هل تعتقد أخي المهاجر غير النظامي، المتسلح في مواجهة البحر بقارورات المياه الفارغة، أن وصولك إلى الضفة الأخرى سيحل المشكلة؟ هل تعتقد أنهم سيحتضنونك ويمنحونك المأكل والمشرب بلا مقابل؟ هل تعتقد أنك ستصل إلى هناك لتستيقظ عند الساعة الواحدة زوالا لتجد أمّا أو أختا تقدم لك كوب الشاي أو القهوة في أحد أكبر مشاهد الدلع التي لم يعد معمولا بها حتى في سناريوهات الأفلام؟
هل تعتقد أخي المهاجر دون وجهة محددة ودون هدف محدد أنك ستجد شغلا بدون عناء؟ هل تعتقد أنك ستتدبر أمرك لتبيع الخضر والفواكه والسمك في الشارع العام دون حسيب أو رقيب؟ هل تعتقد أنك ستحرس السيارات دون إذن أصحابها، فقط باستعمال سترة صفراء؟ هل تعتقد أن نعيم الفوضى الذي تعيشه هنا حيث يمكن للزبون أن يطلب كوب قهوة في الساعة العاشرة صباحا ولا ينتهي من شربه إلا بعد ساعات الزوال يوجد هناك؟ هل تعتقد أن التضامن والأخوة الموجودين هنا يوجدان هناك؟
لا نتحدث هنا عن هجرة الكفاءات والأدمغة، فهذا النوع من البشر مطلوب في كل زمان ومكان، لكن الفئات التي تعيش على التضامن المجتمعي، وعلى ما تخلفه سواعد وعقول العمال الحقيقيين الذين يصنعون وطنا، يجب أن تعرف أن الحل لا يكمن بتاتا في الهجرة، أو في الانفجار الكبير، بل يكمن في الصبر والجلد لتكوين الذات أولا، وعندها فقط ستنهار كل الحدود أمامك، فالكفاءة في العمل والدراسة وإتقان العمل، عوامل تتجاوز كل الحدود مهما كانت شاهقة وشائكة.
فلنقسو على أنفسنا في هذا الزمن الذي لا يرحم، ومن ذلك ألّا نحاول إيجاد أي مبررات لأولئك القاصرين الذين اندفعوا نصف عراة إلى البحر، مصدقين الدعاية البراقة، بل إن هذه الصور التي أحرجت المغرب أمام العالم تحتاج بكل تأكيد إلى فتح تحقيق حول “المحركات الخفية” لهذا النزوح الجماعي نحو المجهول، كما يجب أن نعرف أن “محركات الضغط” على المغرب ستجعل من هذا التصرف الطائش مطية لإطلاق أبواق الدعاية ضده، وقد لاحظنا كيف بادر المتطرفون إلى دعوة الدول الأوروبية لمنع منح التأشيرات للمغاربة.
لا يمكن إقناع العالم بأي نموذج تنموي طالما أن هناك مواطنين قابلين للاندفاع نحو البحر بدل التعاون لحل المشكل من أساسه. يمكن القول بلغة شاعرية، إن “النازحين” المهرولين نحو الحدود الوهمية مع سبتة المحتلة كانوا يبحثون فقط عن الأمل، لكن إلقاء نظرة على هؤلاء المهاجرين كفيلة بإعطائنا فكرة عن هذا النوع من الهجرة التي تعطي الانطباع بأننا قادرون على تعميم الفوضى في العالم إذا لم تتحقق مطالبنا.
إن ما حدث من هجرة مفاجئة يسائلنا كمجتمع وكمسؤولين وكمرشحين للمغادرة؛ ذلك أن تكرار مثل هذه الصور لن يخدم مصلحة الأجيال المقبلة، كما يصعب إقناع العالم بأن ما حدث كان مجرد “زلة طائشة”. وبه وجب الإعلام، وما كل شيء يقال.
The post مهلا أيها المهاجرون appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.
from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3uExshY
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire