مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. عبد الحميد العزوزي يبرع في جراحة الأسنان

رحل عبد الحميد العزوزي صغيرا من المغرب إلى الدنمارك، وبالضبط من الناظور إلى كوبنهاغن، وكان ذلك قبل نصف قرن من الحين بعدما اختار والده الاستقرار في اسكندنافيا، لكن لسانه بقي محافظا على النطق بـ”تاريفيت” وقسط من العربية الدارجة، أما قلبه فلم يتوقف عن الميلان صوب كل ما له صلة بالوطن الأم وناسه.

يرتبط العزوزي بسمعة لامعة في ميدان جراحة الأسنان منذ أن اختار ممارسة هذه المهنة بشغف، حتى أضحى متوفرا على مجموعة من المرافق الطبية الخصوصية في مناطق متفرقة من التراب الدنماركي؛ وآخر تحت إشرافه في إسبانيا أيضا، زيادة على نشاط يمتد إلى مختبرات التحاليل وتوفير العتاد شبه الطبي.

سبب مجهول

حرص العزوزي الأب على شق مساره في الهجرة بحلول آخر سنة من عقد الستينيات في القرن العشرين، إذ حزم حقيبته وغادر الناظور من أجل البحث عما يلائمه من الفرص المتاحة في دولة ألمانيا، وبعدها بمدة وصل إلى مملكة الدنمارك حيث قرر الاستقرار.

ويقول عبد الحميد العزوزي: “لا أدري لماذا وفد أبي على الدنمارك، كل ما أعرفه أنه قضى 3 سنوات في هذا البلد قبل يأتي بنا إلى هذا الحيز الجغرافي كي نعيش معه، ووقتها كنا أسرة من 5 أفراد بحضور الأب والأم وأخوين”.

وفي الشهور الأولى من الإقامة بالدنمارك، لم يكن الصغير القادم من منطقة الريف المغربية يعير أي اهتمام للبيئة الجديدة التي تم استقدامه إليها، إذ لم يكن همه سوى الابتهاج بلم شمل الأسرة على مدار اليوم، والحصول على العناية الأبوية التي رعته وإخوته الذين أضحى عددهم 4، لاحقا، بوجود 3 ذكور وأنثى واحدة.

من الأقلية

يؤكد العزوزي أن ظروف نشأته تختلف كليا عن تلك التي يعيشها أي طفل في الدنمارك حاليا، بل في عموم القارة الأوروبية، وأن عدد الأجانب في حيز تواجده، وقتها، كان قليلا بأكثرية نسبية للوافدين من تركيا، ما جعل الدنماركيين ينظرون إليه بنظرات ودودة حيثما كان.

“أتذكر أن المغاربة كان لديهم ناد خاص ومسجد يجمعهم في كوبنهاغن، وهما الفضاءان المتيحان رصدهم منسلخين عن المجتمع المحلي، وفي مساري الدراسي كان تواجد الأجانب لا يفوق معدل فرد أو اثنين في كل مستوى تعليمي”، يقول العزوزي.

وبناء على كل ذلك، يكشف العزوزي أنه أمضى سنوات الطفولة والشباب دون التعرض لأي ممارسة تمييزية، أو أي من الحوادث العنصرية التي يكثر الجدل بخصوصها في السنوات القليلة الماضية، ما يجعله موقنا بأن أصله المغربي لم يكن إلا مصدر ثراء واعتزاز للتقدم في شق مساره بالدنمارك.

نصيحة مفيدة

قضى العزوزي مراحل الدراسة، من التعليم الأساسي إلى التكوين الأكاديمي في التعليم العالي، متنقلا بين مؤسسات متجاورة في العاصمة كوبنهاغن، ولذلك يرى أنه أمضى هذه الفترة من عمره وكأنه ملازم للحي الذي يسكنه، ونتيجة لذلك تمكن من البقاء مركزا على استجماع المعارف بتميز.

وعن تفاصيل هذه المرحلة يكشف “ابن الناظور” أن الحصول على شهادة الباكالوريا كان مصدر فرح لعائلته بأكملها، إذ صار يعد من بين المتعلمين القلائل في نسيجها، ويضيف “نصحني أحد أعمامي، يرحمه الله، بالإقبال على دراسة الطب، وقد قمت بذلك دون تفكير كبير، وقررت التوجه إلى كلية طب الأسنان رغم أن الولوج إلى هذا المسار لم يكن سهلا”.

استغرق التكوين في الطب 5 سنوات في الكلية، وبعدها أضاف العزوزي سنتين في التدريب بالدنمارك وأخرى بلندن من أجل التمرس، إلى أن نجح في مراكمة 1600 ساعة من العمل متمرنا ليحصل على ترخيص رسمي يتيح ممارسة المهنة بكيفية مستقلة.

توسع بقطاع الصحة

قرر العزوزي، في وقت مبكر من حياته المهنية، التوجه إلى الاستثمار في قطاع الصحة بالاعتماد على المال الذي جمعه من خلال العمل في العاصمة الإنجليزية لندن، مستفيدا من العائد المالي المرتفع المقابل لاقتطاعات ضريبية محدودة، وكان الاستهلال من شراء محل لتحويله إلى عيادة متخصصة في طب وجراحة الأسنان.

ويقول العزوزي إن “العمل في العيادة الأولى استمر 5 سنوات متواصلة قبل اللجوء إلى التوسع في القطاع، ليقتني المحل الثاني ثم المقر الثالث، وصولا إلى 8 عيادات في الدنمارك سنة 2022، بجانب مصحة أخرى لطب الأسنان في أرخبيل الكناري بإسبانيا”.

وبخطى واثقة أقبل العزوزي ، في مراحل زمنية متتابعة، على افتتاح منشأتين تحتضنان مختبرين للتحليلات، كما بادر إلى ضخ أموال ضمن الاستثمار في سوق بيع المعدات الطبية وشبه الطبية أيضا، بأولوية لترويج ما تتطلبه زراعة الأسنان.

هواية مهنية

ينفي المنتمي إلى صف الدنماركيين ذوي الأصل المغربي أن يكون ملامسا لأي نوع من العنصرية في عطاءاته المهنية، مؤكدا أن تصاعد الإقبال على خدماته دليل على ذلك؛ لأن الميز يعني أن من يرى اسمه على يافطات العيادات لن يلجها من الأساس.

“المقبلون على التطبيب يحتاجون النجاعة أولا وأخيرا، إضافة إلى التعامل مع من يتقن لغة البلد ويتحلى بقدر وفير من التقدير والاحترام في معاملاته مع الآخرين. وكل الزبناء يحتاجون إلى 5 دقائق، لا غير، من أجل نسيان الأسماء والتركيز على حضور اللباقة في التعاطي مع حاجياتهم المتنوعة”، يقول العزوزي.

كما يؤكد جراح الأسنان عينه أنه يتخذ مهنته هواية في الآن ذاته، وحين يضطر إلى الاستفادة من فترة عطلة يحس بالملل إذا قضى 3 أسابيع بلا عمل، ويشرع في الاشتياق إلى الإمساك بالآلات في عياداته، ولذلك يقبل بنشاط على قطع كيلومترات طويلة، يوميا، متنقلا بين فضاءات عمله ومسكنه الأسري.

أبواب صغيرة

مراكم 50 سنة من التجربة في البيئة الدنماركية يرى أن استجماع المدارك في ميدان ما يجعل المرء يفتح لنفسه بوابة على مسار واعد بالنجاح، حيث يرى الدنيا بعين مغايرة ما دام يلتزم بالعطاء في المجال الذي يفهمه وتقلباته، وبعدها يتم التدرج في تحقيق الأهداف واحدا تلو الآخر؛ بتسلسل وثبات.

ويشرح قائلا: “ليفتح كل شخص بوابة يعرف ما سيجد وراءها، بعدها ستشرع أمامه باقي الأبواب الصغيرة كلما بقي حريصا مركزا على ما يدرك؛ وفي حالتي أبقى إطارا طبيا، لا يمكنني أن أضمن التطور لنفسي إن اخترت التواجد في قطاعات بعيدة تماما عن تخصصي، وبالتالي لا أود أن أتواجد في موقع أرى من البداية أنه يليق بأناس آخرين”.

كما يعتبر العزوزي، في السياق نفسه، أن مساره الشخصي ينهل من تجربتين اثنتين، إحداهما شخصية ذات صلة بالتكوين الجامعي الذي حصل عليه، وفترات التمرين التي قضاها من أجل التمرس في طب الأسنان، بينما الثانية عائلية تنهل من تجارب الأهل والأقارب في ميدان التجارة؛ ولذلك لم يمدد التزاماته المهنية إلاّ صوب بيع العتاد الطبي وشبه الطبي لأنه يفهم كيفية سير المعاملات في هذا القطاع.

مرساة الكسالى

يبتسم العزوزي قبل أن يبحث عن التعابير التي يمكن أن تسعفه في تناول فكرة النجاح ضمن مسارات بدول المهجر، ليستقر على التصريح بكون التميز عموما، في أي مجال كان، لا يمكن أن يحالف إلا أولئك الذين يستكثرون على أنفسهم الحصول على قدر مبالغ فيه من النوم.

ويفسر المتحدث ذاته قائلا: “على الإنسان أن يستيقظ باكرا حتى يكون متحفزا، وهذا التحفيز قابل للاستثمار في العمل بجدية رفيعة وحرفية عالية، ولا أعرف أي شخص ينتمي إلى هذه الفئة، سواء كان دنماركيا أو من أصول أجنبية، لازمه الكساد في ما يقوم به”.

“أما محبو الكسل فأولئك يجابهون مشاكل ذاتية قبل أن يجدوا أنفسهم أمام الإيقاعات الجماعية التي تعاكس مبتغياتهم، إذ يستصعبون استنهاض هممهم أولا، ثم يكثرون تقديم الشكاوى من أي عقبة تواجههم، ويمضون سنوات طويلة من أعمارهم بلا أي تقدم يذكر؛ كمركب تشده مرساة ليثبت”، يختم العزوزي.

The post مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. عبد الحميد العزوزي يبرع في جراحة الأسنان appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/51aU3Fo

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire