هكذا استعملت فرنسا "الكريزيل" والطب المتنقل لمواجهة الأوبئة إبان الحماية

بعدما تناول معاد اليعكوبي، باحث متخصص في التاريخ المعاصر ومهتم بالتاريخ الاجتماعي، في حلقات نشرتها هسبريس في أوقات سابقة، ظروف ونتائج انتشار عدد من الأوبئة في صفوف المغاربة والفرنسيين، وكيف نغصت الأوبئة حياتهم إبان الحماية الفرنسية، وكيف ميز “الطب الكولونيالي” بين المغاربة والأوروبيين في محاربة الأوبئة، استحضر الباحث أهم الإجراءات التي قامت بها المصالح الصحية التابعة لسلطات الحماية لمواجهة تلك الأمراض والأوبئة.

وأشار اليعكوبي، في الحلقة الخامسة من الدراسة التي تحمل عنوان “الأمراض والأوبئة وسبل مواجهتها.. المغرب المستعمَر نموذجا”، إلى أن السلطات الفرنسية لجأت إلى “الطب المتنقل”، و”تنقية المدن من الفقراء والمتسكعين”، و”إقامة أحزمة من الحراس في مداخل المدن، حتى لا يلجأ إليها المهاجرون والجياع”، و”تحميمهم بالصابون الأسود أو الكريزيل وكلورور الجير…”.

وبعدما تطرق الباحث لمهام الفرق الطبية المتنقلة، استعرض مختلف الفروع والمكاتب التي أنشأت من خلالها السلطات الفرنسية “المصلحة الطبية الاجتماعية” سنة 1946، والمتمثلة أساسا في فرع “الطب الوقائي”، و”فرع الصحة المدرسية”، و”المصلحة الاجتماعية”، و”مكتب إداري”، و”مكتب المساعفة”.

حمامات الكريزيل وكلورور الجير

فرنسا عملت على تطهير المغرب من الأمراض والأوبئة الكثيرة، المنتشرة في جل مناطق المغرب؛ فخلال الفترة الممتدة ما بين 1912 و1930، أنشأت ما عرف بالطب المتنقل وأسمت هذه الفترة بفترة “الوقاية الجماهيرية” بإشراف الفرق الطبية المتنقلة التي سعت إلى محاربة الأمراض المعروفة بالمغرب ساعتها، وهي: الطاعون، التيفوس، الزهري، وحمى المستنقعات. وقد تشكل هذا الفريق الطبي من طبيب وممرضين مدنيين مغربيين ومرشدين وسائق البغال (السيارة فيما بعد)، حسب ما نشره رضوان شعايبي في قراءته للاستراتيجية الفرنسية الخاصة بمكافحة الأوبئة بمغرب الحماية.

ومن ضمن الإجراءات “الوقائية” التي قامت بها السلطات الصحية التابعة لسلطات الحماية، ابتداء من سنتي 1913-1914، عندما حل داء التيفوس، “تنقية” المدن من الفقراء والمتسكعين وإقامة أحزمة من الحراس في مداخل المدن، حتى لا يلجأ إليها المهاجرون والجياع، وعند القبض على هؤلاء “كان يتم تحميمهم بالصابون الأسود أو الكريزيل وتقدم لهم جلاليب بعد أن تحرق أسمالهم الرثة الوسخة، بالإضافة إلى وجبة يومية من الحريرة وبعض الخبز”، وإقامة “نطاق صحي” Cordon Sanitaire في هوامش المدن الأطلسية لمنع ولوج “المشردين” و”البؤساء” المتدفقين من الجنوب.

وقامت سلطات الحماية أيضا بتجميع المغاربة المنشلين Les Raflés داخل خيم خارج المدن، حيث تتم تنقيتهم من القمل وغسلهم بصابون أسود أو مسحوق “لكريزيل” والحرص على إبعاد الفقراء الناجين من الوباء وتطهير المدن “ببعض التدابير، لكن دون استعمال القفازات كما في القبيلة حيث الكبرتة واستعمال كلورور الجير ولكريزيل ’’لاركامانو‘‘ Larga mani وترميد كل ما ليس له قيمة كبيرة، ونقل المخيمات هي إجراءات سارية المفعول”.

فرق طبية متنقلة

وعملت السلطات الصحية التابعة للإقامة العامة أيضا على القيام بحملات ضد الذباب، “الميكروب ذي البيئة الملائمة لانتشار وظهور الكوليرا والإسهال وحمى التيفوئيد” والفأر، “الوكيل المتجول للطاعون”، الذي أنشئت _لأجل محاربته_ فرق خاصة في كل المدن، حيث تم جمع الفئران الميتة وإحراقها بالبترول وطمر الحية في ماء الجير الدسم. كما تم تخصيص مكافأة خمسة فرنكات لكل فأر يتم قتله، وكذلك البعوض، “العنصر الناقل لحمى المستنقعات”، ثم القمل، “عامل نقل عدوى التيفوس الطفحي”.

وخلال الفترة الفاصلة بين سنتي 1931 و1946، سيوضع حد للاشتغال بالفرق الطبية المتنقلة والعمل على معالجة بعض الأمراض، حيث أحدثت مصالح متخصصة ومستوصفات ومستشفيات جديدة، وأسست “معهد حفظ الصحة” في أواخر 1930 بالرباط من طرف المقيم العام الفرنسي لوسيان سان Lucien Saint. وضم أقساما عديدة؛ من بينها قسم الدراسات والأبحاث وقسم الوقاية من الأوبئة…، وكل قسم تكوّن من مختبرات عديدة ومصالح متخصصة في مكافحة وباء أو مرض معين. وفي سنة 1932، افتتح معهد باستور وعمل على تحضير الأدوية واللقاحات المضادة للجدري وداء الكلب والقيام بأبحاث حول الأمراض المعدية.

عرفت الفترة الممتدة ما بين 1946 و1956 تعثرا في الخدمات الطبية الاستعمارية، متأثرة بظروف الحرب العالمية الثانية. لتنهض مجددا ابتداء من 1946، حيث ستعرف الفترة التي تلت هذه السنة إلى حدود 1956 تشييد عيادات وقاعات عديدة للزيارة بالعالم القروي والمستشفيات بالمجال الحضري.

مصلحة طبية اجتماعية

عرفت هذه الفترة أيضا إنشاء “المصلحة الطبية الاجتماعية” (1946)، وتكونت من خمسة فروع ومكاتب هي:

– فرع الطب الوقائي: ضم مصالح تقنية لمكافحة أمراض العيون والزهري ومصالح حماية الأم والطفولة، ثم مصالح التربية الصحية التي أشرفت عليها “العصبة المغربية لحماية الطفولة والتربية الصحية” ابتداء من 1950.

– فرع الصحة المدرسية: اهتم بتقديم المبادئ التوجيهية العامة ذات الصبغة التقنية بالوسط المدرسي.

– المصلحة الاجتماعية: عملت على معالجة المشاكل الاجتماعية (التغذية، السكن، الشغل، إلخ…) في علاقتها بالصحة العمومية.

– مكتب إداري: تكلف بتسيير المصالح ذات الصبغة الطبية-الاجتماعية.

– مكتب المساعفة: ضم مصالح إدارية عديدة.

The post هكذا استعملت فرنسا "الكريزيل" والطب المتنقل لمواجهة الأوبئة إبان الحماية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/xcPyKH0

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire