هؤلاء (كان يعني المغاربة) يحكمهم العرش نحن لا ننام مطمئنين”. ثم قال للفقيه البصري بعد ذلك: “يا أنا يا الحسن الثاني في هذه المنطقة. هل أنتم مستعدون الآن؟ لأنه لم يعد لدي خط للرجعة”، حسب ما جاء في حوار لمبارك بودرقة، قائد تنظيم الاختيار الثوري سابقا بالجزائر، مع أسبوعية “الأيام” المغربية.

48 عاما بعد ذلك، سيقول عبد المجيد تبون، رئيس جمهورية الجزائر- الذي لا يترك أي فرصة (وفي بعض الأحيان يخلقها) دون أن يتهجم فيها على بلادنا- معلقا على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، “كيف نفكر في تقديم أرض بكاملها وبكافة سكانها لملك”. وأضاف قائلا: “القطيعة مع المغرب، وأنا أتحدث عن النظام الملكي، تعود إلى فترة طويلة”.

لا حاجة إلى تفسير هذا الكلام، فمعانيه واضحة، ونوايا أصحابه واضحة كذلك، ومراميه وأهدافه واضحة هي أيضا. بيد أن ما يستحق الانتباه إليه هو أن الحقد والكراهية لنظامنا الملكي ظلا متأصلين ومستحكمين منذ 60عاما في عقول كل من نصبهم الجيش الجزائري رؤساء للبلاد. ما يستحق الانتباه إليه أيضا هو أن الأمر لم يقتصر على الكلام، وإنما ترجم إلى مخططات لزعزعة استقرار المغرب، وإلى مؤامرات سعت إلى الإطاحة بنظامه السياسي. كان حكام الجزائر، آنذاك، يعتبرون أن الإطاحة بالنظام الملكي في المغرب سوف تسمح بإقامة جمهورية مكانه، تتبنى مذهبهم وأيديولوجيتهم، وتكون تابعة لهم وتحت نفوذهم، تقوي مركزهم الجيواستراتيجي، ولا تضايقهم في سعيهم ليصبحوا القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة. هذا هو معنى كلام بومدين حين قال: “يا أنا يا الحسن الثاني في هذه المنطقة”.

من سنة 1963 إلى عام 1973 اعتمد حكام الجزائر استراتيجية وظفوا فيها علاقاتهم القديمة، التي تعود إلى زمن المعركة من أجل الاستقلال، ببعض قادة المقاومة وجيش التحرير المغاربة الغاضبين، والحالمين بإنجاز ثورة كثورة فيديل كاسترو أو ماوتسي تونغ، يتزعمهم الفقيه البصري. شجعوهم وساعدوهم على إنشاء ما سموه جيش تحرير المغرب. وبناء على اتفاق بين ابن بلة ثم هواري بومدين والفقيه البصري، سهرت أجهزة المخابرات الجزائرية على إنشاء معسكر للتدريب في قرية تبعد بحوالي 400 كلم عن بشار.

و”خلال بضعة أسابيع استقبل المعسكر حوالي 100 مناضل”، حسب ما جاء في كتاب (héros sans gloire) لمؤلفه المهدي بنونة، ابن محمد بنونة أحد ضحايا مغامرات الفقيه البصري. ثم أصبحت مدينة وهران قاعدة التنظيم الخلفية، وورشا واسعا لإحصاء وإعادة تنظيم الخلايا السرية (حسب المرجع نفسه). ثم فتحت معسكرات تدريب أخرى خارج الجزائر، بموافقة ورعاية هواري بومدين، كان أشهرها معسكر “الزبداني” بسوريا، الخاضعة للنظام البعثي، والتي كان يحكمها حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي الذي خرب سوريا من أجل أن يبقى في السلطة. وكثيرا ما كان يرسل إلى ذلك المعسكر المنضمون إلى التنظيم انطلاقا من قاعدة وهران.

بيد أن نظام بومدين لم يكن ليضع كل بيضه في سلة واحدة. لقد كان يبحث عن نواة لتحقيق أهدافه داخل الجيش المغربي. وقد كلف لهذه المهمة، قاصدي مرباح المولود بمدينة فاس، والذي تولى لمدة طويلة قيادة أجهزة المخابرات الجزائرية. جاء في كتاب المهدي بنونة أن قاصدي مرباح وأحمد درايا وعبد العزيز بوتفليقة عبروا غير ما مرة عن تعاطفهم مع بعض العناصر في الجيش المغربي، خاصة أحمد الدليمي. ويضيف الكاتب نفسه أن لقاء تم بين هواري بومدين ومعمر القذافي يوم الجمعة 2 فبراير 1973 في قلب الصحراء، وأن بومدين خاطب القذافي قائلا: “أنت تتكلف بالشرق وأنا أتكلف بالغرب”. بالنسبة للغرب كان بومدين قد مال لصالح قيام نظام عسكري شقيق، تقوده طغمة عسكرية. وحسبه، فإن أحمد الدليمي يبدو مؤهلا لتحقيق ذلك المرام.

لما وقعت محاولتا الانقلابين العسكريين (1971 و1972)، جرى التفكير داخل القيادة الجزائرية في مساعدة مدبريهما على النجاح، وكان نظام هواري بومدين على استعداد ليكون أول معترف بهما في حالة نجاحهما. لكن لسوء حظ بومدين، ولعظيم كربه، فشل الانقلابان، ونجا المغرب وشعبه من السقوط في أيدي نظام عسكري ديكتاتوري، لا يختلف في شيء عن النظام الذي وضع الجزائر بين فكي كماشة.

وعوض أن يدرك هواري بومدين مغزى ذلك الفشل، وأن يستخلص العبرة فيكف عن التآمر، فقد صبره وعاد يستعجل الفقيه البصري، الذي لم يستخلص هو الآخر الدرس، مع أن فشل الانقلابين، خاصة الانقلاب الثاني، كان فشلا له باعتبار أنه كان متورطا بشكل أو بآخر مع بعض قادته. استعجله لإيقاد “الثورة” في المغرب، التي كان يحلم أصحابها بأنه يكفي إشعال عود ثقاب لكي يهرع الشعب المغربي للالتحاق بها. الذي حدث هو أن المجموعة التي سربها البصري عبر الحدود الجزائرية، وبعثها لإطلاق شرارة “الثورة”، فشلت وانهارت في أول مواجهة لها مع القوات الأمنية في شهر مارس 1973 بمنطقة مولاي بوعزة قرب مدينة خنيفرة.

لكن هذا الفشل الجديد لم يثن هواري بومدين عن مشروع زعزعة الاستقرار في المغرب بهدف الإطاحة بنظامه. إذ غير خطته وأجال بصره يبحث عن إمكانية إعادة إطلاق مشروعه، فلم يجد مجالا آخر غير الصحراء المغربية، رغم أنها كانت لا تزال، آنذاك، تحت الاحتلال الإسباني. أرسل الكولونيل دراية، مدير الأمن الجزائري آنذاك، إلى الصحراء، وكلفه باستكشاف إمكانية خلق “بؤرة ثورية” هناك. لكن، ولسوء حظ دراية، تاه بين رمال الصحراء وسرابها، وسقط أسيرا في يد الجيش الإسباني.

– رابط الحلقة الأولى:

هكذا تعرّض المغرب لـ”الخيانة الأولى” على يد حكام الجزائر

– رابط الحلقة الثانية:

البريني: عندما غدر تحالف بن بلة وبومدين برفاق الثورة الجزائرية والمغرب

– رابط الحلقة الثالثة:

البريني يكشف تفاصيل الغدر الجزائري للمغرب قُبيل اندلاع “حرب الرمال”

– رابط الحلقة الرابعة:

البريني: هكذا سلح المعسكر الشيوعي النظام الجزائري في حربه ضد المغرب

The post البريني يستحضر المخططات الجزائرية الأولى للإطاحة بالنظام المغربي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/vKNWZqS

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire