تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب يجلب تخوف ساكنة الدواوير في إقليم تنغير

صور ومشاهد تصل من المناطق التابعة لإقليم تنغير حول وضعية المنظومة المائية تبدو صادمة وتبعث على الانشغال بشأن مستقبل المياه خاصة الصالحة للشرب بهذا الإقليم، بالرغم من بداية فصل الشتاء؛ وهو ما يثير مخاوف المواطنين من أن تتفاقم الأوضاع في فصل الصيف المقبل.

ويشهد إقليم تنغير، على غرار باقي أقاليم جهة درعة تافيلالت بدون استثناء، منذ سنوات، حالة من الجفاف أسهمت في مزيد من فرض الضغط على المنظومة المائية التي لم تعد تتحمل الطلب المتزايد، لا سيما في الوقت الراهن، حيث تم تسجيل ضعف التساقطات المطرية أو انعدامها، وفق إفادة مسؤولين عن قطاعات الماء.

وكشفت معطيات رسمية أن الكثير من مصادر المياه الحالية المتواجدة بالإقليم تسير نحو التراجع بشكل سريع وخطير؛ ما يهدد تزويد مناطق عديدة بالماء الصالح للشرب، مع إمكانية التأثير السلبي على جميع الأنشطة الأخرى خاصة الفلاحية.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن الإجراءات الحالية التي تقوم بها المصالح المختصة لتوفير المياه عبر الصهاريج فقط هي مؤقتة، ويمكن أن تتوقف في يوم من الأيام بسبب نضوب مصادر المياه المستغلة حاليا.

ويرى عدد من الجمعويين والمهتمين بالشأن المائي في إقليم تنغير أن الأسباب الأساسية التي جعلت الإقليم تحت خط الفقر المائي متعددة على الرغم من تشابهها في باقي الأقاليم بالجهة التي تعاني من الأزمة ذاتها، وهي في الأساس التغيرات المناخية الناتجة عن انعدام التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والكثافة السكانية وسوء التصريف في الموارد المائية والسياسات المائية غير الملائمة للوضع.

دواوير تشكو

يشكو سكان الدواوير التابعة لعشرات الجماعات الترابية بإقليم تنغير من شح مياه الشرب، وعرفت الأزمة تفاقما كبيرا منذ فصل الصيف الماضي؛ ما أصبح يثير القلق وسط الأسر والعائلات التي أصبحت تفكر في النزوح والهروب الجماعي نحو مناطق يمكن تأمين فيها حاجياتها من الماء الصالح للشرب وسط المغرب، وفق إفادة العشرات من المواطنين الذين استقت هسبريس آراءهم.

أزمة الماء الصالح للشرب بإقليم تنغير ليست وليدة اليوم، بل امتدت لأكثر من خمس سنوات، إلا أنها أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم، في ظل غياب سدود كبرى ومتوسطة وحتى الصغيرة في الإقليم القادرة على توفير حاجيات الناس من هذه المادة الحيوية في مثل هذه الأوقات الصعبة والجافة، باستثناء “سد تودغى”.

عبد العالي آيت حمو، فاعل جمعوي مهتم بالمجال المائي بإقليم تنغير، قال إن الكثير من الدواوير أطلقت خلال الأسابيع الأخيرة صرخة ونداء الإغاثة، خاصة أن الشاحنات التي كانت تشغلها المندوبية الإقليمية للإنعاش الوطني لتزويد المواطنين بالماء بالصهاريج تقلصت تحركاتها.

في المقابل، قال مصدر مسؤول إن المواطنين استهلكوا ضعفين من الكمية المخصصة للإقليم في إطار مشاريع الإنعاش الوطني ووزارة الداخلية.

وأضاف آيت حمو، في تصريح لهسبريس، أن الكثير من المواطنين في الإقليم يطالبون حاليا فقط بتوفير قطرات المياه تروي عطشهم، مؤكدا أن الوضع أصبح مقلقا ولا يمكن لأحد إنكار هذا القلق المخيف خاصة في ظل الضبابية التي تعرفها السياسات المائية بالإقليم والجهة عموما.

وشدد المهتم بالمجال المائي على أن إقليم تنغير، على غرار الأقاليم المجاورة، مهدد بعطش كبير في السنوات المقبلة، خاصة مع استمرار استنزاف الفرشات المائية وتواصل الاستغلال غير القانوني للمياه الجوفية من طرف رجال الأعمال الذين يقومون بزراعات مئات الهكتارات في منطقة جافة وغير قادرة على تلبية حاجيات الماء الشروب.

حلول غير كافية

في الوقت الذي يعيش فيه إقليم تنغير ظروفا مناخية صعبة بسبب موجة الحرارة، التي تجتاحه، مؤخرا، على غرار باقي مناطق الجنوب الشرقي، تعاني ساكنة مجموعة من الجماعات الترابية بثلاث دوائر (بومالن دادس، تنغير والنيف) أزمة الماء الصالح للشرب، نظرا إلى نضوب الآبار والثقوب المائية التي كانت حتى الأمس القريب مصدر الساكنة من الماء.

وعلى الرغم من التدخلات التي قامت بها وزارة الداخلية والمندوبية الإقليمية للإنعاش الوطني بتنغير، فإن سكان عدد من الجماعات الترابية، خصوصا جماعة إكنيون، يطالبون بضرورة حل أزمة الماء الشروب، والبحث عن حلول تقي المنطقة من شبح العطش على المديين المتوسط والبعيد، معتبرين أن توزيع المياه بواسطة الصهاريج لا يمكن أن يحل الأزمة.

وفي هذا الإطار، قال جمال بندريس، فاعل بيئي بإقليم تنغير، إن حل توزيع المياه بالصهاريج يمكن وصفه بـ”الحل الترقيعي الذي يساهم في تمديد آجال الأزمة المائية”، موضحا أن “الحلول الترقيعية التي تلجأ إليها السلطات المختصة من أجل إسكات الشارع العام لا يمكن أن تحل الإشكالات المائية الحالية”.

وأكد بندريس، في تصريح لهسبريس، أن الإقليم سيواجه أزمة حادة وخطيرة في السنوات المقبلة، خاصة أمام صمت السلطات المختصة اتجاه الاستغلال العشوائي للمياه الجوفية عبر مواصلة حفر الآبار والأثقاب المائية بطرق غير قانونية وعشوائية، لافتا إلى أن الوضع أصبح يتطلب تدخل السلطات بالإقليم والسلطات المركزية.

وطالب المتحدث ذاته السلطات المعنية بتنظيم لقاء إقليمي يحضره مسؤولون في الإقليم والجهة والوزارات الوصية من أجل دراسة الوضعية المقلقة للمنظومة المائية بالإقليم، والبحث عن سبل الخروج من الأزمة التي أصبحت تهدد بشكل كبير الساكنة المحلية بالنزوح والهروب الجماعي إلى المدن الداخلية.

تدابير رسمية

وفي معرض ردهم على أسئلة جريدة هسبريس الإلكترونية حول الأزمة المائية بإقليم تنغير والتدابير المتخذة لتجاوزها، أجمع مسؤولو المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب – قطاع الماء ووكالتي الحوض المائي لكير زيز غريس ودرعة واد نون على أن هناك مجموعة من التدابير المستعجلة التي تقوم بها من أجل حماية الفرشة المائية وتوفير الماء الصالح للشرب بشكل مستمر للمواطنين.

وأكد المسؤولون الذين تحدثوا للجريدة أن الحالة المائية بإقليم تنغير في الحقيقة هي مقلقة؛ ولكن جميع القطاعات المعنية، وخاصة السلطة الإقليمية، تبذل مجهودات لتوفير حاجيات المواطنين من هذه المادة الحيوية والضرورية في الحياة، ملتمسين من المواطنين بدورهم ترشيد وعقلنة الاستعمال للحفاظ على هذه المادة.

في المقابل، كشف مصدر من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة إقليم تنغير أن هناك مجهودات كبيرة تبذل في إطار تأمين تزويد جميع دواوير الإقليم بالماء الصالح للشرب، تماشيا مع الأهمية الكبرى لاستراتيجية تثمين وتدبير الماء بإقليم تنغير وفق قواعد الحكامة الجيدة وإشراك الإدارات والجماعات والفاعلين المعنيين لتيسير حصول المواطنين على قدم المساواة على الماء.

وأوضح المصدر ذاته أن الإقليم عرف، في السنوات القليلة الماضية، جهودا فيما يخص التزود بالماء الصالح للشرب في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تم إنجاز مشاريع (في إطار برنامج تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا للفترة الممتدة من 2019 إلى غاية 2022) بقيمة إجمالية تقدر بـ24 مليون درهم، لفائدة 30 ألف نسمة، موزعة على جميع جماعات الإقليم.

وكشف المصدر ذاته أنه تمت أيضا برمجة 8 مشاريع لسنة 2023 بقيمة 7.2 مليون درهم لفائدة 5800 نسمة، في إطار اتفاقية شراكة لإنجاز مشاريع مستعجلة ومهيكلة بقطاع الماء على مستوى جهة درعة تافيلالت. وتمت، أيضا، برمجة 16 مشروعا بتكلفة اجمالية تقدر بـ58 مليون درهم.

The post تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب يجلب تخوف ساكنة الدواوير في إقليم تنغير appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/XZjyxbD

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire