حِـمّيش يسبر أغوار الأنثى في كشف عشقيات واعترافات "نون النسوة"

إذا كانت “نون النسوة” في الإعراب ضميرا متصلا يدل على جمع الإناث، ويتصل بالأفعال ماضيها ومضارعها وأمرها، فإن نون النسوة عند الأديب والفيلسوف المغربي بنسالم حميش عبارة عن عشقيات واعترافات حميمية تسبر أغوار الأنثى.

ويغوص حميش، في مقال له عبارة عن شذرات ولمحات ماتعة توصلت به جريدة هسبريس، في عشقيات الأنثى بما هو ظاهر، بينما الله يتولى السرائر، قبل أن يعرج على “سيدات المالنخوليا والأحزان” اللائي يعانين من البدانة والقنوط والشروخ، منهيا شذراته بالكشف عن “اعترافات خطيرة” بنون النسوة.

عن نون النسوة بما لها وما عليها إجمالا

أ- عشقيات

الحبُّ؟

تلازمٌ بالروحِ وحسنُ التلاحم. قال المحبان: تلازمنا بالعينِ وتلاحمنا حتى توحّدنا.

أمّا إذا اشتكى المحبان من الرتابةِ والأضجار، فاعلمْ أن حبهما لغوٌ ولهوٌ وهُراء.

~1~

بين نسوةٍ، كلهنَّ حسناوات وذكيات، كان يجد نفسه دائما معلقا في البينية. لكنه، مع ذلك، ميّال هوَ إلى من منهنَّ تُعْلنُ تشاؤمها الشديد بإطلاق ضحكاتٍ ضاخبةٍ مرفقَةٍ بدموعٍ حرّى منهمرة.

~2~

في يوم ربيعي، وافر الخصب والبهاء، نصبتْ نسوة لصنو يوسفَ كمينا في وادٍ ذي زرع وشجرٍ باسقٍ كثيف وظلٍّ ظليل وماءٍ دفيق، فانقضضنَ عليه لـمّا أن وقع في الكمين، فعصبنهُ وكمّمنهُ وكبّلنهُ وقلن له: “هيتَ لك، ما أجملك!”، ثم نلنَ منه ما أحببنَ واشتهين، حتى إذا لامستِ الشمسُ فخذ المغيب، سللنَ ثيابهنَّ من ثوبه، وفررَن فرحاتٍ غانمات، تاركاتٍ صنوَ يوسفَ خائرا منهكا، يناجي ربه مستفتيا…

وحين غبنَ عنهُ قام فتطهرَ في ماءِ النهر وتوضأ، ثم صلى ركعتين حالما بعود عهد الملثمينِ الأُوَّل.

~3~

قوّلتُ واحداً من شيعةِ الحبِّ العذري وورثاءِ شعلتهِ وسره:

لكلِّ سببهُ في خروجه صباحا من فراشه وبيته ثم ذهابه للتعيش والدّبّ. وسببي أنا أني أومنُ بالتي هي في فراشي امرأةً وحبيبة.

أما يوم، لا قدَّر الله، ينقطع ما بيني وبينها، فسألوذُ بمطافي وأنشد النوم الأبدي… قلْ كلٌّ يعملُ على شاكلته!

~4~

عشيقان ينشدانِ التوحدَ ما استطاعا إليه سبيلا:

يأكلان في صحنٍ واحدٍ،

ويشربان من كأس واحدة،

ويتناوبان على السيجارة الواحدة،

ويهتف الواحد للآخر في كل لقيا: يا أنا!

هكذا للآخرين يبدوان، والله بالسرائر وما تخفي الصدور علاّم.

~5~

ٱنظروا إلى عجوزين يجران وراءهما عبء عقودهما المديدة، يمشيان الهوينى متآزرين كأنما الواحد عكاز الآخر، يلوي عليه حتى لا يسبقه إلى مأربة أو مخربة.

~6~

مفتونا خارجا عن طوره، كان يقف أمام كل هذا الجمال، جمال جسدٍ غضٍّ لم يمسسهُ نقصٌ ولا بشر، فيقول عنه بالهتف: إن هذا الجسدَ نورٌ من عالمٍ آخر وحجةٌ على وجودِ الصانعِ أخرى.

ب/ سيدات المالنخوليا والأحزان

~1~

هذه المرأة الحزينة دوما: إذا ما ندَّت عنها ابتسامة، كانت الابتسامة فلتةً وامضة أو فاصلةً اصطناعية بين اكفهرار واكفهرار.

لها باعٌّ وأيُّ باع في البرهنة على أن في البدء كان الحزنُ بل الكرب، حتى إنها في ذات الموضوع باتت تسحب كلَّ البسطِ من تحتي، ولا تترك لي مخرجا إلا أن أسحب من تحتها بساطي وأهرب خوفا على آخر بطّارياتي.

~2~

التبغُ عدوُّ العافية! لكن ما أروعَ حبيبتي وهي تحرق في حركاتها وكلامها علبةً تلو العلبة، حتى باتت السيجارة بين شفتيها مِقْوَداً أو بوصلة.

~3~

أمام غلوها في الانكباب على ما تسميه جراثينها الباطنية وشروخ الدنيا الدنية، كنت أدعوها إلى النظر في أحزانها المقيمة من مرصد نشأة الكوسموس وأعمارِ مجراتِ الكواكبِ والنحوم، فكانت دائما -متشبثة بمجهرها الجواني- تنهرني قائلة: لا رغبةَ لي إطلاقا في تشتيت وعيي وتبذيره. لا شيءَ يستطيعُ صرفي عما أحكيه بجسدي الحي ومأساتي: لا السرمدية ولا قصة الكون وديكوره… وإذ حملقتُ في وججها كأني أسألها: ولا أنا؟ قالت بلجهة القطع والفصل: ولا أنت.

حالئذٍ انتصبت واقفا وانسحبتُ تاركا سيدة القرار والعزم تمخر عباب نفسها الثكلى نحو مغاراتٍ وسراديبَ لا أحد يعلم بنيتها ومسالكها إلا هي.

~4~

لم تكن لها من حيلة وترياق ضد تسلط طامة القنوط عليها سوى أن تكدَّ في مباغثة نفسها أو الآخرين بالهرجات والقصص الهزلية.

~5~

كان اختلاؤها في بيتها للرقص أو للنفخ في الناي ضربا من الصلاة واستدراراً لتناغم مّا مع أمعاءِ الطبيعة وموجاتها. لذا صارت تكتب على بابها بأغلب اللغات الحية المفهومة: رجاءً عدم الإزعاج…

~6~

حياتها؟

كالريشة كانت: خفيفةً، رهيفةً، ناعمة.

فتاةٌ هي في غاية النحول، تكاد لا تُلحظ إلا إذا كحبت أو من الأعماق تنهدت.

حياتها؟

بل كالفراشة هي، تهفو نحو نورٍ حارقٍ كانت وحدها تدركه ولا تراه.

~7~

امرأة مفرطةُ البدانة، عرفتها تفكر جديا لو كان بالإمكان خلعُ زوائدها ووضعها في مخزن قبل الخروج إلى ملاقاة صورتها في أعين الناس.

هذه المرأة جرت ذات صباح باتجاه حافلة على وشك الإقلاع، فسقطت على الرصيف قبيلَ أن تلحقها بمتر أو مترين، جثةً بلا روح سقطت.

ج/ اعترافات

~1~

من باب المصارحة قبل المصالحة، قالت خليلة لي:

لا قدرةَ لي على تهوينِ ترهل جسمي، لكني لمقاومة الترهل الذهني أفعل ما في طاقتي وجهدي.

بلعتُ ريقي وركزتُ ناظريَّ في الأرض عساني أرمز إلى حيادي السلبي.

~2~

لأنني لا أحب رؤيتها وهي تعبس أو تضحك ولا هي تأكل أو تشرب، صرت أتعلل لها بقولة مفادها: أن نتحابَّ ليس معناه أن نتناظر وجها لوجه، بل أن ننظر معا أمامنا إلى نفسِ الوجهة.

ويوم سألتني عن صاحب القولة لاعنةً أمه، أجبتها: لعله الكاتب الطيار، سانت إيكزوبيري، صريع التحليق الجامح وسوء الأحوال الجوية.

~3~

كان يسر لبعض ندمائه وهو في عز السكر:

عديمة الصدرِ والذوق تلك التي هي في عنقي: ما التقيتُ بها وتواجدت معها إلا كان العراك ثالثنا، إلا وكانت المأساة خديمتنا الطيعة المتفانية.

~4~

وهذا عشيرٌ كان دائما في بلاد الفرنسيس يُعجب أيما إعجاب بكلمة مضيفاتٍ أو مستقبلات أنيقاتٍ يأتيهن طالبا معلومة أو خدمة، فيتهز انفعالا حين يترجم كلمتهنَّ إلى لغته الأم: “أنا لك”، حتى ليكاد يجيبهن مندفعا: “وأنا أكثر… أنا لك”.

~5~

حين سألتها عن علة انغماسها في الحب وتطبيقها لسنةِ التغييرِ والتداول على الراغبين، أجابتني بمنتهى الرزانة والجدية بما أذهلني وكاد يطيش له عقلي: أتورط في ما تذكر حتى لا أنتكس فأسمن.

~6~

للبقاء على قيد مظاهر الزواج، وحفظاً لبعض ماء الوجه، وقَّع رجل وامرأته في عقدٍ ثنائيٍّ سريّ، مفاده، بالنص أن يتحاشى الواحدُ الآخرَ ما وسعه التحاشي، وأن لا يتناديا من خلف الأبواب العازلة إلا إذا أصاب أحدَهما خطرٌ داهم أو ضيق لا يُطاق أو شبت في المنزلِ نار أو غمره فيضان.

The post حِـمّيش يسبر أغوار الأنثى في كشف عشقيات واعترافات "نون النسوة" appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.



from Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية https://ift.tt/3g0x6Na

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire