مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. نوال الفلكي تخبر الأداء الميداني السيكولوجي

تنتسب نوال الفلكي إلى أسرة مغربية مشكلة من أب ينحدر من خريبكة وأم تنتمي إلى مدينة آسفي، وقد رأت النور سنة 1973 في منطقة “ياكتفاي” بمملكة الدنمارك، وفيها اشتد عودها عن طريق جمع قدرات تمزج بين الثقافة الأصلية والقدرات المكتسبة عبر التفاعل مع بيئة الاستقرار.

بعدما كانت تبتغي التخصص في مجال التجميل والتعاطي مع فرص الشغل المتوفرة في هذا الإطار، أضحت الفلكي خبيرة في الميدان السيكولوجي، مستحضرة خبراتها العلمية والعملية في الحقل النفساني للبصم على مسار ميداني بارز مهنيا وجمعويا.

بين المنزل والشارع

كبرت نوال الفلكي في ضواحي العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وبالضبط ضمن الحيز الحامل اسم “ياكتفاي” في هذه البلاد الاسكندنافية، متحسسة الحياة في بيت مليء بالتعابير الهوياتية المستمدة من الأعراف والتقاليد المغربية، في صدارتها الحديث بالعربية.

تقول الفلكي: “التواجد في البيت كان بمثابة العيش في المغرب؛ إذ يتم الكلام بالعربية الدارجة للوطن الأم وتحضر على المائدة أطباق من البيئة الأصل، إلى جانب ممارسات عديدة تبتغي نقل هوية الجذور إليّ، وذلك باعتباري مزدادة في الدنمارك”.

وبالخروج إلى الشارع في زمن الطفولة، تورد نوال، كان التعامل مع الأقران يحتاج “تخفيف الجرعة المغربية” لتحقيق التفاهم وبناء التقاربات وتأسيس الصداقات، وبالتالي تلمس طريق الاندماج في الثقافة الدنماركية بكيفية لا تنسلخ تماما عن التنشئة في المنزل.

ما بعد الزواج

سار تمدرس نوال الفلكي بطريقة سلسة حتى بلوغ الفصل التاسع من التعليم الأساسي الدنماركي، وبعدها فارقت المؤسسات التعليمية نتيجة الإقبال على الزواج في سن مبكرة، دون أن ينال ذلك من عزمها على العودة إلى التمدرس لاحقا.

“لم أحبط حين غادرت المدرسة من أجل الزواج، بل كان هذا الأمر مصدر إلهام لي كي أخوض تحديا جديدا بالعودة إلى التعلم، وهو ما تحقق فعلا ليجرني، في مرحلة موالية، إلى الحصول على تكوين من 3 سنوات في تخصص التجميل”، تذكر الفلكي.

التزمت ذات الأصل المغربي بالتعليم العالي 5 سنوات إضافية بعدما رأت أن العمل في مضمار تدخلات التجميل لا يلائم الطموحات الآخذة في النمو بذهنها؛ إذ التحقت بشعبة علم النفس لتتخرج حاملة شهادة ماستر في السيكولوجيا.

الاستثمار في المشاحنات

لم ترصد نوال الفلكي معاملات عنصرية في الدنمارك رغم انحدارها من أصل مغربي؛ إذ غاب ذلك عن نظرها حتى بدأت تبرز احتكاكات هنا وهناك بين الدنماركيين وجماعات منحدرة من أصول أجنبية، ليخلق ذلك واقعا مستجدا على البلد بأكملها.

تؤكد المنتمية إلى صفوف الجالية المغربية بالدنمارك أنه لم يكن هناك مصطلح “اندماج” وقتها من الأساس، والكل كان متعايشا في سنوات الثمانينات، بينما العشرية اللاحقة عرفت بروز مشاكل تهم، على الخصوص، استفادة ذوي أصول أجنبية من امتيازات دون أي قيمة مضافة في سوق العمل.

“النقاش كان صحيا لما بقي ملتزما بالخوض في ما يقتضي الأخذ من عطاءات، لكن الآثار اللاحقة جاءت أكثر شدة ومبنية على الميز، ثم تفاقمت الأمور بوجود أناس يستغلون ما يجري بهدف تأجيج المشاحنات التي تتم من حين إلى آخر”، تذكر الفلكي.

مرشدة في شركة خاصة

بداية عمل نوال الفلكي، مباشرة بعد التخرج الجامعي في تخصص علم النفس، ارتبط بمهام مرشدة اجتماعية بشركة خاصة في العاصمة الدنماركية، وبعدها حصلت على فرصة الانتقال خارج كوبنهاغن للعمل في بنية مقاولاتية أكبر تقدم الخدمات نفسها.

تكشف المغربية الدنماركية أن أداءها يتصل بتوفير الدعم والمساندة لإيجاد حلول عملية تهم المشاكل الأسرية عموما، وتعنيف النساء على وجه الخصوص. وفي هذا الإطار، تحرص على صياغة برامج تدخل سيكولوجية تستحضر مصالح جميع الأطراف في كل حالة على حدة.

وتضيف: “في الوقت الحالي، أنا شريكة في مؤسسة خاصة تعمل على قضايا الاندماج على صعيد الدنمارك، بتركيز على استفادة سوق العمل من القدرات التي يتوفر عليها اللاجئون، كما نعمل أيضا مع المؤسسات البلدية في قضايا اجتماعية تهمها سياسات عمومية فاعلة”.

النفع المتبادل

تتخصص نوال الفلكي، ضمن أدائها الوظيفي السيكولوجي، في تمكين الفعل الميداني من مهارات التواصل مع العاطلين ذوي الأصول الأجنبية، حسب خصوصيات كل وضعية، بهدف التوجيه نحو ما يلائمهم من اشتغالات، وتقديم الدعم النفسي اللازم للتأثير بإيجابية في كل مخاطَب.

تفسر نوال ذلك بالقول: “إنها مجموعة من العمليات الرامية إلى تصحيح السلوك، بخطوات ميدانية مبنية على الوقائع المرصودة، ليكون العرض مرتبطا بتحقيق تطور الأشخاص المستهدفين مع استحضار المنفعة العامة أيضا”.
من جهة أخرى، يتركز الأداء الذي تشرف عليه الفلكي بتقديم تكوينات للاجئين في بعض المقتضيات القانونية المتصلة بوجودهم على التراب الدنماركي، خاصة التشريعات الأساسية ذات الصبغة الاجتماعية، زيادة على إبراز المكاسب المنتظرة لكل طرف من تغيير السلوك وفق ما يقتضي نمط العيش بمملكة الدنمارك.

التزام بالتطوع

تترأس نوال الفلكي جمعية باسم “أنت”، ويتعلق الأمر بتنظيم مدني يهدف إلى القيام بأنشطة ميدانية تساهم في الجهود المبذولة لمكافحة ممارسات اجتماعية ذات صبغة إجرامية، خاصة ما يرتبط بالتطرف الديني العنيف والميز ضد المرأة.

بهذا الخصوص، تقول الفلكي: “الهاتف مفتوح أمام جميع النساء اللواتي يعانين من مشاكل، ونحاول تقديم الحلول الممكنة لكل من تطلب الاستشارة والمؤازرة، وإذا استعصت عن التدخل الفوري تسوية المشكل، فإن المتواجدات في وضعية هشاشة تفتح أمامهن إمكانية الاستفادة المؤقتة من خدمات دار للإيواء”.

أما التدخلات على مستوى محاربة التطرف، فإنها، وفق نوال، تتم بكيفية استباقية قبل الوصول إلى مرحلة تبني العنف فعلا، ابتداء من عملية الرصد المتاحة من خلال التوصل بشكايات أسر المتشددين الشباب، وتتم الاستعانة بخبراء دينيين معتدلين من أجل فتح باب الحوار بنية تصحيح الوضع.

مبتغيات مثالية

على وتيرة التحدي الذي أعادها إلى المدرسة بعد فترة انقطاع، تتمسك نوال الفلكي بطموح كبير ترتقي به إلى مرتبة “استهداف اندماج الجميع”، وترى أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولذلك ينبغي أن يرتقي مستوى الرهانات المستقبلية إلى السماء حتى يتم بلوغ أكبر قدر ممكن من الأهداف المرسومة.

وتضيف بهذا الشأن: “أسير نحو المستقبل بحماس، هذه طبيعتي ولن أتخلى عنها، لذلك أريد تطوير التدخلات المهنية والتطوعية المرتبطة بي في الدنمارك، من جهة، والعمل على تعزيز التعاون الذي يربطني بجمعيات عديدة نشطة في المغرب، من جهة أخرى”.

على صعيد آخر، تعتبر الفلكي أن شريحة عريضة من الدنماركيات المنحدرات من المغرب يرفضن الركون إلى الاتكال، ويبادرن إلى استغلال كل الفرص التي تتاح أمامهن من أجل الانخراط في سوق العمل، ولذلك يتحصلن على الإشادة الكاملة بما يقمن به من جهود تتطور دوما.

الوثوق في الأداء

توصي المزدادة في “ياكتفاي” كل الباحثين عن النجاح في الهجرة بالإقدام على شحذ ما يتوفرون عليه من إرادة وعزيمة، مشددة على أن الحوافز الذاتية يجب أن تتضاعف حين يخرج المرء من الفضاء المريح الخاص به، لأن هامش الاتكال على الغير يضيق حتى يقارب الانعدام.

تقول نوال: “المتحركون في إطار الهجرة النظامية يتخذون القرار بالاعتماد على الحماس الذي يتمكن منهم، وهذا عامل إيجابي ينبغي أن تتم تغذيته حتى لا يضمر، وبالتالي لا يجب أن يتم إيلاء أهمية إلى الآراء السلبية غير المبنية على أسس متينة”.

“لا أحد يولد بخريطة في يده تدله على المسار الذي يلائمه في الحياة، لذلك يجب التحلي بالثقة في كل خطوة على درب النجاح، والواثقون في القرارات المتخذة يخلقون المفاجأة بالوصول إلى المراتب الأعلى، بينما غيرهم يلازمون التذبذب في البحث عن الفلاح بالصدفة”، تختم نوال الفلكي.

The post مسارات مغاربة في اسكندنافيا .. نوال الفلكي تخبر الأداء الميداني السيكولوجي appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/9gVD2BO

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire