مصارعة الثيران

كعادة الثيران المهجنة التي ترتكز في نظامها الغذائي على أعلاف هجينة، منفوخة بالدعاية.. كان الثور الإسباني يلتهم ما يوضع له فوق طبق من ذهب، لولا أن رياح التغيير التي هبت على البحر الأبيض المتوسط كانت كفيلة بأن تدفع الثور إلى تفقد مكان جلوسه، لتكون المفاجأة هي أن سنوات الغرور كانت كفيلة بكشف عيوب هذا “النظام الغذائي”.

الوزن الزائد، وعدم القدرة على المناورة، وبطء التحرك.. كلها أعراض أكدت أن شيئا ما ليس على ما يرام، كما أكدت أن الثور غير جاهز للمشاركة في مسابقة “مصارعة الثيران” لسنة 2021.. ومن المصادفات أن المغرب خصص، خلال هذه السنة، ما يناهز 50 مليون درهم لترميم حلبة مصارعة الثيران في طنجة؛ بل إن أصحاب المبادرة خصصوا جوائز لأحسن ثلاثة تصاميم، يمكن أن تساهم في إحياء ساحة “بلاثا طورو”، وهو ما يعني أن المغرب يواصل النهل من مختلف الحضارات.

يمكن للثور أن يصبح مقدسا في بعض المجتمعات؛ لكن الأمر لم يعد كذلك في منطقة البحر الأبيض المتوسط. كما أن الاحتفاء بمصارعة الثيران تحول إلى طقس للبهرجة الكبرى، لا علاقة له بالمعتقدات؛ لكن الثور الإسباني فقد الكثير من وزنه في ظل جائحة “كورونا”، وربما تغير ميزان القوة، بعد دخول مصارعين أقوياء للحلبة، ما يعني ضرورة مراجعة الحسابات القديمة..

ولا يمكن تغطية مشكلة الثور بمشكلة صغيرة اسمها “بنطبوش”، لأن المطالبة بمحاكمة “مهاجر سري” متهم بارتكاب جرائم حرب على التراب الإسباني هو اختبار للديمقراطية والمؤسسات الإسبانية. أما مشكلة الثور فهي أعمق، لأن تحركاته أصبحت تهدد استقرار المنطقة؛ فقد تحول من ثور مروض إلى ثور هائج، كما يحدث في بعض الأسواق الأسبوعية، عندما يضطر بعض المواطنين إلى إعادة “ضبط” تحركات ثور غاضب وإعادته إلى حجمه الطبيعي، حتى لا ينفض السوق من أساسه.. لأن الثقة والأمن هما أساس انعقاد جميع أنواع الأسواق، من سوق “الدلالة” البسيط إلى أسواق البورصات العالمية.

يمكن للثور أن يدك كل شيء في طريقه، كما يمكن أن يلحق ضررا بالحقول التي يجتازها.. وكل هذا ليس في صالح المواطن، كما أنه ليس في صالح الصداقة بين الشعبين المغربي والإسباني، حيث يحتل الإسبان مكانة متميزة عند الشعب المغربي، والعكس صحيح، وما مباريات كرة القدم والحماس الذي يرافقها إلا دليل على هذا الشعور الصادق والمتبادل. لذلك، لم يقبل المغاربة في أي يوم من الأيام مساندة الطروحات الانفصالية عند الجيران، وما يحبونه لأنفسهم يحبونه لجيرانهم؛ لكن الجيران تناسوا “حق هذا الجار” عليهم في حالات كثيرة.

يمكن لهذه الجلبة أن تهدأ في أي لحظة، ومصير الانفعالات البادية على الثور هو الهدوء؛ لكن حبذا لو كانت التكلفة رخيصة، وحبذا لو تم التقليل من “المهيجات”، لأن العالم لن يقبل بمشاهد “مصارعة التيران”، بشكلها التقليدي، لأنها لعبة لا تخضع للمنطق.

The post مصارعة الثيران appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3cbtoPA

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire