قال رشيد دوناس، باحث في التاريخ المعاصر، إن “الكتابات التاريخية التي تناولت مغرب ما قبل الحماية نقلت صورة قاتمة عن وضعه الصحي، وذلك بسبب ما كان يتعاقب عليه من الأمراض والأوبئة والمجاعات التي كانت تحصد عددا كبيرا من القتلى، لا سيما أن الطرق التي كانت تعتمد لمواجهة الحالات الوبائية أو للتداوي كانت تقليدية”.
وأضاف دوناس، في مقالة بحثية منشورة بالعدد الأخير من مجلة “المناهل”، أن “الوضعية لم تكن بالحدة نفسها على المستوى المجالي زمنيا، لكنها كانت نفسها تقريبا لدى الغالبية المسلمة، ولدى جماعة اليهود في المناطق التي كانت عرضة لتدهور الوضع الصحي عموما”.
وتابع الباحث ذاته، في المقالة التي رصد عبرها خصوصيات الوضع الصحي ليهود مدينة مكناس في عهد الحماية الفرنسية، بأن “الوضع الصحي للساكنة اليهودية كان متدهورا على غرار باقي السكان المسلمين، خاصة أن ظروف السكن بالملاح القديم كانت سيئة جدا”.
وأوضح أن “هنري دو لا مارتينيز وصف الملاحات بالمغرب بكونها متسخة جدا، حيث شكلت فضاء مثاليا لتكاثر الجراثيم المسببة للأمراض الخطيرة، كما أن بيير لوتي لم يخف اشمئزازه مما لاحظه وهو يتجول بملاح المدينة سنة 1889″، مبرزا أن “هذا الوضع الذي ميز أواخر القرن 19 لم يتغير بعد توقيع معاهدة الحماية”.
واستطرد قائلا: “ظل الوضع مستمرا بحدة أقل نسبيا بفضل بعض الإجراءات التي خففت قليلا من البؤس الذي كان عليه الملاح القديم إلى حدود بناء الملاح الجديد”، مؤكدا أن “العوامل التي ساهمت في تدهور الأوضاع الصحية لأفراد الجماعة اليهودية تمثلت في استمرار التداوي بالطرق والأساليب التقليدية، منها الاعتماد على الأعشاب”.
وأردف الباحث عينه بأن “اليهود خلال السنوات الأولى للحماية بدؤوا يدركون أهمية طرق العلاج العصرية في الحصول على الشفاء الفعال، خاصة بعد احتكاكهم بالأوروبيين، وملاحظة فعالية الطرق العصرية، ذلك أنهم طالبوا مبكرا بالاستفادة منها مع بعض التحفظات ذات الخلفية الاجتماعية والدينية”.
وبخصوص الأمراض والأوبئة الأكثر انتشارا في الملاح القديم خلال تلك الفترة، فقد لخصها الباحث في أمراض “التيفيويد، والباراتيفويد، والجدري، والحمى القرمزية، والخناق الغشائي، وشلل الأطفال، والرمد الحبيبي، وأمراض القلب، والتهاب المعدة والأمعاء، وداء القرع”.
وزاد شارحا بأن “احتجاجات النخبة اليهودية تعددت أمام تلك الوضعية الصحية، حيث طالبت إدارة الحماية بالتدخل من أجل إيجاد حلول مناسبة كفيلة بتحسين الوضع”، لافتا إلى أن تلك الشكاوى “زكتها المصالح البلدية للمدينة، حيث نبهت إلى أن الملاح القديم لم يعد صالحا للسكن نهائيا، وأنه أصبح يشكل خطرا ليس فقط على صحة اليهود، بل على باقي الصحة العمومية للمدينة”.
وواصل بأن “الهاجس الأول الذي تحكم في رسم الاستراتيجية الصحية للإدارة الفرنسية منذ السنوات الأولى من الحماية، كان هو حماية المستوطنين من الأمراض وعدوى الأوبئة التي كانت مستشرية بالبلاد، أي تأمين التغطية الصحية لـ”المغرب النافع”، ما دفعها إلى تقديم العديد من الخدمات الصحية لصالح الأهالي”.
وفيما يتعلق بالمؤسسات الصحية الكبرى، فلم تحدث سلطات الحماية مستشفى خاصا باليهود بمدينة مكناس، حسب المقالة عينها التي أوردت أن الأمر اقتصر على تلقيهم العلاجات داخل وحدة خاصة بالمستشفى المدني الأهلي “سيدي سعيد”، الذي كان عبارة عن مرفق صحي عمومي يستفيد من خدماته اليهود والأعيان والأجانب دون المسلمين.
وأشار الباحث إلى بعض المجهودات الصحية التي بذلها المجتمع اليهودي لتغيير الثقافة العلاجية، حيث تم تأسيس الفرع المغربي لمنظمة إغاثة الطفولة سنة 1946، الذي أسس بدوره فروعا بجميع الملاحات المغربية، بما في ذلك مكناس، وذلك بهدف توفير قواعد الوقاية الأولية.
كما انخرط أعوان الجماعة اليهودية في الرفع من مستوى التعبئة الصحية في صفوف يهود الملاح من أجل ضمان نظافته، وفقا لرشيد دوناس الذي أكد أن اليهود انخرطوا بقوة وتلقائية في خدمات الطب العصري، ما ساهم في تحسن الظروف الصحية للجماعة اليهودية بمدينة مكناس بعد بناء الملاح الجديد.
وختم دوناس مقالته بالقول إن الإجراءات الصحية العلاجية والوقائية التي استفاد منها المجتمع اليهودي المحلي على عهد الحماية الفرنسية، ساهمت في تراجع الأمراض وتقليص نسبة المصابين بالعدوى وعدد الضحايا، كما ساهمت لاحقا في الرفع من حظوظ المرشحين للهجرة نحو إسرائيل بعد سنة 1948.
The post باحث يرصد الوضع الصحي ليهود مدينة مكناس في عهد الحماية الفرنسية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/Nle2I7Q
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire